العراق

عبدالله نوري.. صيّاد العسل في جبال كردستان

دلشاد حسين
11 أغسطس 2020

يشق عبدالله نوري، صياد العسل الجبلي في كردستان العراق، طريقه بين المناطق الوعرة متسلقا الجبال بحثا عن بيوت النحل كي يجني منها العسل الجبلي متحديا الخطورة والخوف من أجل الحصول على لقمة العيش وتوفير العسل الصافي لمن يحتاجه.  

يمارس نوري الذي يسكن قرية "ديي گورَ"، التابعة لناحية آغجلر ضمن قضاء جمجمال في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق، منذ أكثر من ٢٧ عاما عمله في جني العسل الجبلي من بيوت النحل في أعالي الجبال والمرتفعات المحيطة بقريته واعتمادها مصدرا لتوفير لقمة العيش له ولعائلته ومازال يواصل هذه المهنة رغم ما يواجه من مخاطر يومية أثناء العمل.

وتبدأ رحلة البحث عن العسل سنويا منذ حلول فصل الربيع مرورا بالصيف حتى الخريف، وتشمل تحديد مواقع بيوت النحل في الجبال ثم جني العسل المخزون منها صيفا.

يقول نوري الذي تجاوز العقد الرابع من عمره لـ"ارفع صوتك": "أجني العسل سنويا، وكمية العسل ما أجنيه متذبذبة بين سنة وأخرى، أحيانا أحصل على ٥٠ كيلغ من العسل من بيت واحد للنحل وأحيانا تنخفض الكمية إلى ١٦ كلغ أو أقل (٥ كلغ) حسب موقع بيت النحل".

ويتابع "أبدأ البحث عن بيوت النحل في المرتفعات والجبال في الربيع، فخبرتي الطويلة في هذا المجال تساعدني على متابعة النحل ومعرفة بيوتها وهذا البحث يستمر حتى شهر تموز أي منتصف الصيف، حينها آخذ قدرا من الراحة لمدة شهر، وأبدأ في نهاية آب بجني العسل".

ويستمر موسم جني العسل حتى أكتوبر، حسب نوري.

عبدالله نوري أثناء عمله

 

مخاطرة كبيرة!

يجني نوري العسل في بداية الموسم من الجبال والمرتفعات المحيطة بقريته ثم يبدأ جولته في المناطق الجبلية الأخرى في كردستان، خاصة محافظة السليمانية، وهو لا يتردد في التوجه الى أي منطقة جبلية تحتضن العسل مهما كان ارتفاعها.

يقول  "أعشق صعود المرتفعات، وأستخدم الوسائل القديمة والحبال في الصعود، لأنني لا أمتلك أي وسائل حديثة لتسلق الجبال من التي يستخدمها المتسلقون ".

وكان شقيق نوري الذي رافقه في بداية سنين عمله، تعرّض للسقوط أثناء جني العسل من أحد بيوت النحل، ما تسبب له بالشلل،  ورغم ذلك لم يترك نوري العمل.

يوضح نوري لـ"رفع صوتك": "لا يمكنني ترك ا العمل لأنه اختلط بروحي وأصبح جزءا رئيسيا من حياتي، عدا عن كونه مصدر دخل عائلتي، وسبيلاً لمساعدة الناس خاصة المرضى الذين يحتاجون لهذا العسل الجبلي الصافي، فالكثيرون تماثلوا للشفاء من أمراض مستعصية بعد تناولهم هذا العسل، الذي يصنعه النحل من الزهور في الجبال بعيدا عن المدن والإنسان والمزارع".

ورغم خطورة عمله خاصة أنه يستخدم وسائل تسلق قديمة جدا، إلا أن نوري اضطر إلى تدريب نجله على تسلق الجبل وجني العسل كي يكون مرافقا له، فجني العسل كما يقول عمل شاق جدا لا يمكن لشخص واحد أن ينجزه دون وجود مساعد له.

 

المدة الزمنية

عملية جني العسل تختلف من حيث الوقت الذي تستغرقه باختلاف نوع البيت، يقول نوري "مداخل بيوت النحل في الجبال تكون في بعض الأحيان صغيرة لذلك أحتاج نحو ثلاثة أيام لتوسيع مدخل البيت لأن النحل الجبلي يضيق من مدخل بيته كثيرا، وبعد إخراج العسل من البيت أعيد تضييق المدخل مجددا كي يتمكن النحل مجددا من صناعة العسل ولا تتمكن الحشرات والدبابير من مهاجمة البيت وأكل العسل".

ويؤكد أنه لا يخشى لسعات النحل، قائلاً "أتعرض دائما للعديد من اللسعات من النحل أثناء عملي، لأن النحل يكون شرسا في الدفاع عن بيته وعن العسل، لكن هذه اللسعات جعلت مناعتي قوية جدا وأعطت جسمي مقاومة جيدة حتى أصبح تلقي اللسعات أمراً عادياً". 

ويستقبل نوري زبائنه في منزله رافضاً بيع العسل للتجار والباعة في السوق حفاظا على جودة العسل الذي يحصل عليه، فهو يخشى أن يتم العبث والغش في عسله، ويبيع الكيلوغرام الواحد من العسل بـ١٨٠ ألف دينار عراقي (١٥٠ دولار).

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.