العنف الأمني في العراق وقضايا الاعتقال
بقلم: أحمد محسن
تصدر يوم أمس هاشتاك #قوات_حفظ القانون_تنتهك_القانون الترند العراقي في منصة تويتر بعد تداول مقطع لقوات مكافحة الشغب (إحدى الأجهزة المنتمية لقوات حفظ القانون التابعة لوزارة الداخلية) وهي تعتدي على طفل لم يبلغ السن القانوني وتقوم بحلق رأسه وتجريده من ملابسه وشتمه بكلام مسيء لوالدته بعد اعتقاله دون امر قضائي.
أدان أغلب العراقيين هذا الفعل، ووصفوه بالانتهاك الصريح والواضح لحقوق الانسان.
وهذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقوات الأمن العراقية لها تاريخ من الانتهاكات، بما في ذلك أعمال القتل دون وجه حق، والاغتصاب وغيره من صنوف التعذيب، فضلاً عن القبض والاحتجاز بصورة تعسفية.
ثقافة الاستبداد الأمني
لقد كانت السمة الغالبة لدى النظام السابق هي انتهاكاته المتكررة لحقوق الإنسان والاستبداد والاعمال الوحشية تجاه عامة الشعب وتعدد الجهات التنفيذية التي تمارس تلك الانتهاكات.
ولا ياتي ذكر نظام البعث عند أغلب العراقيين إلا وكان مصحوبا بصور المقابر الجماعية والتعذيب داخل السجون وجرائم التطهير ضد االكورد وإعدام الهاربين من الخدمة العسكريةً أو المتخلفين عنها.
وامتداد الانتهاكات كان مرتبط بالأسرة الحاكمة أيضا، حيث كان عدي صدام حسين معروفاً لدى العراقيين بجرائمه المتعددة تحت ستار النظام الحاكم.
إضافة إلى جرائم الأجهزة القمعية (الأمن العامة والاستخبارات والأمن الخاص) والتي كانت سياساتها مبنية على ترهيب المجتمع وانتهاك أبسط القيم الإنسانية سيما أن هذه الجهة السياسية كانت تقوم مقام القاضي والمنفذة للأحكام.
أعقبت فترة النظام السابق أتجاه الأحداث إلى عملية تحول سياسي حافلة بالعنف والدمار.
فأجهزة الحكومات اللاحقة لم تخلو ملفاتها من قضايا انتهاكات جسيمة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان ارتكبتها الشرطة العراقية ضد الأشخاص المشتبه بهم في جرائم تمس الأمن الوطني، بما في ذلك المتمردون، والأشخاص المشتبه بأنهم مجرمون جنائيون منذ أواخر عام ٢٠٠٣ وحتى منتصف عام 2006.
ماذا يحدث داخل سجون المعتقلين في العراق؟
سجلت منظمة هيومن رايتس ووتش من خلال التحقيقات التي قامت بها في العراق الاستخدام المنهجي للاعتقال التعسفي، وقضايا الاحتجاز لفترات طويلة قبل المحاكمة دون مراجعة قضائية.
وتعرض المحتجزين للتعذيب وسوء المعاملة، وحرمان الأسر والمحامين من زيارة المحتجزين، والمعاملة غير المناسبة للأطفال المحتجزين، وتردي الظروف في مراكز الاحتجاز السابق على المحاكمة الى مستويات مروعة.
ولا تتاح للأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة الرعاية الصحية الكافية أو أي سبيل قانوني واقعي للإنصاف.
يعاقب قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل في المادة (٣٣٣) منه بالسجن (من خمس سنوات إلى ١٥ سنة) أو بالحبس (من يوم واحد إلى ٥ سنوات) كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب أو أمر بتعذيب متهم.
وعلى الرغم من إدراج هذه المادة ضمن قانون العقوبات وتجريمها بشكل قضائي واضح إلا ان اغلبية الأجهزة الأمنية المنفذة لمثل هذه الانتهاكات تبرر افعالها باستحقاق المتهم أشد العقوبات نتيجة ما اقبل عليه من فعل او خرق للقوانين.
بل وهناك من يشاركهم هذا التبرير في مضامير الرأي العام ويرى أن المتهم يستحق ما يلاقيه على أيدي القوات الأمنية دون رحمة في حالة خرقه أحد سنن القانون.
ولا يعتبر هذا القبول الجمعي للتعذيب مستحدثاً أو دخيلاً على المجتمع العراقي.
إذ جاء نتيجة تراكم إيديولوجيات التسلط عبر فترات الحكم، وترسّخ ثقافة العقاب الصارم للمعتقلين أو الخارجين عن القانون عالقة في أذهان اغلبية العراقيين سواء المعاصرين للفترات السابقة أو الحالية.
وتجد بعض فقرات التعذيب للمعتقلين قبولا جماهيريا كبيرا في بعض الأحيان، كما حدث مع المقدّم سلام العبيدي أحد عناصر (جهاز مكافحة الإرهاب) اثناء تحقيقه بفيديو مصور انتشر على شبكة الإنترنت مع فتى يبلغ من العمر١٤ عاما ينتمي إلى عناصر داعش.
حيث لاقى الفيديو رواجا كبيرا على جميع مواقع التواصل الاجتماعي وأبدى الكثير إعجابهم بأسلوب العبيدي حتى أصبحت جملته الشهيرة (#طفي_الكامرا) أثناء التحقيق متداولة بين الحسابات الفردية ومنصات التواصل الاجتماعي، فيما أعتبر البعض الأمر برمته مساس بحقوق الإنسان.
إنّ الاحكام التنفيذية ليست من صلاحيات أجهزة حفظ القانون ولا الشرطة العراقية أو أي جهاز حكومي آخر عدا السلطة القضائية، فهي الجهة الوحيدة المخول لها سن الأحكام التنفيذية ضمن لوائح الدستور والمواد القانونية.
وهناك من يبرّر ضرورة قيام أجهزة الأمن بالتعذيب سواء أثناء التحقيق أو لأغراض الانتقام بأنّه نتيجة لفقدان الثقة بالسلطة القضائية التي يرونها فاسدة وقد تبرأ المجرمين.
وقد اتخذت الحكومة العراقية الحالية إجراءات سريعة بحق منفذي عملية التعذيب والتنكيل التي وقعت على الحدث "حامد سعيد"، كما استقبله رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، متعهداً بحفظ كرامته وكرامة والدته.
ولكن يبقى التساؤل قائماً، هل سيتلقص القبول الجماهيري لثقافة التعذيب على يد أجهزة الدولة؟