العراق

مجلس القضاء الأعلى العراقي: أكثر من 16 ألف دعوى عنف ضد أطفال

24 يونيو 2020

حينما فقد صلاح أبيه بحادث سيارة عام  2004 تركته أمه عند جدته (أم الأب) بحجة أنها غير قادرة على الاهتمام به وتزوجت من آخر.

كان صلاح آنذاك بعمر أقل من ست سنوات عندما وجد نفسه مجبراً على الإقامة في منزل كبير يعيش معه أربعة أعمام وزوجاتهم وأطفالهم، حيث تشارك مع جدته غرفة واحدة.

يقول مستذكرا لـ"ارفع صوتك"، إن "الجميع كان يوجه اللوم إليّ، وكأنني أنا من تسبب بموت أبي وزواج أمي". 

ويسرد صلاح معاناته مع العنف وكيف ساقته الأمور من صغره إلى فشله بإكمال دراسته وكذلك العمل.

ويضيف صلاح الذي يعمل الآن في مخبز  "كنت أواجه العنف بأنواعه المختلفة من قبل الجميع وزادت حدته بعد وفاة جدتي".

ووصف طفولته بأنها "مخيفة وغير عادية" بسبب العنف الذي تلقاه، وأنها "أثرت عليه بشكل سلبي حتى أنه لا يتمكن من الاستقرار وتكوين عائلة" وفق رأيه.

تحديات صعبة

حياة صلاح بنظر المحامية عواطف خلف لا تختلف حتى الآن عن الكثير من الأطفال الذين يواجهون العنف بشكل متكرر على أيدي الآباء والأمهات وكذلك الأقارب في حال فقدان أحدهما أو الاثنين معه.

تقول لـ "ارفع صوتك": "تصل مراحل العنف في المجتمع  إلى أن يعامل الطفل وكأنه بالغاً، كما وتعامل البنت وكأنها خادمة أو سجينة في منزلها، وكل ذلك يقع تحت مفهوم التربية الجيدة".

وتناول قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل وكذلك قانون رعاية الأحداث العراقي أهم العقوبات بهذا الخصوص، إذ أكد قانون رعاية الأحداث على عقوبة سلب الولاية من الأب أو الأم في حال تعرض الطفل للإساءة أو الاعتداءات، فضلا عن كون القانون ترك للمحكمة المختصة السلطة الواسعة في تقدير متى وكيف يتم ذلك.

وتضيف المحامية أن "الأطفال الذين يتعرضون للعنف ينحدرون من عوائل تواجه تحديات صعبة، فالكثير منهم فقراء ودون فرص عمل مناسبة أو تعليم وأكثر ميلاً للعنف في سلوكهم".

ولا توجد حتى الآن إحصاءات دقيقة عن عنف الأطفال في البلاد لأنه لا يتم الإبلاغ عنه. وتقول المحامية إن "الذين يرتكبون العنف تجاهه غالبا ما يعللون ذلك بحاجة الطفل الى الضرب والتعامل بعنف كي يستقيم ويصلح حاله".

ولكن المحاكم العراقية سجلت خلال العام الماضي فقط 1606 دعوى عنف للطفل، وفقاً لإحصائية رسمية لمجلس القضاء الأعلى.

 

قوانين واتفاقيات

وترجح الخبيرة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة أنوار عيسى، أن عدد حالات عنف الأطفال أكبر من ذلك بكثير، خاصة خلال حظر التجوّل جراء فيروس كورونا.

وتقول لـ "ارفع صوتك": "نستطيع ملاحظة تزايد العنف ضد الأطفال، على الأقل، من امتلاء الأسواق والورش الصناعية بهم، فترى هذا الطفل يبيع الخضار وذاك يعمل حمالا للبضائع وغير ذلك". 

وتضيف عيسى "لدينا قوانين واتفاقيات حماية الأطفال من العنف والعمالة ولكنها لا تطبق إلاّ نادراً لأن المجتمع عادة يتعامل مع الأطفال تحت تصنيف المتهم وليس الضحية".

وتتابع "أحياناً  تقوم بعض الأمهات بضرب أطفالهن بشكل عنيف لأنهن تعرضن للتعنيف من أزواجهن، كأنهن يعاقبن الأبناء على سلوك الآباء".

وتتذكر الخبيرة عبارة دارجة بالمجتمع وهي "الطفل لازم ينضرب ويعطى العين الحمرة"، في إشارة إلى أهمية تعنيف الطفل ودوره في تقويم سلوكه.

وتشير إلى أن للدين أيضاً ما يقف ضد القوانين والاتفاقيات المعنية بحماية الطفولة، حيث تتزايد بعض الممارسات المتعلقة بحبس الطفلات وتزويجهن مبكراً، "وهن بدورهن يعشن ذات العنف مع أزواجهن وأطفالهن وهكذا"، حسب الخبيرة.

قوانين حماية الطفولة مثل قانون رعاية الاحداث قسمهم إلى أطفال وصبية دون 18 عاما واوجب عقوبات على الولي أو أي شخص يقوم ‏بتعذيب الأطفال، إضافة إلى أن قانون رعاية القاصرين رقم 79 لسنة 1980 الذي تطرق في ‏بعض مواده إلى حماية حقوق الطفل وكذلك الحال بالنسبة لقانون العمل رقم 35 لسنة 2015 ‏حيث اشارت بعض فقراته الى مسألة حماية حق الطفولة.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.