بدأ تعليمه الجامعي في عمر الخامسة عشرة، ويسافر منذ نحو ستة أعوام بشكل متواصل، ليعبر حدود ومحيطات وقارات وبحار وصحارٍ وجبال أكثر من 100 دولة بالمفهوم الجيوسياسي، واستنتج أن العالم واحد، لكنها أيضاً فكرة جدليّة.
مرتضى (27 عاماً) خرج من العراق طفلاً نابغة، حيث سهّل له تفوقّه وتميّزه بين الطلبة، الطريق إلى العالم، انطلاقاً من أزقّة حيّ الحرية البغدادي، الذي عاش فيه مع عائلته حياة بسيطة، تحت الحرب والظلم والطائفية، وحتى التشريد.
يقول لـ"ارفع صوتك" بتواضع "أنا لست مؤثرا أو مسافراً أو إنستاغرامر أو مهندساً، أنا رجل عادي من العراق يحب استكشاف العالم ويشارك عبر مواقع التواصل حكاياته".
وعبر موقع إنستغرام، يتواصل مرتضى منذ عام مع متابعيه وأغلبهم من العراق، يحاول نقل تجاربه وعلمه وطرح حوارات بالإنجليزية للمساعدة على تعلّمها، بالإضافة إلى إطلاعهم على فرص ومنح للعمل والتعلّم في الخارج.
السّفر والعمل
يقول مرتضى "نشأت في حي فقير، وكانت عائلتي تعيش حياة بسيطة ولم يكن لدينا الكثير من الامتيازات أو الأموال أو الروابط. عانينا من الحرب وتدميرها تمامًا مثل معظم العائلات العراقية، وكانت عائلتي ضحية ظلم العنف الطائفي الذي أخرج أحباءنا وشرّدنا من بيتنا".
وكان مرتضى دخل المدرسة بعُمر خمس سنوات، وبسبب ملاحظة عائلته نبوغه المبكّر، نقلوه إلى مدرسة للطلاب الموهبين في بغداد".
يقول "كنتُ محظوظاً بما يكفي للحصول على منحة دراسية في إحدى الجامعات الكندية"، ومن جامعة "بريتيش كولومبيا" نال شهادة البكالورويس في هندسة الكمبيوتر.
ولأنه يحب السفر، حاول مرتضى إيجاد وظيفة بحجم أحلامه في استكشاف العالم الكبير، ليصبح مبرمجاً في شركة فيسبوك.
مقرّ الشركة في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأميركية، إلّا أن هذا لا يمنع العمل معها عن بُعد، كما يعمل الكثير منّا منذ شهور نتيجة لأزمة جائحة كورونا.
يَقظة أولى وثانية
يسافر مرتضى منذ ست سنوات بشكل متواصل، ولا يقضي الكثير من الوقت في كل دولة يزورها، يقول "بالطبع هذا سبب كوني وصلت لأكثر من مئة دولة، فلا أقضي عادة أكثر من ثلاثة أيام في كل منها. أدرك أن هذا يحدد خيارات التعمّق في ثقافاتها لكن لدي أسبابي".
"لا أتصوّر حياتي من دون السفر، ولا أعرف كيف سأكون من دونه. لقد فتح عينيّ على جمالية العالم وتنوّعه" يقول مرتضى.
ويوضح لـ"ارفع صوتك": "السفر الأول كان لأميركا الشمالية، الذي مثّل خروجاً من عالمي الصغير في بغداد إلى بلاد كبيرة وثقافة مختلفة تماماً، ما شكّل بالنسبة لي اليقظة الأولى، أما اليقظة الثانية، فسببها السفر إلى خارج أميركا".
يقول مرتضى "في السفر فهمت الكثير مما لم أكن أعيه، أصبحت أرى العالم بشكل أفضلـ وأستوعب الاختلافات والتشابهات، وفي نفس الوقت أدرك كم هو معقد وواسع وكبير، ويعج بمثيرات الدهشة".
مدخل "إلى نفسي"
"في الوقت الذي عرّفني السفر بالتشابهات والاختلافات بين البشر، دفعني هذا إلى التفكير بنفسي، ووضعها في دوامة أسئلة: لماذا أفكر بهذه الطريقة؟ بماذا أؤمن ولماذا أؤمن بذلك؟ لماذا أطلق الأحكام على الناس الذين لا أعرفهم والأشياء التي لم أألفها؟" يقول مرتضى.
ويضيف لـ"ارفع صوتك": "كما منحني السفر دروساً في التاريخ. ووقعت في حب التاريخ مجددًا، حيث كان مدخلي لمعرفة أعمق لحركات الشعوب ونموّها عبر الزمن، وما أصبحت عليه اليوم، لذا أهتم بزيارة المتاحف، وطالما شعرت بالدهشة".
وقبل السفر خارج أميركا الشمالية، كان مرتضى "أقل ثقة في التواصل مع الناس خصوصاً الغرباء، ومحافظاً، وخجولاً جداً" وفق قوله، إلا أن السفر وضعه في محطات تجعله على احتكاك مباشر مع مخاوفه ونقاط ترددّه.
يقول مرتضى "ساعدني السفر على النّضج وتوسيع مداركي وكسر الجليد بين والناس والتخلّص من مخاوفي".
وفي حوار "ارفع صوتك" مع مرتضى، كان هناك الكثير من الأمل والإيجابية في نظرته إلى مستقبل العراق، وإمكانية أن يحقق الشباب طموحاتهم وأحلاهم بالعمل الجّاد والحفاظ على الأمل، على الرغم من الصعوبات المحيطة، وهو ما رآه حقيقة عبر متابعة وقائع ثورة أكتوبر.
يقول "أتمنى أن أكون مصدر إلهام، سواء لشخص يريد السفر حول العالم، أو آخر يريد إيجاد وظيفة أحلامه، وربما يفتتح شركته الخاصّة، أو يتزوّج من الشخص الذي يُحب، وغيرها من الأمور".
النجاة فرصة لحياة جديدة
"حياتنا في العراق هي سبب ما أنا عليه اليوم" يقول مرتضى.
ويضيف "كنت أكره أنني من العراق لأنني عانيت أثناء حياتي فيه، ولازمتني المعاناة حتى بعد خروجي، عند كل سفارة أو عبور حدود، بسبب جواز السفر العراقي، لكنّي أ{ى ذلك مصدر قوّة".
وبجواز السفر العراقي، سافر مرتضى جميع رحلاته، يقول "يوصف جواز سفرنا بأنه الأسوأ في العالم، ولكن اتضّح أنه يمكننا فعليًا السفر إلى أي مكان تقريبًا إذا ركزنا على رغبتها هذه".
"وأنا عازم على دخول كل بلد بجواز سفر عراقي ضعيف ولكنّه طموح" يتابع مرتضى.
ويختم حوارنا بحديثه عن الفرصة الثانية للحياة، حيث كانت نجاته من أحلك الأوقات في بغداد.
يقول مرتضى "نجوت من إطلاق النار اليومي، والأشهر الأكثر دموية في بغداد. مُنحت فرصة ثانية للحياة، وسأبذل قصارى جهدي لأعيشها على أكمل وجه. وسأحوّل كل عقبة وكل انتكاسة إلى فرصة للتعلم والنمو".
هذا الفيديو تصوير مرتضى خلال زيارته لبغداد وساحة التحرير: