العراق

مقاهي الكتاب في كردستان متى تستعيد عافيتها؟

دلشاد حسين
30 يوليو 2020

لم تسلم مقاهي الكتب والمكتبات من الأضرار التي ما زال يخلفها انتشار فيروس كورونا في كردستان العراق.

فنسبة روادها انخفضت بشكل ملحوظ إثر إجراءات الحجر الصحي وأصبحت تعتمد على التعامل عبر الإنترنت فيما اضطر عدد من أصحاب المقاهي إلى إغلاقها.

ورغم رفعها حظر التجوال داخل المدن منذ منتصف أيار/ مايو ٢٠٢٠، إلا أن التعليمات الصادرة عن حكومة الإقليم ضمن إجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا، والتي تشدد على تجنب التجمعات والالتزام بالتباعد الاجتماعي، تحول دون ارتفاع أعداد المجتمعين داخل هذه المقاهي.

وبعد أن كانت مكتظة بالقراء ورواد الكتب والجلسات الثقافية أصبحت أعداد المتواجدين فيها اليوم لا تتجاوز بضعة أشخاص حاليا.

ولم يمض على افتتاحها مقهاها الثقافي "مقهى ببليو مانيا الثقافي" في أربيل سوى ٦ أشهر حتى اضطرت الإعلامية، هدى العاني، إلى إغلاقه نهائيا إثر إجراءات الاغلاق العام الذي شهدته إقليم كردستان لأكثر من شهرين واستمرار إغلاق المقاهي لفترة أكبر.

تقول العاني، "الواقع الذي شهدناه بسبب الوباء كان أكبر من أن نستمر، فأزمة كورونا تسببت في إغلاق كافة المحلات والأماكن التي تشهد تجمعات أدت إلى إغلاق الكثير من المحلات نهائيا خلال فترة الحظر".

وتضيف في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "اضطررت لإغلاق مشروع المقهى لأنه لم يعد يدر أي دخل وأصبح عبئا ماديا فقط، خاصة أنه كان مشروعا ممولا مني فقط دون وجود أي دعم اخر، لذلك كان لا بد من اتخاذ قرار حازم ومع الأسف قررت إنهاء مشروع المقهى".

وكانت مقاهي الكتاب تستقبل خلال الأعوام الماضية إلى جانب رواد الكتب والقراء والمثقفين عددا كبيرا من طلاب الجامعات، لكن إغلاق الجامعات واعتماد نظام التعليم عن بعد تسبب بفقدان نصف أعداد زبائن هذه المقاهي حتى بعد تخفيف إجراءات الحجر الصحي وافتتاح المقاهي.

دشتي عباس، طالبة جامعية، كانت تمضي مع صديقاتها قبل الحجر الصحي يوميا ساعتين في إحدى مقاهي الكتاب بمحافظة السليمانية، تناقش خلال هذا الوقت بحث التخرج.

توضح عباس لموقع (ارفع صوتك)، "بعد إعلان الإغلاق العام نقلنا جلسات مناقشة البحث إلى الإنترنت، وأصبحنا نجتمع خلاله يوميا حتى انتهاء البحث، حقيقة الأمر كان صعبا وحزينا جدا فالاجتماع في الواقع أجمل بكثير من العالم الافتراضي".

وعبرت عن أمنيتها بعودة الحياة إلى طبيعتها كما كانت قبل انتشار الفيروس، حتى لا يعاني الطلبة الآخرون مما عانته هي وصديقاتها هذا العام بسبب انتشار كورونا والإجراءات المرافقة له.

اما مكتبة "أميرة شنگالي" في مخيم "بيرسفي الثاني" الخاص بالنازحين الأيزيديين، والواقع في شمال قضاء زاخو بمحافظة دهوك، فلم تغلق أبوابها خلال الحجر الصحي لكنها لم تستقبل أيضا القراء كما كانت قبل انتشار الفيروس.

تقول أميرة عتو، مؤسسة المكتبة ومديرتها، "خلال فترة الحجر كنا نقدم الاستعارة الخارجية للقراء ومدّدنا لهم فترة الاستعارة إلى شهرين وكنا نوصل لهم الكتب الى كرفاناتهم بحسب ما لدينا من وقت".

وبعد تخفيف إجراءات الحجر بدأت أميرة بفتح المكتبة أمام القراء في المخيم لكن بشروط الالتزام بالتعليمات الصحية، مضيفة في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "بحسب تعليمات وزارة الصحة في حكومة الإقليم لا نسمح بتجمع أكثر من ٤ أشخاص داخل المكتبة حاليا مع الالتزام بشروط الوقاية الصحية، وأوقفنا التجمعات والجلسات الثقافية وجلسات قراءة الكتب في مكتبة".

ونقلت أميرة نشاطات المكتبة الثقافية وجلساتها إلى الإنترنت، وتنشر يوميا مقالات ونصائح وكتب إلكترونية على الفيسبوك في صفحة المكتبة، فضلا عن استمرار المكتبة بتوزيع القصص على الأطفال في المخيم كي يستمروا بالقراءة.

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.