العراق

قتلى ونازحون وحرائق.. خسائر كردستان في "مخلب النمر" بالأرقام

دلشاد حسين
23 يونيو 2020

لم تنقطع أصوات المدافع وإطلاق الرصاص والغارات الجوية في قرى كردستان الحدودية مع تركيا، منذ فجر الأربعاء الماضي، إثر احتدام المعارك بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة، مخلفة خسائر بشرية وأضرارا مادية بين صفوف المدنيين.

وتشهد مناطق الزاب وجقورجى وسيرت وباسيا وآفا شين وحفتانين معارك مستمرة واشتباكات مباشرة بين الجيش التركي ومقاتلي العمال الكردستاني، بغطاء جوّي من غارات  المروحيات والطائرات الحربية المسيّرة التركية عليها.

كما تعرضت لهذه الغارات القرى التابعة لناحية سيدكان في محافظة أربيل ونواحي شيلادزي وباتيفا وكاني ماسي ومنطقة برواري بالا التابعة لمحافظة دهوك.

مقتل مواطن ونزوح قرى

يقول أحمد أدني، وهو مواطن من منطقة برواري بالا لـ"ارفع صوتك": "قتل  مواطن لغاية الآن، من إحدى قرى برواري بالا،  في الغارات. أما الخسائر المادية فكبيرة جدا".

ونزح سكان  أكثر من ثلاث قرى حدودية ضمن منطقة برواري بالا لوحدها التي تتألف من ٧٦ قرية، حسب أحمد، مضيفاً أن "أصوات القنابل والانفجارات والاشتباكات المستمرة تقلق سكان القرى والنواحي القريبة من مناطق المعارك".

وأشار أن برواري بالا هي المنطقة الحدودية الوحيدة التي لا تزال تشهد "حياة طبيعية" والسبب برأيه "غالبية المناطق الحدودية الأخرى نزح منها سكانها بسبب المعارك بين تركيا ومقاتلي العمال الكردستاني خلال السنوات الماضية".

ويتزامن القصف الجوي والبري التركي مع قصف مدفعي يشنه الحرس الثوري الإيراني على منطقة آلانة التابعة لقضاء جومان ضمن حدود محافظة أربيل  الحدودية مع إيران.

ومن المواطنين الذين نزحوا بسبب المعارك، رهند برادوستي من ناحية سيدكان، واضطر إلى ترك قريته ومزرعته ونزح إلى مركز  سوران.

يقول رهند الذي يعيش مع عائلة أخيه الآن "خسرنا كل ما لدينا بسبب العمليات العسكرية التركية والقصف المستمر علينا".

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "حاليا كنا نستعد لموسم الحصاد لكن النيران الناجمة عن القصف أحرقت محاصيلنا.. من سيعوّضنا؟".

إدانة حكومية

بدورها، أدانت حكومة إقليم كردستان العمليات العسكرية التي تنفذها القوات التركية داخل أراضي الإقليم وطالبت أنقرة باحترام سيادة أراضيها.

وقال المتحدث باسم الحكومة جوتيار عادل، الجمعة الماضي "نراقب ببالغ القلق والأسف أحداث المناطق الحدودية، التي أسفرت عن وقوع خسائر بشرية ومادية للمدنيين".

وأضاف عبر بيان وصلتنا نسخة منه "ندعو تركيا إلى احترام سيادة أراضينا ووطننا، ونطالب حزب العمال الكردستاني بإخلاء هذه المناطق كي لا يكون سبباً لإثارة التوترات في المناطق الحدودية للإقليم"، معربا عن رغبة حكومة الإقليم بناء علاقات صداقة مع دول الجوار ورفضها اتخاذ أراضيها قاعدة لمهاجمة أي دولة".

وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعم حكومة إقليم كردستان،  استنكر، السبت الماضي، القصف التركي -الإيراني على أراضي الإقليم، مطالباً حزب العمال والأطراف الكردية المسلحة الأخرى إلى نقل نشاطاتهم "لساحاتهم الأصلية".

وكشف بيان الديمقراطي عن سيطرة العمال الكردستاني على نحو ٥٠٠ قرية من قرى الإقليم، مشيراً إلى أن استمرار هذا الوضع سيتسبب بالمزيد من القصف ويعرض مناطق أخرى من الإقليم للخطر.

 

خسائر كبيرة

في ذات السياق، كشف مدير ناحية سيدكان، إحسان جلبي، لـ"ارفع صوتك" عن الخسائر التي لحقت بالقرى الواقعة ضمن حدود الناحية خلال المعارك والغارات الأخيرة.

وتابع جلبي "منذ الأسبوع الماضي وقرى ناحية سيدكان تشهد قصفاً جوياً ومدفعيا مكثفاً أكثر من السابق، أسفرت حتى الآن عن مقتل راع، واحترقت حقول الفلاحيين ومراعيهم بالكامل الأمر الذي دفع بسكان القرى الحدودية إلى بيع أغنامهم ومواشيهم".

وأضاف "هناك 20 قرية تحت تهديد القصف والغارات والمعارك و20 أخرى يعيش سكانها في أوضاع نفسية صعبة في ظل الخوف من امتداد المعارك إليها".

وحسب إحصائيات مدير ناحية سيدكان، نزح خلال العام الحالي سكان ثلاث قرى في حدود الناحية بسبب التوتر العسكري بين مقاتلي الكردستاني والجيش التركي، ووصلت أعداد القرى التي هجرها سكانها بسبب الحرب المتواصلة خلال السنوات الماضية في حدود سيدكان لوحدها إلى ١١٨ قرية.

 وقال إن القوات التركية خلال الأشهر الماضية توغلت بعمق نحو 30 كيلومترا في حدود سيدكان، مؤكدا أنه ورغم استمرار الغارات والقصف المدفعي إلا أن هذه القوات لم تتقدم حتى الآن نحو الأمام من أماكنها.

من جانبه، سلط مدير ناحية كاني ماسي التابعة لمحافظة دهوك، سربست صبري، الضوء على الأضرار التي تكبدتها القرى الحدودية في حدود الناحية إثر استمرار المعارك.

حرائق نتيجة الغارات التركية والإيرانية

 

حرائق نتيجة الغارات التركية والإيرانية

وأوضح صبري لـ"ارفع صوتك": "لم يعد باستطاعة الفلاحين في حدود الناحية التوجه إلى مزارعهم لحصد المحاصيل الزراعية ونقلها للأسواق؛ لأن المزارع تعرضت للغارات، ما كبّد الفلاحين خسائر كبيرة حتى الآن، فضلا عن أن 20 قرية تابعة للناحية لا يمكن الوصول إليها، بالتالي تعاني نقصاً في الخدمات، وهي ضمن المنطقة المحظورة أمنياً".

وكانت إدارة ناحية شيلادزي في محافظة دهوك، أعلنت أن ثلاثة أشخاص من سكان الناحية قتلوا إثر تعرض السيارة التي كانت تقلهم لغارة جوية تركية الجمعة الماضي.

واستدعت وزارة الخارجية العراقية، الخميس الماضي، السفيرين الإيراني والتركي وسلمتهما مذكرتي احتجاج، فيما أكد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أن الحكومة ماضية في حماية سيادة العراق ولن تسمح باختطافه.

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.