العراق

"كارثة تمتد لأجيال".. هل فشل العراق في احتواء أزمة التعليم؟

19 أغسطس 2020

ما زالت تداعيات تفشي جائحة فيروس كورونا، تؤثر على العراق بالكامل وخاصة القطاع التعليمي الذي تلكأ بسبب إغلاق المدارس والمؤسسات التعليمية.

وبحسب تحذيرات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فإن العالم يواجه "كارثة تمتد لأجيال" بسبب إغلاق المدارس وسط تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد.

وقال غوتيريش إن إعادة التلاميذ بأمان إلى مدارسهم يجب أن يكون "أولوية قصوى"، مضيفاً "المدارس كانت مغلقة في نحو 160 دولة حتى منتصف يوليو، مما يؤثر على أكثر من مليار تلميذ، في حين يتخلف 40 مليون طفل عن دور الحضانة".

كما أن 250 مليون طفل خارج نظام التعليم قبل حلول الجائحة، بالإضافة إلى ترك نحو ربع طلاب المدارس الثانوية في الدول النامية بعد حصولهم فقط على مهارات أساسية، حسب غوتيريش.

وجاء حديثه أثناء إطلاقه حملة للأمم المتحدة بعنوان "أنقذوا مستقبلنا"، قائلا "الآن نواجه كارثة تمتد لأجيال يمكن أن تهدر إمكانيات بشرية لا توصف، وتقوض عقودا من التقدم، وتزيد التمييز القائم".

وتابع القول "فور السيطرة على الانتقال المحلي لعدوى كوفيد-19، يتعين أن تكون إعادة التلاميذ إلى المدارس والمؤسسات التعليمية بأكبر قدر ممكن من الأمان هو الأولوية القصوى".

 

جودة التعليم 

وتسبب إغلاق المدارس في اعتماد درجة النصف الأول من العام الدراسي الحالي (2019/2020) كدرجة للنجاح للصفوف غير المنتهية في المرحلة الابتدائية، وكذلك اعتماد درجة الفصل الأول للصفوف غير المنتهية للمراحل المتوسطة والإعدادية والتعليم المهني ومعاهد الفنون الجميلة كدرجة للنجاح، بحسب القرارات التي أعلنها وزير التربية.

ونجم عن هذا القرار عبور غالبية التلاميذ إلى مراحل دراسية لاحقة دون جهد يذكر، فضلا عن مساعدتهم في إعادة النظر بدرجات النصف الأول من العام الدراسي الحالي، كما يقول المُدرس حازم عبد الأمير لـ"ارفع صوتك".

ويضيف حازم الذي يعمل في مدرسة حكومية "لو لم تقرر الوزارة هذا لوقعت كارثة في رسوب التلاميذ، لأن أولياء أمورهم أعلنوا عن رفضهم التحاق أبنائهم بدوام المدارس أو حتى مشاركتهم في امتحانات نهاية العام الدراسي خشية الإصابة بالفيروس".

واضطر الكثير من طلبة امتحانات المرحلة الإعدادية التي من المقرر أن تبدأ في الأول من سبتمبر المقبل، لتأجيل خوضها هذا العام، مع ارتفاع حالات الإصابة بالوباء في البلاد.

ويشير الأستاذ حازم إلى أن الأزمة الوبائية ستحرم الكثير من طلبة السادس الإعدادي من أداء الامتحانات النهائية، إذ اختاروا الرسوب هذا العام، مؤكداً "هذا يُعقد الوضع أكثر خاصة بعد خروج العراق من تصنيف جودة التعليم العالمي".

وكان منتدى دافوس في سويسرا أعلن العام الماضي، أن العراق لم يحظَ خلال السنوات الماضية على أي تصنيف في المؤشر العالمي لجودة التعليم في العالم. 

 

رياض الأطفال

لم تقتصر معاناة الإغلاق على المدارس فقط، بل شملت رياض الأطفال الحكومية والخاصة أو التابعة للقطاع الخاص.

تقول عبير ولي، التي تُدير روضة وحضانة، إن " تفشي الوباء صرف النظر عن أهمية الدور الذي تمارسه رياض الأطفال، بسبب عزوف الأهالي عن إرسال أطفالهم إليها".

وتضيف لـ "ارفع صوتك": "حتى بعد إلغاء حظر التّجول الشامل، وعودة المؤسسات الحكومية والدوائر الخدمية للعمل (وإن كان لـ 25%) إلاّ أن رياض الأطفال في البلاد لم تستأنف الدوام كالسابق".

وتقول عبير  إن "الوباء يكرس لحقيقة ألاّ أهمية لوجود رياض الأطفال ودورها في تعليمهم وتأهيلهم استعداداً للالتحاق بالمدارس، وكل هذا بسبب فقدان الثقة بالأمن الصحي".

 

العمل بدلا من الدراسة

في نفس السياق، تقول الخبيرة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة صبيحة الصالحي إن "إطلاق منصة (ﻧﻴﻮﺗﻦ) الإﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﻟﺘﻌﻮﻳﺾ الطلبة والتلاميذ ﻋﻤﺎ ﻓﺎﺗﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺪروس لإﻛﻤﺎل المنهاج اﻟﺪراﺳﻲ وسيلة غير ناجحة".

وتوضح  "هذه الطريقة أسهمت في تقاعس الكثير من الطلبة والتلاميذ عن الدراسة، فضلا عن فقدان الرغبة في الاستمرار، لأن الأمور بدت غير جدية وحازمة".

وترى الصالحي في حديثها لـ"ارفع صوتك" أن غالبية التلاميذ وجدوا في التعليم الإلكتروني "فرصة للعب واللهو بسبب ثقافة المجتمع تجاه الإنترنت وحرص الأهالي دوماً على إبعاد أبنائهم، بل ومعاقبتهم حال استخدامه لتداعيات أخلاقية، فضلا عن ضعف سرعة الإنترنت وكذلك ارتفاع أسعارها".

وتتابع القول "لا يتوقف الأمر على ذلك فقط، لأن قطاع التعليم في البلاد يعاني من فوضى كبيرة، وكذلك من فساد والافتقار إلى المبادئ العلمية الأساسية في التدريس، وضعف الانفاق على البنى التحتية وانعدام الخدمات وغيرها من الأمور التي أسهمت في تدني القطاع التعليمي".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.