العراق

الكاظمي بين أهالي الطارمية: لن نسمح بوجود فتنة

20 يوليو 2020

لا تبعد الطارمية سوى نحو 20 كيلومترا إلى الشمال من العاصمة العراقية بغداد، وهي منطقة زراعية هادئة على نهر دجلة، لكن أحداثا أخيرة جلعتها في عين العاصفة.

فهذا القضاء الصغير، عاد إلى الواجهة بعد هجمة شنها تنظيم داعش مؤخرا، حيث تسببت بمقتل ضابط رفيع في الجيش العراقي، لتنطلق بعدها دعوات من عناصر ومؤيدي ميليشيات مسلحة موالية لإيران لـ"تطهير القضاء"، وتهجير سكانه.

الحكومة العراقية تحركت سريعا، فأرسلت مستشار الأمن الوطني الجديد، قاسم الأعرجي، إلى القضاء، قبل زيارة لرئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، حيث التقى المسؤولان  بالأهالي والقوات الأمنية في الطارمية.

وأكد الكاظمي للأهالي الذين التقاهم في الطارمية أن الجهود التي تبذلها "قواتنا البطلة لتعقّب الخلايا الإرهابية النائمة كبيرة، ولن نسمح بوجود فتنة في الطارمية أو في أي منطقة بالعراق، فأبناء الطارمية أبناؤنا، وقواتنا تعمل جاهدة لحمايتهم". 

وأشار إلى أن "محاولة النيل من قواتنا البطلة بالشائعات مرفوضة، ولا نقبل بها، وهناك من يحاول أن يحيي الطائفية مجددا، وسنتصدى لهذا الأمر".

وقبل زيارة الكاظمي، نشر عناصر من الميليشيات ومؤيجون لها وسوما على وسائل التواصل الاجتماعي، تدعو إلى الثأر من المنطقة، بل إن بعض الأصوات نادت بتهجير سكان المنطقة، و"استنساخ تجربة جرف الصخر".

وهاجم مستشار الأمن الوطني العراقي هذه الدعوات، مؤكدا أن عودة الطائفية إلى العراق هي "أحلام خائبة".

وقال الصحفي العراقي، أحمد حسين، إن "تجربة جرف الصخر" تعني "سيطرة الميليشيات على الأراضي الزراعية الخصبة، وإقامة معتقلات محصنة، وتهجير الأهالي، وفرض إتاوات على من تبقى".

ويؤكد حسين أن "كتائب حزب الله تدير معتقلا محصنا في جرف الصخر منذ سنوات، وهي لا تسمح لأية جهة بالوصول إليه أو دخوله".

ويقع الطرف الشرقي من معسكر التاجي، وهو الطرف الذي يحتوي معسكرات أميركية، وسجنا، ومعسكرات الدبابات العراقية (أبرامز) بالكامل على طريق الطارمية، قرب الشارع الممتد بمحاذاة نهر دجلة والمسمى بـ(التاجي عالشط).

وتقع هناك أيضا محطة كهرباء، وطريق من منطقة المحيط في الكاظمية، إلى منطقة الطارمية، وهو طريق تتناثر البساتين الخصبة على جانبيه.

ويقول الصحفي حسين لموقع "الحرة" إن "القرب الكبير من معسكر التاجي يعني سقوطه عسكريا بيد الفصائل، وإخراجه عمليا من الخدمة، أو بقاء القوات فيه رهينة لقذائف الميلشيات وصواريخها".

ويبدو أن الحكومة العراقية متنبهة للأهداف الحملة الإعلامية للميليشيات، فقد أكد الكاظمي، الذي يعتبر أول رئيس وزراء يزور القضاء ويتجول في شوارعه، أنه "لن يسمح بوجود فتنة في الطارمية أو في أي منطقة بالعراق، فأبناء الطارمية أبناؤنا، وقواتنا تعمل جاهدة لحمايتهم".

وشهدت الطارمية والمناطق الزراعية المحيطة بها، والممتدة إلى محافظة صلاح الدين، أعمال عنف كبيرة خلال سنوات الحرب الطائفية، لكنها هدأت بشكل كبير بعد عام 2010، فيما شهدت هجمات نوعية خلال فترة سيطرة داعش على مناطق قريبة من القضاء.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.