كلمة "الشروگ".. هل من دلالات عنصرية قاسية؟
بقلم: أحمد محسن
إذا كنت متابعاً لأي عمل فني غربي، غناءاً أو تمثيلاً، فيه أبطال من أصول أفريقية، لا بدّ أنك حضرت كلمة "النون-n-word"، وسنكتفي هنا بالإشارة إليها بهذه الصيغة.
المصطلح الحاضر بقوة في المشهد الاجتماعي الأميركي والغائب في الوقت ذاته، فهو من جهة تعبير مُحبب وشائع جداً في مجتمع السود الأميركيين، يتبادلونه فيما بينهم بشكل طبيعي ودعابي، وإن عدم الحديث عنه أو ذكره في الفن الأسود غير مقبول لأنهُ يمحو تاريخ إذلال الأميركيين الأفارقة قبل ثورة السود حين كانت الممارسات العنصرية ضد الأفارقة الأميركيين مشروعة قانونياً.
ومن جهة أخرى فهو محرم ذكره من قبل البيض أو أي عرق آخر تجاه أي فرد أسود، إذ يؤخذ كمصطلح مهين وعنصري ومُلمحٍ لأيام العبودية الطويلة التي قاساها السود في الولايات المتحدة طيلة عقود بل قرونٍ مضت.
وفي عام 2013 قامت شبكة قنوات Food Network الخاصة بالطبخ بطرد إحدى أشهر شخصياتها وهي الشيف باولا دين، إذ نشر لها مقطعاً مسرباً تقول فيها أنّها تخشى من السود، وقد استخدمت كلمة النون في وصفها لهم.
خسرت الشيف باولا العشرات من العقود التجارية وصفقات الإعلانات رغم تكرار اعتذارها.
ليس هذا المصطلح الوحيد الذي أعيدت صياغته واستهلاكه كلفظ عنصري، بل هناك الكثير من المفردات التي تحولت من مصطلحات عادية إلى الفاض مهينة، مثل كلمتي "شروگگگكي" و"معيدي" في العراق والتي امتلكتا تاريخ طويل من الاختلاف الطبقي والتمييز العنصري.
"الشروگك" من أين أتت؟ ومن هم؟
تشير صحيفة المراقب العراقي إلى أن تعريف كلمة الشروكگ، هو لفض مستخلص من الشرق، جهة خروج الشمس، و(الشروق) هي عملية شروق او ظهور الشمس.
واستُبدل حرف القاف في جميع هذه الكلمات بحرف الـ(الكگاف) لسهولة النطق كعادة العراقيين، فأصبحت (الشروگك).
وهي في الثقافة العراقية تعني أبناء مجتمعات المحافظات الجنوبية في العراق أو المجتمعات التي تسكن في جهة الشرق من نهر دجلة، كما في محافظة ميسان.
ولفضة (الشروكگي) باللهجة العراقية تعني الشرقي كما ذكر علي الوردي في كتابه "دراسة في طبيعة المجتمع العراقي"، حيث يقول، "ينبغي أن نذكر أن قبائل الفرات الأوسط تنظر إلى قبائل دجلة القاطنة إلى الشرق منها نظرة لا تخلو من احتقار".
وفي مقال نشرهُ محمد الوادي في عام ٢٠١١ وهو كويتي شيعي، بعنوان "انجازات الشروگية في العراق" يقول فيه: ان استخدام وصف الشروگية القصد منهُ النيل من كرامة ومكانة الغالبية الساحقة للشعب العراقي، وهو يقصد ابناء المذهب الشيعي. حيث إن غالبية من يطلق عليهم الشروگيه في العراق هم من الطائفة الشيعية وهذ يفتح لنا ابواب لبُعداً ليس عنصرياً فقط، بل طائفي ايضاً لهذه اللفظة.
وعلى الرغم من أن بعض التفسيرات لكلمة شروگكي تشير إلى أصولٍ سومرية (السكان الأصليين للعراق)، إلا أن اللفظ تحور منذ عقود طويلة إلى مصطلح يستخدم للاحتقار والتقليل من شأنهم، ولوصف أي شخص لا يلتزم بالآداب الاجتماعية العامة أو ينتهج سلوك غير حضاري.
ونرى مؤخراُ أن أبناء الجنوب أعادوا امتلاك وتعريف كلمة "شروكي" ولم يعد يرونها كلمة معيبة بل على العكس، كلمة فيها افتخار واعتزاز بالأصل والتاريخ.
لأن تسمع بالمعيدي خير من ان تراه
مثل عربي قديم جاء من نعت اطلقهُ النعمان بن المنذر على (ضمرة بن ابي ضمرة) وكان ضمرة ضئيل الوجه وقصير القامة لكنهُ مهابا بين قومهُ، ولما رآهُ النعمان ضحك من المفاجأة وقال (تسمع بالمعيدي خير من تراه) فذهب مثلاً بين العرب واستهلك كخطاب عنصري تمييزي صريح في العصور السابقة.
وعند الرجوع لأصل كلمة المعيدي (مفردة معدان) في اللهجة العراقية تحديداَ فهي تشير الى مجموعة سكانية عراقية موطنها الأصلي منطقة الأهوار في جنوب العراق. حيث يشكلون المعدان الغالبية لهذه المنطقة.
ولاقى هذا اللفظ ايضاً في المجتمع العراقي نصيبه من التمييز العنصري. نظراً لان سكان هذا المنطقة تمتهن تربية الجواميس ويتخذون الحياة البدائية البسيطة كأسلوب معيشة مُتبع من قبل افراده.
وتطلق لفضة معيدي مرفقة بإيحاءات تدل على تخلف وجهل وجلافة تصرّف، أي كل ما يوحي بالبعد عن المدنية والتحضر.
إن مشاكل المجتمع العراقي ثقافية أكثر منها سياسية، ويقصد هنا بالثقافية، هو كل الموروث الثقافي الذي يتقاسمهُ الشعب بما فيها العادات والتقاليد والقيم والمعايير الخلقية والمواقف تجاه كل حدث. ووجود هذه الالفاظ او تأثيرها الاجتماعي ينظر لها على انها واحدة من العلل التي مازال يعانيها المجتمع بشكل عام، ولها التأثير الخطر على بنيته وعلاقاته وقيمته، الامر الذي يتطلب وضع حلول ومعالجات لمواجهة وحل ما تخلفه هذه الألفاظ من ندوب اجتماعية وتشوهات قيمية خطرة.