العراق

مرتضى جصاني والرسم بالكلمات: الخط فن وروح

رحمة حجة
10 يوليو 2020

"في البداية هل تحب أن تُدعى خطاطاً أو فناناً؟" سؤال أول للشاب العراقي مرتضى الجصاني، الذي أبدع في رسم حروف اللغة العربية.

يجيبنا "بالنسبة لأهل الخط، لا يمكن تسمية الخطاط فناناً، كما يعتبر شيئا ينقص من مهارته الخطية، وبالنسبة للفنانين،  لا يعتبرونه فناناً، لأن الخط قائم على أصول متى ما تمكن منها الإنسان أصبح خطاطا، فيما يُقاس الإبداع على مدى جودة حروفه وإتقان القواعد الخطية".

"بالنسبة لي أرى أن الخط من أهم العناصر الفنية التي يستند عليها الفن التشكيلي، لذا فهو فن عميق قائم على الرمزية والسيميائية، وعلى الخطاط أن يتعامل مع الحرف كفن وروح، وعلى الفنانين أن يتعاملوا مع الخط كأحد جوانب الفن التي تملك طابعاً خاصاً" يوضح  مرتضى.

 

من هو مرتضى جصاني؟

مرتضى مهدي جصاني (32 عاماً) من محافظة واسط، وهو عضو المركز الثقافي للخط العربي والزخرفة وعضو جمعية الخطاطين العراقيين.

ودرس الفيزياء في كلية العلوم بجامعة واسط، إلا أن ذلك لم يمنعه من البناء على شغف مبكّر، والإبحار في عالم الخط.

بدأ تعلم الخط في مرحلة مبكرة ربما في الابتدائية على كراسة عميد الخط العربي الراحل هاشم البغدادي، كما يقول، وانقطع بعدها مدة من الزمن، ليعود مجدداً فترة الدراسة الجامعية لتعلّم الخط بصورة تقليدية، معتمداً على تشريح الحرف، بالإضافة إلى الاطلاع والقراءة حول الفنون الأخرى.

يقول مرتضى لـ"ارفع صوتك":  "في تلك المرحلة، بدأ طابعي الخاص بالتبلور، ربما كان ذلك جيداً وربما لا، لكن تجربتي الخاصة اعتمدت على الثقافة الخطيّة التقليدية مقترنة برؤية فنية معاصرة".

هذه التجربة، نقلته لمرحلة جديدة، وهي المشاركة في المعارض التي أقامها المركز الثقافي للخط العربي في أغلب المحافظات العراقية، كما شارك في مهرجان الرواد التاسع، نال فيه شهادة تقديرية، وشارك في معرض طوكيو المفتوح، ومجدداً في معرض الروّاد بنسخته العاشرة، ضمن جناح خاص مع حاز فيه على شهادة تقديرية ووسام الإبداع.

ومن المشاركة الجماعية إلى العرض المنفرد، حيث أقام معرضه الأول بعنوان "حبر متمرد" في قاعة الفنون التشكيلية ببغداد عام 2017، وفي المركز الثقافي ببغداد أيضاً أقام معرضه الثاني بعنوان "مقامة الحب" عام 2019.

كما عمل مع الشاعر اللبناني بلال المصري في مشروع "تجلّي الجميل"، حيث خطّ بعضاً من أشعاره، ضمن لوحات فنيّة.

 

وتأثر مرتضى بالخطاط العراقي الرّاحل محمد سعيد الصگكار، مبتكر الخط البصري. وهو شاعر أيضاً، ومارس العمل الصحافي، وأصدر أكثر من 14 كتاباً في الشعر والتشكيل والمسرح والقصة القصيرة والدراسات اللغوية والفنية وغيرها، ويعتبر من أبرز المبدعين العراقيين في الخط العربي في القرن الخامس عشر الهجري، وتوفي عام 2014 في العاصمة الفرنسية باريس.

نموذج من خط الصكار

 

المختلِف

ينشر مرتضى أعماله في فيسبوك وإنستاغرام، ويتم تداول الصور في صفحات عراقية عديدة، يقول "مواقع التواصل الاجتماعي لها دور كبير في تجربتي، حيث من الممكن أن تتواصل مع الجميع، وتعتبر صفحتي معرضاً دائماً للأعمال".

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

عرف الحبيب مكانه فتدللا

A post shared by الجصاني مرتضى (@murtadha__mehdi__) on

 

 

ولكن "العرض المباشر له نكهته من حيث التفاعل وردود الأفعال المباشرة منها والجانبية و التفاصيل وغيرها من الأمور التي لا نجدها في مواقع التواصل الإلكتروني"، يقول مرتضى، مستدركاً "وبصورة عامة فإن كليهما جميل من ناحية التواصل المعرفي".

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "لا أظن باستطاعة الفنان أن يستغني عن المعرض الواقعي لصالح المعرض الإكتروني على الأقل في الوقت الحاضر".

لكن الظروف التي نتجت عن أزمة جائحة كوفيد-19 "جعلت الكثيرين يفكرون بالمعارض الإكترونية" يقول مرتضى، مؤكداً "أنا منهم".

وحيث المنافسة شديدة وقوية على اجتذاب المتابعين والمتذوقين للأعمال الفنية في مساحة ضخمة ومُشرعة للجميع، نسأل "ما المختلف والجديد الذي يُقدمه مرتضى في سياقه؟".

يقول "المختلف في الأعمال التي أقدمها للمتلقي أنها لا تشبه أعمال خطاط آخر . فأغلب المعروض حاليا إما أن يكون تقليداً لخطاط آخر أو سرقة لأعمال خطاطين آخرين و بصراحة أنا من الخطاطين الذين تعرضوا لسرقة أعمالهم بصورة كبيرة، فأغلب أعمالي أجدها إما مقلّدة أو محرّفة ما يتم تقليدها أو تُسرق فكرتها العامة".

ومن ناحية المواد الخام التي يستعين بها للإنتاج، يقول مرتضى "هي تقليدية كما أعمال الفن التشكيلي أو النحت حيث يستخدم الخطاط الحبر والورق والقصب. وأستخدم الكانفاس أو الخشب وغيره، لكن هذا ليس بالجديد، فالمهم الفكرة داخل الخط والحرف وإنتاج لوحة تليق بعمق الخط، ليس تجريباً في إنتاج حروف محرّفة أو الاشتغال على الخطوط المعروفة".

ويرى أن أنواع الخطوط المعروفة "وصلت لدرجة من الكمال الجمالي، لا تنفع معها الإضافات، إذ ستشوه القيم الجمالية التي تحملها".

ويعمل مرتضى حالياً في مشروع مشترك مع المصوّر الفوتوغرافي أحمد محمود، يجمع الخط بالصورة، وسيتم عرضه إلكترونياً.

 

أعماله

بين الساعات والشهور، يقضي مرتضى في إنجاز لوحاته. يقول "هناك لوحات أخذت مني أشهر في سبيل تنفيذ الفكرة المطلوبة، كانت على الكانفاس بأحجام كبيرة".

وعن معرضه الأول يروي مرتضى "لـ حبر متمرد أثر كبير على المستوى الشخصي والعمل الفني، وضم 26 عملا فنيا، لا تشترك سوى بالعنوان الجامع. تعمدت أن أجعل للحبر صوتا يمكن سماعه من خلال اللوحة، و رغم أن بعض اللوحات واجهت نقدا غير منطقي أو فني لكن بالنتيجة كان له صدى فني ممتاز و كتب عنه  النقاد و متذوقو الخط، باعتباره خطوة متقدمة في هذا المجال".

ومن ردود الأفعال التي وصلته حول المعرض أنه "كسر تابوهات خطية كلاسيكية عديدة".

أما معرض "مقامة الحب" فكان تجربة مختلفة على مستوى الخامة المستخدمة والفكرة أيضا، يقول مرتضى "حاولت عبره المزج بين التصميم والخط، فهو أقرب للتايبوغرافي لكن أيضا بلمسة مميزة ومختلفة".

"كما نال استحسانا عند المتلقي، ولمست ذلك من خلال أسئلة الجمهور وتفاعلهم مع الأعمال المعروضة" يضيف مؤتضى.

 

بعض لوحاته

 

قلبي يحدثني بأنك متلفي

 

أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء

 

تفديه مهجتي التي تلفت ولا منٌ عليه لأنها من ماله

 

رحمة حجة

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.