العراق

ملّا عبدالرحيم.. زارع أشجار التوت في كردستان

دلشاد حسين
13 يوليو 2020

يمضي عبدالرحيم عبدالله يوسف المشهور بـ "ملا عبدالرحيم" معظم يومه منذ 20 عاما في زراعة الأشجار ورعايتها متطوعا، خاصة أشجار التوت في قضاء جومان، شمال شرق محافظة أربيل في كردستان العراق، معتبرا ذلك جزءا رئيسيا من واجبته. 

يبدأ ملا عبدالرحيم وهو إمام مسجد متقاعد يومه منذ الصباح الباكر، يخرج من منزله حاملا معه حقيبته التي تحتضن ما يحتاجه من أدوات للزراعة والتقليم والتطعيم ويباشر برعاية الأشجار داخل المدينة وخارجها وغالبيتها أشجار توت بكافة أنواعها، زرع اكثرها بيديه خلال الأعوام الماضية.

يقول لـ "ارفع صوتك": "قصتي مع زراعة الأشجار بدأت منذ الصغر، فأنا أحب زراعة الأشجار وخدمتها ومارست هذا العمل إلى جانب واجباتي الأخرى الرئيسية كرجل دين طيلة سنوات خدمتي في المسجد، لأن زراعة الأشجار صدقة جارية، لذلك لم أتردد اطلاقا خلال السنوات الماضية وحتى الآن في تقديم الخدمة لمن يحتاج في مجال الأشجار والاهتمام بها متى ما طلب مني ذلك".

لكن قصته مع أشجار التوت تعود إلى أكثر من أربعة عقود مضت، عندما تحدث رجل مسن من قريته عن إنقاذ التوت لعدد كبير من سكان المنطقة من الموت بالطاعون، فكلمات الرجل مازالت حاضرة في ذاكرته حتى الآن وكانت الدافع ليقرر زراعة التوت والاعتناء بها طيلة حياته.

وأوضح "اخترت زراعة أشجار التوت وخدمتها بعد أن سمعت وانا شاب حَديثَ رجل كبير السن في أحد مجالس قريتنا عن وباء الطاعون وفتكه بالناس قديما وكم شخصا فقد الحياة بسبب هذا الوباء، الرجل كشف خلال حديثه عن أن التوت أنقذ حياة الكثيرين من أبناء المنطقة وقال نصا: نجا من الطاعون كل من تمكن أن يصل إلى شجرة توت ويأكل من ثمارها".

يزرع ملا عبدالرحيم التوت اليابس في براميل قديمة للمياه وعندما تنمو وتصبح شتلات يقدمها لمن يريد مجانا، ويزرع هو الكثير منها في كافة أرجاء المدينة وأطرافها، ويواصل رعايتها حتى تكبر وتثمر ومن ثم يطعمها بأنواع أخرى من التوت كي يديم بقائها وانتاجها.

ويرفض الإفصاح عن أعداد الأشجار التي زرعها، مبينا "أنا أزرع هذه الأشجار لغرض الخير، لذلك لا أريد أن أكشف عن عدد الأشجار التي زرعتها". 

وزراعة الأشجار لم تشمل مدينتي جومان وأطرافها، بل زرعت أشجار التوت في مدن أربيل وراوندز وسوران، وفي الجبال والوديان.

يعتمد ملا عبدالرحيم في توفير قوته اليومي على الراتب التقاعدي الذي يتقاضاه عن خدمته في المساجد لعدة سنوات، ورغم تقاعده إلا أنه لم يتوقف حتى الآن عن خدمة الأشجار ، حتى أثناء الإغلاق العام المشدد ضمن إجراءات الوقاية والحد من انتشار فيروس كورونا، الذي اتخذته حكومة الإقليم خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

ويقول ملا عبدالرحيم "لم أتخل عن خدمة ورعاية الأشجار في جومان خلال حظر التجوال، كنت أخرج يوميا لعمل التطوعي. القوات الأمنية المنتشرة في الشوارع والطرق كانت تسأل عن سبب وجودي خارج البيت، وعندما كنت أخبرها أنني ذاهب لخدمة الأشجار كانت تسمح لي بإتمام العمل".

ودعا الناس الى أن يحذوا حذوه ويستثمروا أوقات فراغهم في زراعة الأشجار، موضحا "زراعة الأشجار ورعايتها مهمة جدا للحفاظ على حياة الإنسان وهي التي تنقذ كوبنا من التلوث وتمنحنا الحياة النظيفة وتحمينا من الأمراض. مناطقنا ومدننا تكون أجمل كلما كانت مساحة التشجير فيها أوسع".

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.