اعتراف المتهم بقتل شيلان ووالديها لا يعني إغلاق القضية.. لماذا؟
تسلمت الأجهزة الأمنية في بغداد، الخميس،من جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كوردستان قاتل الصيدلانية "شيلان دارا" ووالديها في شقة بحيّ المنصور المجاور لموقع السفارة الروسية.
وكانت شيلان، البالغة من العمر 28 عاما، قد ولدت في محافظة السليمانية وتخرّجت من كليّة الصيدلة عام 2016، وتعمل بمركز الأورام السرطانية بمدينة الطب ببغداد، كما نشطت في إسعاف الجرحى في ساحة التحرير خلال ثورة أكتوبر 2019.
"الجريمة البشعة"
أعلن جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كوردستان، مساء أمس الأربعاء، القبض على المدعو مهدي حسين ناصر مطر الذي كان يعمل بصفة شرطي في حماية السفارة الروسية، عقب العثور عليه متخفياً في أحد فنادق أربيل.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، إن "الجريمة البشعة كانت بدافع السرقة كما دلت على ذلك المبرزات الجرمية التي ضبطت بحيازة الجاني، حيث تمكنت الأجهزة الأمنية ومديرية مكافحة الإجرام من كشف الجريمة في وقت قياسي ومعرفة مكان الجاني والقبض عليه بعد انتقاله إلى محافظة أربيل".
وفي الفيديو الذي نشره جهاز مكافحة الإرهاب على شبكة الإنترنت يمكن الاستماع إلى اعترافات المتهم مهدي حسين ناصر مطر، وهو يتحدث عن فعلته.
يقول فيه إنه "ذهب قبل يومين إلى المجني عليه (والد الصيدلانية شيلان) الذي كان يعرفه منذ 4 أعوام، طالباً أن يقرضه مبلغاً من المال، لكن رؤوف رفض، فوقعت بينهما مشادة فطعنه بسكين وحين دخلت زوجته أصيبت بالهلع بعد مقتل زوجها وبدأت بالصراخ فانقض عليها بالسكين، وعندما رأت شيلان، ما حدث حاولت ضربه بـ (مطفأة السيجارة ) على رأسه وحاول تهدئتها دون جدوى حتى بدأ بضربها وخنقها بقطعة قماش ثم سحب جثتها ووضعها قرب جثتي أبويها".
كما قال في التسجيل إنه "سرق مبلغ 10 آلاف دولار، وهرب إلى أربيل، باحثاً عن فيزا إلى تركيا، إلا أنه بعد أقل من يوم واحد فوجئ بالقوات الأمنية الكردية تعتقله في الفندق".
بدورها، أعربت لجنة حقوق الإنسان النيابية عن "شعورها الكبير بالقلق تجاه تزايد حالات الانتهاك وخاصة القتل الذي يطال عدد من المواطنين، وآخرها جريمة مقتل الصيدلانية شيلان دارا رؤوف مع والديها بطريقة غامضة وبشعة".
وقالت إن "ازدياد معدلات الجريمة وعدم وجود رادع قوي للحد من الجرائم الوحشية، أعطى الفرصة لضعاف النفوس باستغلال الوضع العام سياسيا واجتماعيا في البلد".
مسعفة لجرحى الاحتجاجات
تحول مقتل الصيدلانية "شيلان دارا" ووالديها إلى قضية رأي عام على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق.
وعلى الفور، أطلق نشطاء ومدونون وسم #مسعفة_التحرير_تذبح، مطالبين بالعدالة لعشرات الناشطين الذين تعرضوا للتصفيات الجسدية ومعاقبة كل مرتكبي هذه الجرائم.
وتفاعل الكثير من النشطاء الحقوقيين مع حادثة الصيدلانية معبرين عن غضبهم من "استمرار مسلسل اغتيال النشطاء".
وليس فقط كونها ساندت المتظاهرين في التحرير، ما حوّل الجريمة لقضية رأي عام، إنما ما نُشر من قبل نشطاء في مواقع التواصل حول اغتصابها وتقطيع أطرافعها وقطع رأس والدها، وهو ما نفته مصادر أمنيّة، خصوصاً بعد الفيديو الذي نشره جهاز مكافحة الإرهاب.
تشكيك
في الوقت الذي شهدت الصفحات العراقية في موقعي فيسبوك وتوتير تداولاً واسعاً لفيديو "الاعتراف"، لم يُقنع الفيديو الكثير من المتابعين للقضية، خصوصاً مع سلسلة الاغتيالات التي بدأت من الخبير الأمني هشام الهاشمي قبل شهرين تقريباً.
تقول الناشطة الحقوقية نادية عبد لـ"ارفع صوتك": "حادثة مقتل الصيدلانية وعائلتها لم تكن مقصودة. لا فرق بين القتل بدافع سرقة أو لعمل ارهابي أو لتصفية سياسية ما دامت الضحية ناشطة في التظاهرات ومسعفة لجرحى الاحتجاجات".
وتضيف أن "سلسلة الاغتيالات ستستمر مادامت الحكومة –ضعيفة- ولا تسهم بجدية في ردع منفذي هذه الجرائمالتي استهدفت العشرات من المشاركين في الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح والتغيير".
وتشير عبد إلى أن اغتيال الصيدلانية شيلان دارا وعائلتها أعاد إلى أذهان العراقيين مجموعة من الجرائم المشابهة التي تم تسجيلها ضد مجهول بسبب غياب القانون.
وفي نفس الوقت، انتقد العديد من النشطاء العراقيين في مواقع التواصل، طريقة تداول القضية ونشر معلومات "كاذبة" على نطاق واسع، قبل القبض على "المجرم"، من بينهم الصحافي مصطفى سعدون.
ونشر سعدون الفيديو باعتباره دليلاً قاطعاً على حسم الجدل حول مقتل شيلان والديها، قائلاً "لا أحد سيُحاسبك على عدم نشرك أي معلومة. لستَ وكالة أنباء، ولا صحيفة مُهِمة. أنت واحد من أصل 7.7 مليار إنسان، فالعالم لا ينتظر منك شيئاً. تريث في نقل المعلومات، ولا تكن ضمن قطيع الكراهية والتضليل".
من جهتها، قالت رسّامة الكاريكاتير العراقية، هالة زيد، لـ"ارفع صوتك" إن تداول معلومات كاذبة قد يكون الغرض منه "تأجيج الرأي العام وتحويل أي قضية لبعد سياسي" مضيفةً "أنا مقتنعة أن القضية جنائية فقط لأن هذا الموضوع حصل سابقاً في العراق ولم ينته بعد، إلا أن الصبغة السياسية طغت على الجرائم التي حصلت مؤخراً".
"الاعتراف ليس دائماً سيّد الأدلة"
وفي نفس السياق، يرى القاضي السابق والخبير القانوني علي التميمي، أن الاعتراف بارتكاب الجريمة "ليس دائماً سيّد الأدلّة في التحقيق الجنائي".
ويوضح التميمي في حديث لـ"ارفع صوتك": "قد يكون الاعتراف ناتجاً من تعذيب أو تهديد أو وعيد أو يكون هذا الاعتراف متناقضاً مع واقع الجريمة. مثلاً إذا اعترف المتهم بارتكاب الجريمة بالسكين ثم قال التقرير الطبي التشريحي إن أداة الجريمة مسدساً أو حبلاً استُخدم للخنق، هذا التناقض تزيله محكمة التحقيق، وإحالة الملف إلى الجنايات ستؤدي إلى عدم الحكم على المتهم، أما حين ينسجم الاعتراف مع وقائع الجريمة يكون فعلا سيد الأدلة".
وفي إجابته عن سؤال حول قانونية نشر فيديو "الاعتراف" من قبل جهاز مكافحة الإرهاب، يؤكد التميمي أن "لا علاقة للاعتراف المسجّل بالتحقيق" والسبب "أن المحكمة سواء محكمة التحقيق أو الجنايات تعتمد على الأقوال المدونه في الملف، سواء إفادة المتهم أو الشهود أو التقارير الطبية وغيرها.
"فلنفترض أنه وبعد التحقيق ثبت أن المتهم أجبر على الاعتراف أمام الكاميرا، وهو بريء، هل يمكنه رفع دعوى بالتشهير ضده؟" يجيب التميمي "يجوز ذلك، ولا يمكن إرغام أحد على التصريح دون رغبته" دون أن ينفي إمكانية حصول ذلك على أرض الواقع مخالفاً للقانون.