العراق

هيومن رايتس: الحكومة العراقية لم تقم بشيء يُذكر لوقف القتل

03 سبتمبر 2020

انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، السلطات في العراق لعدم اتخاذها أي إجراءات جدية لازمة للحد من عملية قتل المتظاهرين والناشطين المدنيين، على يدّ مسلحين مجهولين في محافظة البصرة. 

وكشفت في الوقت ذاته عن ضحايا التظاهرات في بغداد وجنوب العراق منذ تشرين أكتوبر 2019- حتى 14  أغسطس الماضي.

وجاء في تقرير المنظمة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، أن " السلطات لم تقم بأي شيء يذكر لوقف القتل". 

ويبرز التقرير أيضا وعود رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بالمساءلة عن استخدام قوات الأمن المفرط للقوة منذ مايو الماضي.

وجاء فيه "رغم هذه الوعود إلاّ أنه لم يمثل أي قائد كبير أمام القضاء. بدلا من ذلك، طُرد بضعة قادة، ومثُل عناصر أمن منخفضو الرتب أمام القضاء".

بدورها، قالت بلقيس والي، الباحثة الأولى في قسم الأزمات والنزاعات في المنظمة "ازدادت حدة الوضع في العراق لدرجة أن المسلحين يستطيعون أن يجولوا الشوارع ويطلقون النار على أعضاء المجتمع المدني بلا عقاب. من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة الاتحادية قادرة حتى على كبح جماح العنف في هذه المرحلة وضمان العدالة للضحايا".

وأضافت: "يبرز الاستهداف المتجدد للمتظاهرين في البصرة استمرار مناخ الإفلات من العقاب وجهود الجهات المسلحة لإسكات المعارضين. إلى أن تحاكم السلطات بشكل صحيح عمليات القتل المروعة هذه، يخاطر المتظاهرون بحياتهم كل مرة يخرجون فيها إلى الشوارع".

 

سلطة الأحزاب

ويرى المحلل السياسي قاسم عبد الخالق أن كل الحكومات التي توالت على حكم البلاد لن تتمكن من تحقيق وعودها للمتظاهرين في التغيير والإصلاح، حيث ثبت أن هذه الوعود "مجرد تخدير لامتصاص الغضب الشعبي" على حد تعبيره. 

ويقول عبدالخالق لـ "ارفع صوتك" إن "هذا الأمر فرض العديد من القيود الحكومية الرافضة لفكرة التظاهرات في جميع أنحاء البلاد، رغم  أنها تعترف بأحقية التظاهر". 

"وكذلك مساندتها الدائمة للعدالة عبر تشكيل لجان تحقيقية في الانتهاكات التي تعرض لها المتظاهرين، ولكن بلا نتائج تحاكم الجناة أو تمنع استمرار حملات القمع لكل تظاهرة تشعر السلطات الحاكمة بقوة تأثيرها على الشعب وتجاوبهم معها بما في ذلك الاعتقالات والتعذيب والاختطاف والقتل"، يقول عبد الخالق.

كما يبرر ازدواجية الحكومة في التعامل مع المتظاهرين بهذا الشكل لاسيما رفضهم لمختلف التوجهات السياسية في البلاد بأنه يعود "للأحزاب ونفوذها السياسي".

ويتوقع عبد الخالق استمرار الانتهاكات بحق المتظاهرين بل وتزايدها ما لم يتم التخلص من هيمنة الأحزاب السياسية على مفاصل الحياة في البلاد.

والنتيجة كما يراها  "فشل حتمي للحكومة في الوفاء بالتزاماتها، وتزايد الانتهاكات كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في يونيو 2021".

 

حملات تحريض

من جهته، يقول الناشط الحقوقي ناجي خضر  لـ"ارفع صوتك" إن "سلسلة الاغتيالات التي تنفذها عناصر مسلحة مجهولة تارة، أو بزي عسكري وتستقل مركبات بلا أرقام تارة أخرى بدايتها تكون عبر حملات تحريض تقودها صفحات لمدونين معرفين وجهات حزبية في مواقع التواصل الاجتماعي".

ويرى أن "المتابع البسيط لهذه التحريضات ينجرف عاطفياً معها ولا يتسامح أبداً، بل ويطالب بمعاقبتهم عبر تشويه السمعة والطعن بالأخلاق والانتماء الوطني".

ويشير ناجي إلى أن حملات التحريض لم تقتصر تهديدات على المتظاهرين بل طالت كل من يؤيد الاحتجاجات من شخصيات إعلامية وثقافية وأخرى بتخصصات علمية مهمة، كالشخصيات التي نددت بالفساد وجرائم القتل والتبعية لدول مجاورة أو بتقاعس الحكومة عن أداء دورها الحقيقي.

 

الكشف عن منفذي الجرائم

في نفس السياق، تقول المحامية بتول نوري،  إن انتهاكات حقوق الإنسان وعمليات الاغتيال في البلاد لن تتوقف ما لم يستعد القانون العراقي سلطته التي نخرها الفساد المالي والإداري.

وتؤكد لـ "ارفع صوتك" أن "الفساد المستشري في مؤسسات الدولة ودوائرها تسبب بضعف القانون بل بتعطيله الذي سمح للجماعات المسلحة والعصابات الإجرامية بسهولة التحرك في البلاد قبل وبعد تنفيذ جرائمهم دون خشية". 

وتشير نوري إلى أن هذا الأمر "كبح كل صوت يطالب بالكشف عن منفذي هذه الجرائم ومحاسبتهم" مردفة "ببساطة لأن القانون يخدم مصالح العملية السياسية في بلاد تسيطر الكتل السياسية وأحزابها على مفاصله كافة".

وكانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق حذرت من عودة الاغتيالات بحق الناشطين المدنيين على خلفية عمليات الاغتيال بشهر آغسطس الماضي. 

وأفادت عبر بيان لها "نؤكد تحذيراتنا السابقة من عودة ظاهرة اغتيال الناشطين المدنيين التي تشير إلى ضعف الأجهزة الاستخبارية ونقص في المعلومات الأمنية، وعدم الكشف عن المتورطين في الكثير من الاغتيالات السابقة، شجع عصابات تكميم الأفواه وحرية الرأي على استئناف جرائمهم".

وقالت المفوضية إن "هذا الأمر يجعل الحكومة والأجهزة الأمنية أمام مسؤولية الالتزام بضمان أمن المواطنين بشكل عام والناشطين المدنيين على وجه الخصوص".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.