مرتضى جصاني والرسم بالكلمات: الخط فن وروح
"في البداية هل تحب أن تُدعى خطاطاً أو فناناً؟" سؤال أول للشاب العراقي مرتضى الجصاني، الذي أبدع في رسم حروف اللغة العربية.
يجيبنا "بالنسبة لأهل الخط، لا يمكن تسمية الخطاط فناناً، كما يعتبر شيئا ينقص من مهارته الخطية، وبالنسبة للفنانين، لا يعتبرونه فناناً، لأن الخط قائم على أصول متى ما تمكن منها الإنسان أصبح خطاطا، فيما يُقاس الإبداع على مدى جودة حروفه وإتقان القواعد الخطية".
"بالنسبة لي أرى أن الخط من أهم العناصر الفنية التي يستند عليها الفن التشكيلي، لذا فهو فن عميق قائم على الرمزية والسيميائية، وعلى الخطاط أن يتعامل مع الحرف كفن وروح، وعلى الفنانين أن يتعاملوا مع الخط كأحد جوانب الفن التي تملك طابعاً خاصاً" يوضح مرتضى.
من هو مرتضى جصاني؟
مرتضى مهدي جصاني (32 عاماً) من محافظة واسط، وهو عضو المركز الثقافي للخط العربي والزخرفة وعضو جمعية الخطاطين العراقيين.
ودرس الفيزياء في كلية العلوم بجامعة واسط، إلا أن ذلك لم يمنعه من البناء على شغف مبكّر، والإبحار في عالم الخط.
بدأ تعلم الخط في مرحلة مبكرة ربما في الابتدائية على كراسة عميد الخط العربي الراحل هاشم البغدادي، كما يقول، وانقطع بعدها مدة من الزمن، ليعود مجدداً فترة الدراسة الجامعية لتعلّم الخط بصورة تقليدية، معتمداً على تشريح الحرف، بالإضافة إلى الاطلاع والقراءة حول الفنون الأخرى.
يقول مرتضى لـ"ارفع صوتك": "في تلك المرحلة، بدأ طابعي الخاص بالتبلور، ربما كان ذلك جيداً وربما لا، لكن تجربتي الخاصة اعتمدت على الثقافة الخطيّة التقليدية مقترنة برؤية فنية معاصرة".
هذه التجربة، نقلته لمرحلة جديدة، وهي المشاركة في المعارض التي أقامها المركز الثقافي للخط العربي في أغلب المحافظات العراقية، كما شارك في مهرجان الرواد التاسع، نال فيه شهادة تقديرية، وشارك في معرض طوكيو المفتوح، ومجدداً في معرض الروّاد بنسخته العاشرة، ضمن جناح خاص مع حاز فيه على شهادة تقديرية ووسام الإبداع.
ومن المشاركة الجماعية إلى العرض المنفرد، حيث أقام معرضه الأول بعنوان "حبر متمرد" في قاعة الفنون التشكيلية ببغداد عام 2017، وفي المركز الثقافي ببغداد أيضاً أقام معرضه الثاني بعنوان "مقامة الحب" عام 2019.
كما عمل مع الشاعر اللبناني بلال المصري في مشروع "تجلّي الجميل"، حيث خطّ بعضاً من أشعاره، ضمن لوحات فنيّة.
وتأثر مرتضى بالخطاط العراقي الرّاحل محمد سعيد الصگكار، مبتكر الخط البصري. وهو شاعر أيضاً، ومارس العمل الصحافي، وأصدر أكثر من 14 كتاباً في الشعر والتشكيل والمسرح والقصة القصيرة والدراسات اللغوية والفنية وغيرها، ويعتبر من أبرز المبدعين العراقيين في الخط العربي في القرن الخامس عشر الهجري، وتوفي عام 2014 في العاصمة الفرنسية باريس.
نموذج من خط الصكار
المختلِف
ينشر مرتضى أعماله في فيسبوك وإنستاغرام، ويتم تداول الصور في صفحات عراقية عديدة، يقول "مواقع التواصل الاجتماعي لها دور كبير في تجربتي، حيث من الممكن أن تتواصل مع الجميع، وتعتبر صفحتي معرضاً دائماً للأعمال".
ولكن "العرض المباشر له نكهته من حيث التفاعل وردود الأفعال المباشرة منها والجانبية و التفاصيل وغيرها من الأمور التي لا نجدها في مواقع التواصل الإلكتروني"، يقول مرتضى، مستدركاً "وبصورة عامة فإن كليهما جميل من ناحية التواصل المعرفي".
ويضيف لـ"ارفع صوتك": "لا أظن باستطاعة الفنان أن يستغني عن المعرض الواقعي لصالح المعرض الإكتروني على الأقل في الوقت الحاضر".
لكن الظروف التي نتجت عن أزمة جائحة كوفيد-19 "جعلت الكثيرين يفكرون بالمعارض الإكترونية" يقول مرتضى، مؤكداً "أنا منهم".
وحيث المنافسة شديدة وقوية على اجتذاب المتابعين والمتذوقين للأعمال الفنية في مساحة ضخمة ومُشرعة للجميع، نسأل "ما المختلف والجديد الذي يُقدمه مرتضى في سياقه؟".
يقول "المختلف في الأعمال التي أقدمها للمتلقي أنها لا تشبه أعمال خطاط آخر . فأغلب المعروض حاليا إما أن يكون تقليداً لخطاط آخر أو سرقة لأعمال خطاطين آخرين و بصراحة أنا من الخطاطين الذين تعرضوا لسرقة أعمالهم بصورة كبيرة، فأغلب أعمالي أجدها إما مقلّدة أو محرّفة ما يتم تقليدها أو تُسرق فكرتها العامة".
ومن ناحية المواد الخام التي يستعين بها للإنتاج، يقول مرتضى "هي تقليدية كما أعمال الفن التشكيلي أو النحت حيث يستخدم الخطاط الحبر والورق والقصب. وأستخدم الكانفاس أو الخشب وغيره، لكن هذا ليس بالجديد، فالمهم الفكرة داخل الخط والحرف وإنتاج لوحة تليق بعمق الخط، ليس تجريباً في إنتاج حروف محرّفة أو الاشتغال على الخطوط المعروفة".
ويرى أن أنواع الخطوط المعروفة "وصلت لدرجة من الكمال الجمالي، لا تنفع معها الإضافات، إذ ستشوه القيم الجمالية التي تحملها".
ويعمل مرتضى حالياً في مشروع مشترك مع المصوّر الفوتوغرافي أحمد محمود، يجمع الخط بالصورة، وسيتم عرضه إلكترونياً.
أعماله
بين الساعات والشهور، يقضي مرتضى في إنجاز لوحاته. يقول "هناك لوحات أخذت مني أشهر في سبيل تنفيذ الفكرة المطلوبة، كانت على الكانفاس بأحجام كبيرة".
وعن معرضه الأول يروي مرتضى "لـ حبر متمرد أثر كبير على المستوى الشخصي والعمل الفني، وضم 26 عملا فنيا، لا تشترك سوى بالعنوان الجامع. تعمدت أن أجعل للحبر صوتا يمكن سماعه من خلال اللوحة، و رغم أن بعض اللوحات واجهت نقدا غير منطقي أو فني لكن بالنتيجة كان له صدى فني ممتاز و كتب عنه النقاد و متذوقو الخط، باعتباره خطوة متقدمة في هذا المجال".
ومن ردود الأفعال التي وصلته حول المعرض أنه "كسر تابوهات خطية كلاسيكية عديدة".
أما معرض "مقامة الحب" فكان تجربة مختلفة على مستوى الخامة المستخدمة والفكرة أيضا، يقول مرتضى "حاولت عبره المزج بين التصميم والخط، فهو أقرب للتايبوغرافي لكن أيضا بلمسة مميزة ومختلفة".
"كما نال استحسانا عند المتلقي، ولمست ذلك من خلال أسئلة الجمهور وتفاعلهم مع الأعمال المعروضة" يضيف مؤتضى.
بعض لوحاته