العراق

أطباء بمواجهة كورونا في العراق: منهكون بلا معدات ولا رواتب

01 يوليو 2020

لم يكن العراق أبداً مكاناً سهلاً للأطباء، واليوم مع تأخير في دفع الرواتب ونقص الإمدادات وعنف أقرباء بعض المرضى، بات النظام الصحي المنهار أصلاً في البلاد، على حافة الكارثة، في خضم تفشي وباء كورونا.

يقول الطبيب محمد الذي يعمل في أحد مستشفيات بغداد لمعالجة مصابي وباء كورونا المستجد لوكالة الصحافة الفرنسية، "نحن حالياً في وضع الانهيار".

ويضيف الطبيب الذي رفض استخدام اسمه الكامل كي يتحدث بحريّة بعدما عمل 48 ساعة متتالية "لا أستطيع العمل أكثر من ذلك. لم أعد قادراً على التركيز على الحالات والمرضى".

وسجّل العراق أكثر من 45 ألف إصابة بوباء "كوفيد-19"، بينها العديد من الأطباء، حتى أن محمد يشير إلى أنه يعرف 16 طبيباً على الأقل أصيبوا خلال الشهر الماضي.

تخطت حصيلة الوفيات اليومية في العراق حاجز الألفين، وتصاعدت تحذيرات الأطباء من أنهم غير قادرين على الصمود أكثر من ذلك.

الحال نفسه في إقليم كردستان الشمالي، حيث تخطت الإصابات عتبة الخمسة آلاف، بينهم 200 طبيب وممرض، مع أكثر من 160 وفاة.

أمام مستشفى على ناجي في محافظة السليمانية، يصطف العشرات من السكان في طابور لإجراء فحص كورونا، لكن الفريق الطبي في الداخل كان أقل بكثير من المعتاد بسبب إضراب البعض.

وعلى غرار السلطات المركزية في بغداد، تكافح حكومة إقليم كردستان لدفع رواتب موظفي القطاع العام حالياً جراء انهيار أسعار النفط والركود الاقتصادي الناجم عن الجائحة.

وكان لذلك تأثير مدمر على الموظفين في المرافق الطبية المملوكة للدولة، الذين لم يستلموا رواتبهم منذ شهرين.

نظام متهالك وتهديدات بالقتل

وأعلن الآلاف من العاملين المنهكين في مجال الرعاية الصحية في المستشفيات الحكومية بداية الشهر الحالي، أنهم سيتوقفون عن معالجة الحالة غير المصابة بالفيروس المستجد.

يقول نقيب الأطباء في السليمانية هاوزين عثمان للفرنسية، إن "20 ألف طبيب وممرض على الأقل يشاركون بهذا الإضراب الجزئي في الإقليم".

من بينهم 800 طبيب انضموا خلال الأسبوعين الماضيين، تزامناً مع تسجيل كردستان العراق ارتفاعاً في حالات كورونا.

شيفان كردة (30 عاماً) هو واحد من هؤلاء. يقول هذا الطبيب الذي يمثل الأطباء المقيمين في السليمانية "نعمل لنوبات عشر ساعات يومياً، ولكن فقط لعلاج مرضى كورونا".

لدى كردة أجور ثلاثة أشهر مستحقة منذ العام 2019، كما أنه لم راتبي نيسان/أبريل وأيار/مايو من العام الحالي.

ودأبت السلطات الصحية في كل أنحاء العراق على انتقاد حالة المستشفيات المتداعية منذ فترة طويلة، والتي أنهكتها سنوات الحرب ونقص الاستثمار والفساد الذي استنزف الأموال المخصصة لتأمين معدات جديدة.

وأكد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي للصحافيين الأسبوع الماضي أنه "ليس لدينا نظام صحي، والنظام الصحي منهار، وأبسط شروطه غير متوفرة، وذلك لأن من تبوأ المناصب في بعض مؤسسات الدولة غير كفوء، وهذه تراكمات سنوات".

ويعد العراق أيضاً بيئة خطيرة للأطباء، حيث من المعروف أن عائلات المرضى تهدد الطواقم الطبية، أحياناً بالقتل، إذا ما تدهورت حالة أقربائهم.

والأسبوع الحالي، أعلنت نقابة الأطباء العراقيين إضراباً في محافظة ذي قار الجنوبية، بعد اعتداء طال طبيبة من قبل أقرباء أحد المرضى.

"مسألة وقت"

في شمال العاصمة، يقول عدد من الأطباء المعالجين لحالات كورونا، إنهم وزملاؤهم باتوا على حافة الإرهاق، من دون أي تعويض عن العمل الإضافي.

ويلفت الطبيب عمار فلاح (27 عاماً) إلى أنه لم تكن هناك مكافآت مادية خلال التظاهرات الشعبية في تشرين الأول/أكتوبر ولا خلال الاستنفار في الحرب ضد تنظيم داعش.

ويضيف "فهل تتوقعون أن الراتب سيزيد على عدد الساعات الإضافية التي نقضيها الآن؟".
يقول فلاح إن مستشفى الكندي التمريضي حيث يعمل، يوزع فقط خمس كمامات من نوع "أن 95" لكل طبيب شهرياً.

ولكن مع التفاعل الكبير مع المرضى المصابين، يقول فلاح إنه بحاجة إلى تبديل الكمامة مراراً، وعليه بدأ في استخدام راتبه الشهري البالغ 750 دولاراً لشراء معدات الوقاية.

ويتابع "إذا زادت ساعات العمل أو زاد عبء العمل، سنضرب عن العمل أيضاً".

وفي مستشفى آخر في بغداد، يقر الطبيب وائل (26 عاماً) بأن حالته الذهنية كانت تتدهور.

يقول لوكالة الصحافة الفرنسية "قبل كان التنفيس عن ضغط العمل هو بالخروج ورؤية الأصدقاء والأهل في أوقات العطل، ولكن أصبحت أرجع من مستشفى الحجر لأحجر نفسي في غرفتي في البيت".

ويشير إلى أن خوفه الأكبر مع زملائه هو نقل العدوى من مرضاهم إلى عائلاتهم، ومع معدل الإصابة السريع، قد يصبح أسوأ كوابيسهم واقعاً.

ويوضح الطبيب وائل "لقد ظهرت عليّ العوارض لمدة شهر، ولكن طلب مني الاستمرار في العمل. الإصابة هي مسألة وقت للجميع".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.