العراق

الحديث عن المليشيات في العراق ولبنان بين الأمس واليوم

17 أغسطس 2020

جولة سريعة على صفحات المدونين في مواقع التواصل الاجتماعي، تكشف اختلافا كبيرا في لغة تناول واقع المليشيات المسلحة، سواء في العراق أو لبنان.

قبل عام فقط، كان معظم تلك المليشيات خطا أحمرا يخشى المعظم تناوله في تدويناتهم، لكن اليوم هناك اختلاف كبير في الحديث عنها.

في العراق، وبعد تصاعد حدة التظاهرات في تشرين الأول/ نوفمبر من العام الماضي، وتصفية المئات من الناشطين فيها بعمليات اغتيال أو خطف أو اعتقال، بدأ المدونون يتناولون الجهات التي تقف خلف تلك العمليات.

خصوصا بعد نفي الحكومة مسؤوليتها عن الخطف والقتل، واتهامها لـ"طرف ثالث" دون توضيح طبيعة ذلك الطرف أو جهة التي يتبع لها.

أجمع المدونون على أن الطرف الثالث الذي تشير له الحكومة وتخشى الكشف عنه، هو "المليشيات المسلحة المرتبطة بإيران، والتي تخشى على مكاسبها السياسية والمالية في حال تغير نظام الحكم".

ووصفوا تلك المليشيات بـ"الدولة العميقة"، التي تدير بشكل مخفي أو علني زمام إدارة الأمور في العراق.

"أفعال شاذة"

ويرى الكاتب والصحفي حسن حامد سرداح، أن "الدولة العميقة" مازالت موجودة وتتحكم.

ويوضح في حديث لموقع (ارفع صوتك) "موجودة بشكلها الواضح، قد يكون نفوذها أو سطوتها قلت عن الحكومات السابقة لكنها موجودة".

ويستدل سرداح بزيارات الوزراء ورئيس الحكومة المستمرة لقادة الفصائل، والتي كان آخرها "قبل يومين لتناول موضوع زيارة الكاظمي لواشنطن".

ويقول الكاتب والصحفي، والمدون على فيسبوك، "أصبح هناك وعي لدى المواطنين بتشخيص تلك الجماعات والحديث عنها بشكل مباشر في مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في الأماكن العامة، وتسمية تلك الجماعات التي تعمل خارج إطار المؤسسة الأمنية بالاسم، وتقتل المواطنين لمجرد مخالفتهم الرأي".

"وهذا الوعي أعطى نتيجة عكسية لما كان يحصل في السنوات السابقة"، بحسب حامد.

ويتابع "جرائم حملة السلاح باسم الحشد وفصائل المقاومة فاقت طاقة التحمل لدى الناس، وكثرة عمليات الاغتيال لأغراض شخصية أو انتقامية أو لإشاعة الفوضى، لم يعد يمكن السكوت عنه، فتلك أفعال شاذة".

ويعود الكاتب والصحفي بأفعال تلك المليشيات إلى صور أيام نشوء تنظيمي القاعدة وداعش، موضحا "هذه الجرائم تذكرنا ببداية أيام القاعدة وداعش التي كانت تغتال بحجة العمل كمترجم أو العمل مع الحكومة، لكن اليوم بحجج مختلفة، أوراقهم كشفت للمواطنين وبدأ الحديث عن جرائمهم بشكل علني".

حزب الله اللبناني

في لبنان، وبعد تفجير ميناء بيروت انطلقت لهجة الانتقاد لمليشيا "حزب الله" والتي كانت حاضرة بالأصل، لكنها محدودة.

يقول الصحافي اللبناني رشيد قيامي، "بالأول كان الحديث يقتصر على المثقفين والكتاب والصحفيين ورجال السياسة المعارضين لحزب الله، لكن بعد احداث المرفأ انفجر الغضب بشكل كبير لدى الناس التي لم تكن تتحدث بالسياسة، والتي كان همها فقط أن تؤمن معيشة عوائلها".

ويضيف في حديث لموقع (ارفع صوتك)، أن الغضب "أصبح شعبي أكثر والناس لم تعد تخاف بتاتا من أن تجاهر وتقول إن حزب الله لديه سلاح ويعمل تفجيرات ويبعث أبنائنا للقتال في سوريا واليمن والعراق".

ولم ينعكس غضب الشارع على حزب الله فقط، بل شمل "حلفائه بالشارع المسيحي من التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية"، وفقا لقيامي، موضحا "خصوصا وأن المناطق التي تضررت هي بغالبيتها مناطق مسيحية".

لكن تغير المواقف تجاه مليشيا حزب الله يبقى على مستوى الأحاديث والتصريحات فقط، فتغير وضع هذه المليشيا على أرض الواقع يحتاج إلى "تدخل دولي لأن الحزب مسيطر على الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة والبرلمان وكل الأماكن التي تتخذ القرارات المهمة"، بحسب الصحفي اللبناني.

ويتابع "أي قرار يريد البرلمان اتخاذه سيخضع لإرادة حزب الله وشريكه في البرلمان التيار الوطني الحر".

ويرى قيامي أنه إذا لم تجر انتخابات برلمانية مبكرة، بدعم وإشراف دولي لن يتغير وضع حزب الله في البلاد، لأن الحزب "مستعد للقتال حتى آخر رصاصة في سبيل عدم تنازله عن السلطة التي يمتلكها في لبنان".

ويضيف "القبول الشعبي لحزب الله وحلفائه اختلف، لو كانت انتخابات البرلمان نزيهة لن يحصل حزب الله على مكاسبه السياسية الحالية، الحزب مسيطر على بيئته إلى حد ما، لكنه لا يمتلك سيطرة على بيئات السنة والدرز والمسيح".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.