العراق

مجزرة قصر الرحاب... شاهدة تروي تفاصيلها لارفع صوتك

راشد العساف
14 يوليو 2020

62 عاما مضت على مجزرة قصر الرحاب التي قتلت فيها العائلة الملكية الهاشمية وتم فيها الإطاحة بالنظام الملكي في العراق وإقامة النظام الجمهوري برئاسة محمد نجيب الربيعي وعبد الكريم قاسم رئيسا للوزراء.

"الملك فيصل مثل أخي الكبير، وذكرياتي قوية وكنت متعلقة فيه بشكل كبير"، هكذا وصفت تمارا الداغستاني التي تعيش حاليا في عمان، ذكرياتها مع العائلة المالكة في العراق، حين كان والدها غازي الداغستاني قائدا للفرقة الثالثة في الجيش والتي دبر أفرادها الانقلاب.

خطورة بقاء الأمير عبدالاله 

أجرى معاون قائد الجيش العراقي غازي الداغستاني بالاشتراك مع حسيب الربيعي (شقيق محمد نجيب الربيعي) دراسة حول الوضع الأمني للعائلة المالكة في العراق عام 1956، بحسب ما تروي تمارا عن والدها لموقع (ارفع صوتك).

توفي حسيب الربيعي بعد مدة قبل الانتهاء من الدراسة والتي سلمها الداغستاني آنذاك لأحمد مختار بابان (الذي أصبح لاحقا رئيسا للوزراء) حتى يسلمها للملك فيصل.

"خلصت الدراسة إلى أن الملك فيصل محبوب لدى الشعب العراقي، ولكن الخوف عليه من وجود خاله الأمير عبد الإله الذي كان وصيا على العرش ومن نوري باشا رئيس الوزراء في العهد الملكي، لأن الشعب كان يرفض وجودهم" تقول تمارا.

وأوصت الدراسة بأن يغادر الأمير ونوري باشا البلاد وأن يصبحان مبعوثين دبلوماسيين في الخارج، ورحب الأمير عبد الإله بالفكرة وغادر إلى تركيا إلا أن نوري باشا رفض مغادرة البلاد. 

تحذيرات الملك حسين وزاهدي للملك فيصل 

تقول تمارا الداغستاني إن الملك الحسين بن طلال (ملك الأردن السابق) علم بوجود مؤامرة تحاك ضد الملك فيصل وأبلغه بذلك، وتواصل مع الأمير عبد الإله في تركيا أيضا ومع أردشير زاهدي وزير الخارجية الإيراني في العهد الملكي، وأبلغهم بما يحاك ضد العائلة الهاشمية في العراق من أفراد من الفرقة الثالثة.

" قال لي أردشير زاهدي أنه أرسل مدير المخابرات الإيرانية إلى تركيا وسلم الأمير قائمة بأسماء المتآمرين على الحكم الملكي الذين ينون الانقلاب على الحكم"، وفقا لتمارا.

عودة الأمير عبد الإله إلى بغداد

طلب الملك فيصل من الأمير عبد الإله العودة إلى بغداد للبقاء إلى جانبه ومساندته في الحكم في بداية تموز 1958، وقد كانت حجة الملك فيصل لخاله الأمير عبد الإله أنه وعد شقيقته (أم الملك فيصل) على فراش الموت بأن يكون سندا له عند الحاجة.

"قال الأمير عبد الإله لوالدي غازي الداغستاني أن الملك فيصل يمضي بخط يده على آخرته، فعندما تركت بغداد قلت لن أعود ثانية، ولكنه أرسل لي رسالة بضرورة العودة لوجود خلافات بينه وبين بعض الوزراء"، تروي تمارا أطراف الحديث الذي جرى مع والدها.

عشية مذبحة قصر الرحاب .. "أحذر الليلة"

أقام القصر الملكي حفلا وفقرات لتسلية الأطفال كعرض الساحر، كانت تجلس تمارا إلى جانب الملك فيصل في تلك اللحظة التي وصلت بها سيارة بيضاء تحمل رسالة إلى الملك.

نظرت تمارا إلى الملك وهو يفتح الرسالة، والتي تعتقد أنها رسالة من دولة أجنبية كونها تشبه أوراق السفارات، مكتوب فيها باللغة الإنجليزية "أحذر الليلة".

"قام الملك من مكانه وتوجه نحو الباب ومسك المقبض بعد أن أمر بتحضير الطائرة، في تلك اللحظة ناداه خاله الأمير عبد الإله وقال له كم مرة سمعنا هذا الكلام، أرجع وأجلس"، تصف تمارا ردة فعل الملك عند قراءة الرسالة.

كان يتحضر الملك والأمير عبد الإله للسفر إلى تركيا لحضور اجتماع حلف بغداد بتركيا في اليوم التالي (يوم الانقلاب)، ومن ثم السفر إلى لندن لزيارة خطيبة الملك الأميرة فاضلة.

طلب الملك فيصل والأميرة عابدية من والدة تمارا أن تبيت عندهم تلك الليلة في القصر، كونها وعدتهم بأن تقضي ليلة هناك، ولكن والدة تمارا رفضت المبيت بالقصر، على أن تعود بعد عودة الملك والأمير عبد الإله من السفر، "دقائق حددت مصيري"، تقول تمارا.

الساعة 5.30 فجر 14 من تموز 1958 

تروي تمارا أنه "في الساعة 5.30 صباحا دخلت خالتي إلى منزلنا تقول لأمي اسمعوا الإذاعات السرية تبث أخبارا عن اعتقال زوجك الباشا غازي، وقتل الملك فيصل والأمير فيصل والعائلة كاملة".

اتصلت والدة تمارا بقصر الرحاب وكان جرس الهاتف يرن ولكن لا أحد يجيب، حاولت الاتصال مرة أخرى فوجدت أن الخط مفصول تماما، "كانوا أمواتا في القصر" تقول تمارا.

في تلك اللحظات دخل سائقهم ويدعى خزعل والتي وصفته تمارا بأنه أكثر شخص مخلص لوالدها غازي، وطلب منهم الخروج من المنزل بسرعة وقد بدت عليه ملامح الغضب لأول مرة.

غادر أيضا جارهم محمد علي الجلبي من منزله، وطلب من والدة تمارا مغادرة المنزل لأنه سمع الإذاعة تقول على لسان حركة الضباط الوطنيين "ادخلوا بيوتهم واقتلوهم".

"لا أذكر أننا شاهدنا الإسفلت ونحن نسير بالسيارة لكثرة الناس وهم متجمهرين حولها، حتى وصلنا منزل عمتي وزوجها حكمت سليمان، وعند دخولنا شاهدت رجلا يخرج يده من حافلة وبيده أصبع ويقول قطعت أصبع الأمير عبد الإله بيدي".

قتل الضباط العائلة المالكة داخل القصر إلا أن الأميرة هيام زوجة الأمير عبد الإله أصيبت برصاصة بقدمها، حتى طلب أحد الضباط من بقية زملائه بأن لا يقتلوها كونها ليست من الهاشميين إنما من أقرباء الضابط.

وبحسب ما روت الأميرة هيام لتمارا، فإن "الملكة نفيسة (والدة الأمير عبد الإله) أخرجت القرآن وجعلت الضباط يحلفون بأن لا يؤذوا الملك والبقية، وحلفوا ولكنهم ساقوهم إلى الحديقة وقتلوهم جميعا".

الحكم على غازي الداغستاني بالإعدام

عقدت المحكمة أول جلساتها بعد الانقلاب لمحاكمة رجال العهد الملكي وكانت أول جلسة لمحاكمة غازي الداغستاني، قائد الفرقة الثالثة التي انقلبت على الحكم الملكي، وأصدرت بحقه حكما بالإعدام مع 9 ضباط آخرين، قضى غازي في السجن مدة عامين ونصف ثم أفرج عنه بعفو عام.

"أمي منعت عنا استخدام الهاتف بعد أن كانت تصلني مكالمات تطلب التحدث معي وفي كل مرة يقول المتصل بأننا سنقتل والدك ونعلقه على العامود، وأنا كنت في 12 من عمري، أفزع كثيرا عند سماع مثل هذه المكالمات عن والدي"، تروي تمارا.

وتتساءل في الوقت ذاته "لماذا لم يفعل الملك فيصل أي إجراء بحق القائمة التي سلمت له وكانت السبب في مقتله والعائلة الهاشمية؟".

راشد العساف

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.