العراق

العنف الأمني في العراق وقضايا الاعتقال

03 أغسطس 2020

بقلم: أحمد محسن

تصدر يوم أمس هاشتاك #قوات_حفظ القانون_تنتهك_القانون الترند العراقي في منصة تويتر بعد تداول مقطع لقوات مكافحة الشغب (إحدى الأجهزة المنتمية لقوات حفظ القانون التابعة لوزارة الداخلية) وهي تعتدي على طفل لم يبلغ السن القانوني وتقوم بحلق رأسه وتجريده من ملابسه وشتمه بكلام مسيء لوالدته بعد اعتقاله دون امر قضائي.

أدان أغلب العراقيين هذا الفعل، ووصفوه بالانتهاك الصريح والواضح لحقوق الانسان.

وهذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقوات الأمن العراقية لها تاريخ من الانتهاكات، بما في ذلك أعمال القتل دون وجه حق، والاغتصاب وغيره من صنوف التعذيب، فضلاً عن القبض والاحتجاز بصورة تعسفية.

 
ثقافة الاستبداد الأمني

لقد كانت السمة الغالبة لدى النظام السابق هي انتهاكاته المتكررة لحقوق الإنسان والاستبداد والاعمال الوحشية تجاه عامة الشعب وتعدد الجهات التنفيذية التي تمارس تلك الانتهاكات.

ولا ياتي ذكر نظام البعث عند أغلب العراقيين إلا وكان مصحوبا بصور المقابر الجماعية والتعذيب داخل السجون وجرائم التطهير ضد االكورد وإعدام الهاربين من الخدمة العسكريةً أو المتخلفين عنها.

وامتداد الانتهاكات كان مرتبط بالأسرة الحاكمة أيضا، حيث كان عدي صدام حسين معروفاً لدى العراقيين بجرائمه المتعددة تحت ستار النظام الحاكم.

إضافة إلى جرائم الأجهزة القمعية (الأمن العامة والاستخبارات والأمن الخاص) والتي كانت سياساتها مبنية على ترهيب المجتمع وانتهاك أبسط القيم الإنسانية سيما أن هذه الجهة السياسية كانت تقوم مقام القاضي والمنفذة للأحكام.

أعقبت فترة النظام السابق أتجاه الأحداث إلى عملية تحول سياسي حافلة بالعنف والدمار.

فأجهزة الحكومات اللاحقة لم تخلو ملفاتها من قضايا انتهاكات جسيمة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان ارتكبتها الشرطة العراقية ضد الأشخاص المشتبه بهم في جرائم تمس الأمن الوطني، بما في ذلك المتمردون، والأشخاص المشتبه بأنهم مجرمون جنائيون منذ أواخر عام ٢٠٠٣ وحتى منتصف عام 2006.

ماذا يحدث داخل سجون المعتقلين في العراق؟

سجلت منظمة هيومن رايتس ووتش من خلال التحقيقات التي قامت بها في العراق الاستخدام المنهجي للاعتقال التعسفي، وقضايا الاحتجاز لفترات طويلة قبل المحاكمة دون مراجعة قضائية.

وتعرض المحتجزين للتعذيب وسوء المعاملة، وحرمان الأسر والمحامين من زيارة المحتجزين، والمعاملة غير المناسبة للأطفال المحتجزين، وتردي الظروف في مراكز الاحتجاز السابق على المحاكمة الى مستويات مروعة.
ولا تتاح للأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة الرعاية الصحية الكافية أو أي سبيل قانوني واقعي للإنصاف.

يعاقب قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل في المادة (٣٣٣) منه بالسجن (من خمس سنوات إلى ١٥ سنة) أو بالحبس (من يوم واحد إلى ٥ سنوات) كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب أو أمر بتعذيب متهم.

وعلى الرغم من إدراج هذه المادة ضمن قانون العقوبات وتجريمها بشكل قضائي واضح إلا ان اغلبية الأجهزة الأمنية المنفذة لمثل هذه الانتهاكات تبرر افعالها باستحقاق المتهم أشد العقوبات نتيجة ما اقبل عليه من فعل او خرق للقوانين.

بل وهناك من يشاركهم هذا التبرير في مضامير الرأي العام ويرى أن المتهم يستحق ما يلاقيه على أيدي القوات الأمنية دون رحمة في حالة خرقه أحد سنن القانون.

ولا يعتبر هذا القبول الجمعي للتعذيب مستحدثاً أو دخيلاً على المجتمع العراقي.

إذ جاء نتيجة تراكم إيديولوجيات التسلط عبر فترات الحكم، وترسّخ ثقافة العقاب الصارم للمعتقلين أو الخارجين عن القانون عالقة في أذهان اغلبية العراقيين سواء المعاصرين للفترات السابقة أو الحالية.

وتجد بعض فقرات التعذيب للمعتقلين قبولا جماهيريا كبيرا في بعض الأحيان، كما حدث مع المقدّم سلام العبيدي أحد عناصر (جهاز مكافحة الإرهاب) اثناء تحقيقه بفيديو مصور انتشر على شبكة الإنترنت مع فتى يبلغ من العمر١٤ عاما ينتمي إلى عناصر داعش.

حيث لاقى الفيديو رواجا كبيرا على جميع مواقع التواصل الاجتماعي وأبدى الكثير إعجابهم بأسلوب العبيدي حتى أصبحت جملته الشهيرة (#طفي_الكامرا) أثناء التحقيق متداولة بين الحسابات الفردية ومنصات التواصل الاجتماعي، فيما أعتبر البعض الأمر برمته مساس بحقوق الإنسان.

إنّ الاحكام التنفيذية ليست من صلاحيات أجهزة حفظ القانون ولا الشرطة العراقية أو أي جهاز حكومي آخر عدا السلطة القضائية، فهي الجهة الوحيدة المخول لها سن الأحكام التنفيذية ضمن لوائح الدستور والمواد القانونية.

وهناك من يبرّر ضرورة قيام أجهزة الأمن بالتعذيب سواء أثناء التحقيق أو لأغراض الانتقام بأنّه نتيجة لفقدان الثقة بالسلطة القضائية التي يرونها فاسدة وقد تبرأ المجرمين.

وقد اتخذت الحكومة العراقية الحالية إجراءات سريعة بحق منفذي عملية التعذيب والتنكيل التي وقعت على الحدث "حامد سعيد"، كما استقبله رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، متعهداً بحفظ كرامته وكرامة والدته.
ولكن يبقى التساؤل قائماً، هل سيتلقص القبول الجماهيري لثقافة التعذيب على يد أجهزة الدولة؟

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.