العراق

"عاشقة بغداد".. ما سبب حب العراقيين للألمانية المختطفة هيلا؟

رحمة حجة
23 يوليو 2020

اختطفت الألمانية المقيمة في العراق منذ عام 2010، هيلا ميفيس، مساء الاثنين الماضي، بعد خروجها من مكتبها في العاصمة بغداد، ولم يُطلق سراحها حتى الآن.

وكانت هيلا ميفيس، غادرت مكتبها "على متن دراجتها الهوائية عندما شوهدت سيارتان، إحداهما شاحنة بيضاء صغيرة تشبه تلك التي تستخدمها القوات الأمنية، تقومان بخطفها" حسبما نشرت وكالة "فرانس برس".

وقالت إن أحد عناصر مراكز الشرطة "شاهد عملية الخطف إلا أنهم لم يتدخلوا" نقلاً عن مصدر أمني في بغداد.

وروت ذكرى سرسم، من مؤسسة "برج بابل" وهي صديقة لميفيس، أن الأخيرة كانت "تشعر بالقلق بعد مقتل هشام الهاشمي"، مضيفة "تحدثت إليها الأسبوع الماضي وهي كانت بالفعل منخرطة في الاحتجاجات أيضا، لذلك كانت تشعر بالتوتر بعد الاغتيال".

وعلى أثر هذا الاختطاف، شكلت وزارة الخارجية الألمانية فريق أزمة. 

وقال وزير الخارجية هايكو ماس، الثلاثاء الماضي، خلال زيارة لليونان إن وزارة الخارجية بدأت النظر في القضية من أجل إيجاد "حل يضمن الشخص المعني وأمنه وسلامته"، دون إضافة أي تفاصيل، وفق موقع "دويتشة فيله" الألماني.

وبحسب اللواء سعد معن المتحدث الرسمي للداخلية العراقية، شكلت الوزارة أيضا طاقما خاصا من خبراء المخابرات والإجرام للتحقيق في القضية.

وقال اللواء معن لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)، إن القوات الأمنية العراقية "لا تزال تبحث عن المواطنة الألمانية المختفية، الليلة الماضية (الاثنين) في أحد شوارع  بغداد".

وفي تصريح آخر لسرسم، لوكالة (د ب أ) قالت "لا نعرف من المختطف. أطلعنا الأجهزة الأمنية على الأمر، ويتم فحص تسجيلات كاميرات المراقبة".

وأكد اللواء معن وجود "اهتمام أمني وتوجيهات من وزير الداخلية عثمان الغانمي للقوات الأمنية بمختلف قطاعاتها  لتكثيف الجهود للبحث عن المواطنة الألمانية".

وأضاف "هيلا زميلة عزيزة علينا وتحظى بتقدير واحترام من قبلنا وعملت كثيراً من أجل العراق ومن الواجب علينا البحث عنها والقوات تواصل جهودها منذ الليلة الماضية".

 

من هي هيلا ميفيس؟

 

تصميم للفنانة شمس عقيل، لصورة تناقلها العراقيون لهيلا ميفيس

يلقبّها الكثير ممن عرفها بـ"عاشقة بغداد"، وهي التي اختارت الإقامة فيها رغم خطورة الأوضاع، حتى أنها تقول في إحدى اللقاءات المتلفزة "أشعر بحنين قوي إلى بغداد بمجرد أن أغيب عنها ساعة، ولو كنت في برلين، ولا يساورني شعور بالحنين إلى الوطن سوى لبغداد".

وعاشت ميفيس قبل ذلك في شرق مدينة برلين، تنشط مع زوجها في مركز "Kunsthof Berlin" ينظمان عبره نشاطات ثقافية وفنية داخل المدينة.

وبعد انفصالها عن زوجها "درست ميفيس إدارة الأعمال مساء في إحدى الكليّات، ثم أصبحت مديرة مشروع في مسرح برلين هاوس ميتي، الذي يشارك في شبكة إعادة الإعمار الثقافي في العراق" حسب "DW".

وأضاف الموقع الألماني "عندما دعيت ميفيس إلى مهرجان مسرحي في بغداد، كانت مفتونة تمامًا بالعاصمة العراقية".

وجاء في مقال نشره "دويتشة فيله" الألمانية بالإنجليزية، أن هيلا ميفيس أسست "بيت تركيب" بالتعاون مع 15 فنانا/ة ومتطوعا/ة من العراق، وهو مركز للفن المعاصر.

وقالت ميفيس عنه لصحيفة "فرانكفورتر روندشاو": "نادراً ما يتعامل العراقيون مع الفن الحديث ، لذا لدينا الكثير لنقدمه هنا".

وينظم المركز الفني فعاليات موسيقية ومهرجانات ومعارض فنية وصوراً، وورش عمل وعروض مسرحية عن النساء، كما نظم حفلات موسيقية يوم السبت في قلب بغداد، على شوارع متداعية في حرارة شديدة. على حد تعبير الصحيفة.

ومن فعاليات المركز ما أسمته ميفيس "ممشى بغداد"، حيث يحوّل الفنانون الشارع إلى استوديو ومعرض.

من جانبها، قالت نسرين شبيب الخبيرة في شؤون العراق لـ"دويتشة فيله": "في مدينة لا تقدم الكثير في طريق الحياة الثقافية، ومع التوترات على المستويين السياسي والديني، جذبت عروض المجموعة شباب بغداد، وخلقت جيوباً صغيرة من الحرية".

وأضافت أن "شخصاً مثل هيلا يعمل من أجل حرية الفن يدرك حجم المخاطر، لكنها بطلة شجاعة تسعى لمجتمع عراقي منفتح وحر".

 

اطلقو_سراح_هيلا

وبسبب نشاط ميفيس في إدارة البرامج الفنية والثقافية عبر مركز "بيت تركيب" الذي أقامته قبل سنوات في بغداد، كان للكثير من الشباب العراقي الذي شارك فعالياته وورشات عمله، ذكريات معها، ليطلقوا حملة إلكترونية تدعو لإطلاق سراحها.

ووجه النشطاء في مواقع التواصل، التهم إلى المليشيات المسلحة داخل العراق، وأيضاً الحكومة المتورطة بسبب تدهور الأمور بشكل عام في البلاد، خصوصاً بعد مقتل الخبير الأمني والباحث هشام الهاشمي مؤخراً، وفق منشوراتهم.

وعبر مواقع التواصل، نشطت هاشتاغات عديدة وتصدرّت قائمة النشر في صفحات عراقية، تنادي بإطلاق سراح ميفيس، وتحشد التضامن من أجلها، باللغات:  العربية والإنجليزية والألمانية.

منها: "اطلقو_سراح_هيلا"، "اطلقو_سراح_هيلاميوس"، "الحرية_لهيلا_ميوس"، "FreeHella"، "هيلا_ميوس". 

 

 

 

 

ومن الذكريات التي نشرها بعض ممن قابلوا ميفيس أثناء نشاطها، نختار:

حسين مطر: "جنت اذا احجي لهيلا عن منحة دراسية بره العراق، وهي تعرف اني مستحيل اعيش بره بغداد تكلي مستحيل اخليك تروح وما اشوفك ببغداد كل هاي السنين ! ابقى يمنا هنا متحتاج اي شهادة من دولة ثانيه حتى تبدع".

علي الكرخي: "امرأة محترمة، هادئة جداً، عميقة التفكير، صادقة في كلامها، محبة للشباب، ومحبة للعراق هي ودراجتها القديمة كانت احدى مصادر البهجة الشحيحة في الكرادة عاصمة الاحزاب! لسنا طرفاً في لعبتكم السياسية القذرة وابتزاز احدكم للاخر، رجاءاً اخرجونا منها، واتركونا بسلام".

صادق العادلي: "قبل اربع سنين بعد انفجار الكرادة بايام، هيلا انطت فكرة انو تسوي صندوق تبرعات بطريقة فنية وتخلي بمكان الانفجار وبعدين الاموال تروح للعوائل المحتاجة من ضحايا الانفجار. ورة مكملناه رحنة وية مجموعة من أعيان الكرادة وخليناه هناك".

 

 

 

رحمة حجة

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.