العراق

مبادرة لحل أزمة تكدّس المحاصيل الزراعية في كردستان

دلشاد حسين
08 يوليو 2020

حماية المحاصيل الزراعية من التلف ومساعدة المحتاجين تمثل أبرز أهداف المبادرة التي أطلقتها مجموعة من المنظمات المحلية في كردستان العراق، عبر شراء كميات من المحاصيل الزراعية وتوزيعها على المحتاجين وذوي الدخل المحدود من سكان محافظة أربيل.

واحتشد، الاثنين، عشرات الفلاحين على الطريق الرابط بين محافظتي أربيل ونينوى وأتلفوا محاصيلهم الزراعية على الطريق احتجاجاً على انخفاض أسعار الخضروات، وعدم وجود مشترين لها وانعدام الدعم من قبل وزارة الزراعة في حكومة الإقليم.

وطالب الفلاحون وزارة الزراعة في الإقليم بدعمهم كي لا يتضرروا نتيجة انخفاض الأسعار، كما دعوا إلى فتح الطرق مع محافظات العراق الأخرى ليتمكنوا من تسويق محاصيلهم فيها.

 وتأتي هذه الاحتجاجات كجزء من احتجاجات الفلاحين في كافة أنحاء العراق، على تهميشهم من قبل الحكومة وتراكم محاصيلهم الزراعية بسبب إجراءات الإغلاق التي تتخذها السلطات للحد من انتشار وباء كورونا، فضلا عن انعدام المخازن الخاصة بخزنها وعدم وجود الصناعات الغذائية لتعليبها.

وتزامنا مع الإضراب الذي أعلنه الفلاحون، بادرت مجموعة من المنظمات غير الحكومية في الإقليم إلى المساهمة في تقليل آثار انخفاض أسعار المحاصيل الزراعية على الفلاحين، عبر المباشرة بشراء كميات من محاصيلهم وتوزيعها على المحتاجين في أربيل كخطوة أولى من مشروعهم الذين يأملون أن يستمر ويتوسع ليشمل المدن الأخرى في العراق.

 

اعتماد على التبرعات

هيمان رمزي رئيسة منظمة تولاي التركمانية وهي إحدى المنظمات الشريكة، تقول لـ"ارفع صوتك"، إن "المبادرة تدعم الطرفين (المزارع والمحتاج) في ظل الأزمة الاقتصادية التي نمر بها منذ شهور وتأخر دفع رواتب الموظفين، وتعطيل العمل في كافة المجالات".

وتضيف أن المنظمات المشاركة في المبادرة تعتمد على المتبرعين من الخيرين لإنجاز المبادرة.

وتوضح رمزي "بعد أن أطلقنا النداء لجمع التبرعات من أجل بدء المبادرة شهدنا استجابة من الخيريين، ما ساعدنا على إعداد 150 صندوقا من الخضروات وتوزيعها على 150 عائلة كوجبة أولى في محافظة أربيل".

وتشير إلى أن المنظمات العاملة في المبادرة تنتظر الحصول على تبرعات كي تواصل العمل في شراء المحاصيل وتوزيعها على كافة المحتاجين وذوي الدخل القليل في محافظة أربيل.

وتكبد القطاع الخاص في إقليم كردستان خسائر تقدّر بأكثر من مليار دولار،  وبات أكثر من 150 ألف موظف وعامل من عمال الشركات عاطلين عن العمل، وفق إحصاءات رسمية.

في هذا السياق، يقول مصطفى العطار رئيس منظمة العين لـ"ارفع صوتك": "صحيح أن أسعار الفاكهة المعروضة في سوق بيع الخضار بالجملة رخيصة جدا، لكن المواطن لا يستفيد من هذا الانخفاض لأن الباعة المتجولين داخل أحياء المدينة يبيعونها له بأسعار مرتفعة وهذا دفعنا إلى التفكير بإطلاق المبادرة، فالمحتاجون وذوو الدخل القليل لا يستطيعون شراء الخضروات بهذه الأسعار، بالإضافة إلى منع إتلافها لغياب المشتري".

وتتكون كل سلة من السلال التي وزعتها هذه المنظمات من سبعة أنواع من الخضار الرئيسية بوزن ١٤ كيلوغرام للسلة، تكفي العائلة الواحدة لمدة تتراوح ما بين أسبوع وعشرة أيام، حسب المنظمات الراعية.

ويشير العطّار، إلى أن المبادرة تسعى لأن تشمل محافظات العراق الأخرى، مضيفاً "اتصلنا بمجموعة من المنظمات المحلية في بغداد وبحثنا معهم الفكرة، هم أيضا قرروا تنفيذها لديهم بعد انتهاء حظر التجول".

"كما سنسعى لتنفيذها قريبا في الموصل ومحافظات أخرى شهدت تراكما للمحاصيل الزراعية"، يقول العطّار.

وبحسب المشاركين في المبادرة، يعتمد استمرارها وتوسيعها على استمرار التبرعات المقدمة من الناس.

من جهته، يقول أحمد يعقوب جلال رئيس منظمة تنمية التربية والثقافة، إن "استمرار المبادرة سيساهم في تخفيف أزمة العائلات المحتاجة داخل أربيل والمناطق الأخرى".

ويوضح جلال لـ"ارفع صوتك": "إذا توسعت المبادرة مستقبلا لتشمل عددا أكبر من العائلات، حينها سنعتمد على شراء المحاصيل مباشرة من الفلاحين، أما الآن فنحن نشتري المحاصيل من العلوة (سوق بيع الخضروات والفواكه بالجملة)".

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.