العراق

كلمة "الشروگ".. هل من دلالات عنصرية قاسية؟

26 يونيو 2020

بقلم: أحمد محسن

إذا كنت متابعاً لأي عمل فني غربي، غناءاً أو تمثيلاً، فيه أبطال من أصول أفريقية، لا بدّ أنك حضرت كلمة "النون-n-word"، وسنكتفي هنا بالإشارة إليها بهذه الصيغة.

المصطلح الحاضر بقوة في المشهد الاجتماعي الأميركي والغائب في الوقت ذاته، فهو من جهة تعبير مُحبب وشائع جداً في مجتمع السود الأميركيين، يتبادلونه فيما بينهم بشكل طبيعي ودعابي، وإن عدم الحديث عنه أو ذكره في الفن الأسود غير مقبول لأنهُ يمحو تاريخ إذلال الأميركيين الأفارقة قبل ثورة السود حين كانت الممارسات العنصرية ضد الأفارقة الأميركيين مشروعة قانونياً.

ومن جهة أخرى فهو محرم ذكره من قبل البيض أو أي عرق آخر تجاه أي فرد أسود، إذ يؤخذ كمصطلح مهين وعنصري ومُلمحٍ لأيام العبودية الطويلة التي قاساها السود في الولايات المتحدة طيلة عقود بل قرونٍ مضت.

وفي عام 2013 قامت شبكة قنوات Food Network الخاصة بالطبخ بطرد إحدى أشهر شخصياتها وهي الشيف باولا دين، إذ نشر لها مقطعاً مسرباً تقول فيها أنّها تخشى من السود، وقد استخدمت كلمة النون في وصفها لهم.

خسرت الشيف باولا العشرات من العقود التجارية وصفقات الإعلانات رغم تكرار اعتذارها.

ليس هذا المصطلح الوحيد الذي أعيدت صياغته واستهلاكه كلفظ عنصري، بل هناك الكثير من المفردات التي تحولت من مصطلحات عادية إلى الفاض مهينة، مثل كلمتي "شروگگگكي" و"معيدي" في العراق والتي امتلكتا تاريخ طويل من الاختلاف الطبقي والتمييز العنصري.

"الشروگك" من أين أتت؟ ومن هم؟

تشير صحيفة المراقب العراقي إلى أن تعريف كلمة الشروكگ، هو لفض مستخلص من الشرق، جهة خروج الشمس، و(الشروق) هي عملية شروق او ظهور الشمس.

واستُبدل حرف القاف في جميع هذه الكلمات بحرف الـ(الكگاف) لسهولة النطق كعادة العراقيين، فأصبحت (الشروگك).

وهي في الثقافة العراقية تعني أبناء مجتمعات المحافظات الجنوبية في العراق أو المجتمعات التي تسكن في جهة الشرق من نهر دجلة، كما في محافظة ميسان.

ولفضة (الشروكگي) باللهجة العراقية تعني الشرقي كما ذكر علي الوردي في كتابه "دراسة في طبيعة المجتمع العراقي"، حيث يقول، "ينبغي أن نذكر أن قبائل الفرات الأوسط تنظر إلى قبائل دجلة القاطنة إلى الشرق منها نظرة لا تخلو من احتقار".

وفي مقال نشرهُ محمد الوادي في عام ٢٠١١ وهو كويتي شيعي، بعنوان "انجازات الشروگية في العراق" يقول فيه: ان استخدام وصف الشروگية القصد منهُ النيل من كرامة ومكانة الغالبية الساحقة للشعب العراقي، وهو يقصد ابناء المذهب الشيعي. حيث إن غالبية من يطلق عليهم الشروگيه في العراق هم من الطائفة الشيعية وهذ يفتح لنا ابواب لبُعداً ليس عنصرياً فقط، بل طائفي ايضاً لهذه اللفظة.

 

وعلى الرغم من أن بعض التفسيرات لكلمة شروگكي تشير إلى أصولٍ سومرية (السكان الأصليين للعراق)، إلا أن اللفظ تحور منذ عقود طويلة إلى مصطلح يستخدم للاحتقار والتقليل من شأنهم، ولوصف أي شخص لا يلتزم بالآداب الاجتماعية العامة أو ينتهج سلوك غير حضاري.

ونرى مؤخراُ أن أبناء الجنوب أعادوا امتلاك وتعريف كلمة "شروكي" ولم يعد يرونها كلمة معيبة بل على العكس، كلمة فيها افتخار واعتزاز بالأصل والتاريخ. 

لأن تسمع بالمعيدي خير من ان تراه 

مثل عربي قديم جاء من نعت اطلقهُ النعمان بن المنذر على (ضمرة بن ابي ضمرة) وكان ضمرة ضئيل الوجه وقصير القامة لكنهُ مهابا بين قومهُ، ولما رآهُ النعمان ضحك من المفاجأة وقال (تسمع بالمعيدي خير من تراه) فذهب مثلاً بين العرب واستهلك كخطاب عنصري تمييزي صريح في العصور السابقة.

وعند الرجوع لأصل كلمة المعيدي (مفردة معدان) في اللهجة العراقية تحديداَ فهي تشير الى مجموعة سكانية عراقية موطنها الأصلي منطقة الأهوار في جنوب العراق. حيث يشكلون المعدان الغالبية لهذه المنطقة.

 ولاقى هذا اللفظ ايضاً في المجتمع العراقي نصيبه من التمييز العنصري. نظراً لان سكان هذا المنطقة تمتهن تربية الجواميس ويتخذون الحياة البدائية البسيطة كأسلوب معيشة مُتبع من قبل افراده.

وتطلق لفضة معيدي مرفقة بإيحاءات تدل على تخلف وجهل وجلافة تصرّف، أي كل ما يوحي بالبعد عن المدنية والتحضر.

إن مشاكل المجتمع العراقي ثقافية أكثر منها سياسية، ويقصد هنا بالثقافية، هو كل الموروث الثقافي الذي يتقاسمهُ الشعب بما فيها العادات والتقاليد والقيم والمعايير الخلقية والمواقف تجاه كل حدث. ووجود هذه الالفاظ او تأثيرها الاجتماعي ينظر لها على انها واحدة من العلل التي مازال يعانيها المجتمع بشكل عام، ولها التأثير الخطر على بنيته وعلاقاته وقيمته، الامر الذي يتطلب وضع حلول ومعالجات لمواجهة وحل ما تخلفه هذه الألفاظ من ندوب اجتماعية وتشوهات قيمية خطرة. 
 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.