العراق

عام على انطلاق ثورة أكتوبر.. ما الذي تغيّر في المشهد العراقي؟

30 سبتمبر 2020

خاص- بغداد:

رغم مرور عام على انطلاق ثورة أكتوبر العراقية، ما زال حراك القوى الشعبية حاضراً في منصات الاحتجاج وساحات الاعتصام،  للتأكيد على استمرار المطالبة بأهدافها، التي تمسك بها المتظاهرون في مختلف المحافظات العراقية المشاركة في الاحتجاجات.

ومثّل صمود المتظاهرين على سلمية الثورة في وجه عمليات القمع والاغتيالات والقتل العمد من قبل القوات الحكومية وعناصر المليشيات، موقفاً نادراً في المشهد العراقي.

ولغاية الآن لا يوجد رقم مؤكد لأعداد ضحايا القمع والاغتيالات في الأشهر الأولى للتظاهرات قبل الهدوء النسب الذي عمّ البلاد بسبب جائحة كوفيد-19، إلا أن معظم التقديرات تشير لمقتل أكثر من 600 من المشاركين في التظاهرات أو الداعمين لها.

ولم تستطع القوى السياسية والمحركات الحكومية من وأد الاحتجاجات، أن تشكّل قوة شعبية ضاغطة على خيارات وقرارات السلطة السياسية وصناع القرار في العراق، والدفع بهم لتشريعات وقوانين تتناغم مع مطالب تلك الحركة الجماهيرية .

 

تظاهرات تتجدد وساحات تنتظر

يقول الناشط المدني أحمد خضير ، إن "الحراك التشريني لن يهدأ أو تكتب له الراحة إلا بعد تنفيذ مطالب الإصلاح التي دعا إليها الشارع العراقي وبشكل كامل، من بينها تعديل قانون الانتخابات بحيث يضمن وصول الكفاءات والشخصيات المستقلة إلى مواقع المسؤولية التقليل من سطوة الكتل والأحزاب الفاسدة، على مقاليد الناخب وصناديق الاقتراع".

ويضيف خضير لـ"ارفع صوتك": "المطالب التي رفعها المتظاهرون ودفعوا من أجلها الدم والملاحقات والزج بالسجون، تؤكد جديّة وثبات الإرادة الجماهيرية وقدرتها على تشخيص مواضع الخلل في الأداء الحكومي والسياسي الذي أطاح بمؤسسة الدولة فساداً وضعفاً طيلة السنوات التالية لشهر نيسان 2003".

ويطالب بتقديم الجناة وقتلة المتظاهرين إلى العدالة والكشف عن الجهات التي تقف وراءهم، فضلا عن محاسبة مسؤولي الفساد وحيتان المال العام، على حد تعبيره.

وبتابع خضير القول "تلك المطالبات ستكون حاضرة وبقوة في تظاهرات أكتوبر في عامها الثاني".

وحسب مراقبن للشأن السياسي العراقي، اختلفت طبيعة صنع القرار وآليات الوصول والأداء السياسي، عما كانت عليه الأوضاع قبل أكتوبر 2019، حيث أسهمت ساحات التظاهر في  إنتاج سلطة تنفيذية تقترب من المزاج العام للجماهير الغاضبة، وتدفع بها إلى محاسبة المقصرين وملاحقة تابوهات الفساد والنظر بجدية أكبر لإنقاذ البلاد من أزماتها المعايشة الاقتصادية والأمنية.

 

"إنجازات كبيرة"

يرى المحلل السياسي ماهر عبد جودة، أن "انتفاضة تشرين حققت إنجازات كبيرة صدمت الكتل السياسية المتجذرة بالفساد، كان في مقدمتها الدفع برئيس الحكومة عادل عبد المهدي إلى تقديم الاستقالة، والشروع بوضع اليد على الكثير من القوانين والتشريعات التي وفرت بيئة آمنة لتواجد رموز اللادولة".

ويقول جودة لـ"ارفع صوتك": "أسهمت الانتفاضة في التأسيس لمرحلة جديدة في تاريخ العراق السياسي وولادة جيل واع من رحم المعاناة الجماهيرية، بالإضافة لوضع العربة على المسار الصحيح، وهو ما يتجلى في وصول مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الوزراء من خارج منظومة الأحزاب والقوى السياسية، رغم أنه ليس خياراً جماهيرياً ولكنه يقود مرحلة انتقالية مهمة تستشرف مستقبلاً أفضل".

ويشير إلى أن "غالبية الكتل والأحزاب الكبيرة تعيش حالة من القلق وعدم الاستقرار جراء المتغيرات التي أفرزتها انتفاضة تشرين، وتشتد معاناتهم بالذهاب إلى سن القوانين والتشريعات التي تلبي تطلعات الجماهير، رغم أنوفهم وتضرر مستقبلهم السياسي، لأن الإرادة الشعبية باتت أكبر من مقدرتهم وإمكانيات الصد والوقوف ضد مسارها".

 

"الإصلاح ضرورة"

في نفس السياق، يقول النائب حسن فدعم "بغض النظر عن الأخطاء التي ترافقت مع  التظاهرات والخروقات الأمنية التي تسببت بسقوط الضحايا من المتظاهرين والقوات الأمنية ، إلا أن رسائل تظاهرات أكتوبر كانت واضحة وجلية بالسخط والغضب الجماهيري العارم على سوء الأداء السياسي طيلة الفترات السابقة".

ويؤكد فدعم عبر اتصال  مع "ارفع صوتك" أن "الطبقة السياسية برمتها تسعى الآن إلى إعادة صياغة منهجها ومفردات تعاطيها مع الحكم والقرار السياسي في ضوء المتغيرات التي جاءت بها منصات أكتوبر، لا سيما أن أزمات البلاد والأوضاع الراهنة تفرض على الجميع مراجعة العقد الاجتماعي والسياسي المبرم بين الحاكم والمحكوم".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.