العراق

عادل و8 شهور من الاعتقال والتعذيب في السجون العراقية

دلشاد حسين
05 أكتوبر 2020

أربيل - متين أمين:

لم يتمكن المتظاهر، عادل عدي الزيدي، من المشاركة في الذكرى السنوية الأولى لانطلاقة تظاهرات تشرين في العراق إثر توقيعه على تعهدات قسرية بعدم المشاركة في التظاهرات مجددا قبل إطلاق سراحه من قبل القوات الأمنية في يونيو الماضي.

واحتشد الخميس، آلاف العراقيين في ساحة التحرير وسط بغداد لإحياء الذكرى السنوية الأولى لانطلاقة ثورة أكتوبر، وسط انتشار أمني مكثف في محيط ساحة التحرير ومدخل المنطقة الخضراء التي تحتضن المقرات الرئيسية للحكومة العراقية والبعثات الدبلوماسية.

وطالب المتظاهرون في الذكرى الأولى لتظاهراتهم بمواصلتها لحين تحقيق مطالبهم ومحاكمة الفاسدين وكل من تورط بدم المتظاهرين..

ونظموا نشاطات وفعاليات متنوعة تضمنت مسيرات طلابية وأخرى نسوية، بالإضافة إلى تنظيم بازار خيري ومهرجان شعري وتنظيم تشييع رمزي لقتلى التظاهرات.

 

قصّة عادل

يقول عادل (18 عاماً) لـ"ارفع صوتك" إن مشاهداته وما تعرض له من تعذيب في السجن بعد أن تمّ اعتقاله من قبل إحدى المليشيات في 26 نوفمبر 2019، مع عدد من المتظاهرين الآخرين على خلفية مشاركتهم في التظاهرات.

ويضيف  "شاركت في بداية التظاهرات بحيث أقدم المساعدات للمتظاهرين وأنقل الجرحى إلى خيم الفرق الصحية الميدانية في ساحة التحرير لعلاجهم، وكنت أتنقل ما بين جسور الجمهورية والسنك والأحرار، حتى اعتقلت مع مجموعة من المتظاهرين الآخرين قرب جسر الأحرار من قبل قوة، كان عناصرها ملثمين يرتدون ملابس سوداء".

سلم الملثمون الزيدي والمتظاهرين الآخرين لفوج "المغاوير" التابع لقوات ما يعرف بمكافحة الشغب، وبعد احتجاز داخل سيارة هذه القوة لأكثر من 12 ساعة، نقلوه إلى معتقل مطار المثنى في بغداد.

وحسب عادل لم تتوقف هذه القوة عن ضربهم وشتمهم، على طول الطريق المؤدي لمطار المثنى العسكري، وعند وصولهم المطار كانت الهيئة التحقيقية المشكلة للتحقيق مع المتظاهرين برئاسة قاضي تحقيق معروف في العراق، بانتظارهم.

وتابع "دخلت إلى القاعة التي يتواجد فيها القاضي وهيئة التحقيق، قال لي القاضي أنت ابن عدي الزيدي ملمحاً إلى وقوف والدي خلف التظاهرات، ثم عصبوا عيني وباشروا بتعذيبي بشتى الطرق من ضرب وإهانة لإجباري على الإدلاء باعترافات قسرية، كنت أتلقى اللكمات والركلات مع الضرب المبرح بالعصيّ من قبل عدة أشخاص مع الشتائم حتى أغمي عليّ".

وبعد اعتقاله، نشر والده الناشط في التظاهرات عديّ الزيدي، مقاطع فيديو يؤكد فيها على تعرض عادل للتعذيب أثناء التحقيق ومستنكراً إلى جانب عديد النشطاء والحقوقيين في العراق، كل ما حصل له، خصوصاً أنه كان قاصراً.

 

 

 

يقول عادل لـ"ارفع صوتك"، إنه بعد أن استيقظ، تم إجباره من قبل هيئة التحقيق على تقديم اعتراف، ثم جرى نقله زنزانة انفرادية، بقي فيها أياماً عدة، تعرض خلالها للتعذيب بالضرب المبرح أدّى لكسر أنفه، كما تم صعقه بالكهرباء.

وبعدها تم إجباره على تقديم اعتراف مصوّر يقول فيه إنه "منتم لحزب البعث ووالده مدعوم من البعثيين كما أنه يزوده بقنابل المولوتوف لمهاجمة القوات الأمنية، وغير ذلك".

 

مع عناصر داعش!

لم تفارق صورة السجن مخيلة عادل طيلة الشهور الماضية، إذ احتُجز مع حوالي 300 آخرين، بينهم متظاهرون ومسلّحون وعناصر في تنظيم داعش، كلهم في قاعة مساحتها قرابة 20 متر مربّع.

"كنا ننام بالتناوب بسبب الاكتظاظ، فمن ينتهي دوره في النوم يقف لينام معتقل آخر في مكانه، وكنا نتناول وجبة واحدة من الطعام يوميا. الأوضاع في سجن المثنى مأساوية، فالمليشيات تتحكم بهذا السجن خاصة مليشيا كتائب حزب الله وسرايا السلام" يصف عادل التجربة.

بعد عشرة أيام قضاها في سجن المثنى،  تم نقله إلى سجن أحداث الطوبجي لتبدأ محاكمته بتهمتين هما: الانتماء لحزب البعث ومهاجمة القوات الأمنية.

يكشف عادل "الجلسة الأولى للمحاكمة أجلت، قدمت خلال فترة المحاكمة شكاوى التعرض للتعذيب لكن في كل مرة كانت المحكمة ترفض الشكوى حتى رفضت ثلاث شكاوى متتالية لي، لكنهم وافقوا أخيرا على إخضاعي للفحص لمعرفة صحة تعرضي للتعذيب، وأظهر الفحص أن جسمي تعرض للتعذيب بنسبة 65%".

التقرير الطبي

أما قرار المحكمة فكان السجن لعادل ستة شهور لانتمائه لحزب البعث وستة شهور أخرى مع وقف التنفيذ لمهاجمة القوات الأمنية، وتزامن إصدار الحكم مع قضائه ثمانية شهور في المعتقل، ليتم إطلاق سراحه في 21 يونيو 2020.

ورغم ما تعرض له عادل من تعذيب داخل المعتقل خلال الأشهر الماضية، إلا أنه يؤكد تمسكه بالتظاهرات والمطالب التي يواصل المتظاهرون رفعها منذ أكتوبر الماضي.

يقول "لم أتمكن من المشاركة بسبب التعهد القسري الذي وقعته للجهات الأمنية أثناء الاعتقال وهذا هو حال كافة المتظاهرين المعتقلين الذي أطلق سراحهم خلال عام من التظاهرات".

ويعوّل  عادل على التظاهرات باعتبارها "وحدت الصفوف ونجح فيها المتظاهرون بالحفاظ على السلمية رغم المحاولات المكثفة من قبل السلطة والمليشيات لجرهم نحو العنف".

وحسب إحصائيات اللجنة المنظمة للمظاهرات،  بلغ عدد المتظاهرين والناشطين العراقيين الذي قتلوا برصاص المليشيات والقوات الأمنية خلال عام من انطلاقتها 803 قتلى، فيما بلغ عدد الجرحى 31 ألفاً، واختطف 209 متظاهر ومتظاهرة.

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.