مجلس القضاء الأعلى العراقي: أكثر من 16 ألف دعوى عنف ضد أطفال
حينما فقد صلاح أبيه بحادث سيارة عام 2004 تركته أمه عند جدته (أم الأب) بحجة أنها غير قادرة على الاهتمام به وتزوجت من آخر.
كان صلاح آنذاك بعمر أقل من ست سنوات عندما وجد نفسه مجبراً على الإقامة في منزل كبير يعيش معه أربعة أعمام وزوجاتهم وأطفالهم، حيث تشارك مع جدته غرفة واحدة.
يقول مستذكرا لـ"ارفع صوتك"، إن "الجميع كان يوجه اللوم إليّ، وكأنني أنا من تسبب بموت أبي وزواج أمي".
ويسرد صلاح معاناته مع العنف وكيف ساقته الأمور من صغره إلى فشله بإكمال دراسته وكذلك العمل.
ويضيف صلاح الذي يعمل الآن في مخبز "كنت أواجه العنف بأنواعه المختلفة من قبل الجميع وزادت حدته بعد وفاة جدتي".
ووصف طفولته بأنها "مخيفة وغير عادية" بسبب العنف الذي تلقاه، وأنها "أثرت عليه بشكل سلبي حتى أنه لا يتمكن من الاستقرار وتكوين عائلة" وفق رأيه.
تحديات صعبة
حياة صلاح بنظر المحامية عواطف خلف لا تختلف حتى الآن عن الكثير من الأطفال الذين يواجهون العنف بشكل متكرر على أيدي الآباء والأمهات وكذلك الأقارب في حال فقدان أحدهما أو الاثنين معه.
تقول لـ "ارفع صوتك": "تصل مراحل العنف في المجتمع إلى أن يعامل الطفل وكأنه بالغاً، كما وتعامل البنت وكأنها خادمة أو سجينة في منزلها، وكل ذلك يقع تحت مفهوم التربية الجيدة".
وتناول قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل وكذلك قانون رعاية الأحداث العراقي أهم العقوبات بهذا الخصوص، إذ أكد قانون رعاية الأحداث على عقوبة سلب الولاية من الأب أو الأم في حال تعرض الطفل للإساءة أو الاعتداءات، فضلا عن كون القانون ترك للمحكمة المختصة السلطة الواسعة في تقدير متى وكيف يتم ذلك.
وتضيف المحامية أن "الأطفال الذين يتعرضون للعنف ينحدرون من عوائل تواجه تحديات صعبة، فالكثير منهم فقراء ودون فرص عمل مناسبة أو تعليم وأكثر ميلاً للعنف في سلوكهم".
ولا توجد حتى الآن إحصاءات دقيقة عن عنف الأطفال في البلاد لأنه لا يتم الإبلاغ عنه. وتقول المحامية إن "الذين يرتكبون العنف تجاهه غالبا ما يعللون ذلك بحاجة الطفل الى الضرب والتعامل بعنف كي يستقيم ويصلح حاله".
ولكن المحاكم العراقية سجلت خلال العام الماضي فقط 1606 دعوى عنف للطفل، وفقاً لإحصائية رسمية لمجلس القضاء الأعلى.
قوانين واتفاقيات
وترجح الخبيرة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة أنوار عيسى، أن عدد حالات عنف الأطفال أكبر من ذلك بكثير، خاصة خلال حظر التجوّل جراء فيروس كورونا.
وتقول لـ "ارفع صوتك": "نستطيع ملاحظة تزايد العنف ضد الأطفال، على الأقل، من امتلاء الأسواق والورش الصناعية بهم، فترى هذا الطفل يبيع الخضار وذاك يعمل حمالا للبضائع وغير ذلك".
وتضيف عيسى "لدينا قوانين واتفاقيات حماية الأطفال من العنف والعمالة ولكنها لا تطبق إلاّ نادراً لأن المجتمع عادة يتعامل مع الأطفال تحت تصنيف المتهم وليس الضحية".
وتتابع "أحياناً تقوم بعض الأمهات بضرب أطفالهن بشكل عنيف لأنهن تعرضن للتعنيف من أزواجهن، كأنهن يعاقبن الأبناء على سلوك الآباء".
وتتذكر الخبيرة عبارة دارجة بالمجتمع وهي "الطفل لازم ينضرب ويعطى العين الحمرة"، في إشارة إلى أهمية تعنيف الطفل ودوره في تقويم سلوكه.
وتشير إلى أن للدين أيضاً ما يقف ضد القوانين والاتفاقيات المعنية بحماية الطفولة، حيث تتزايد بعض الممارسات المتعلقة بحبس الطفلات وتزويجهن مبكراً، "وهن بدورهن يعشن ذات العنف مع أزواجهن وأطفالهن وهكذا"، حسب الخبيرة.
قوانين حماية الطفولة مثل قانون رعاية الاحداث قسمهم إلى أطفال وصبية دون 18 عاما واوجب عقوبات على الولي أو أي شخص يقوم بتعذيب الأطفال، إضافة إلى أن قانون رعاية القاصرين رقم 79 لسنة 1980 الذي تطرق في بعض مواده إلى حماية حقوق الطفل وكذلك الحال بالنسبة لقانون العمل رقم 35 لسنة 2015 حيث اشارت بعض فقراته الى مسألة حماية حق الطفولة.