العراق

"جسد سياسي للثورة".. ما هو مستقبل الاحتجاجات العراقية؟

رحمة حجة
08 أكتوبر 2020

مضيّ عام على انطلاقة ثورة تشرين العراقية  لم يمحُ الآثار الدامية أو يخفف مصاب المفجوعين بالفقد، أو يتكلل بتحقيق أيّ من الأهداف المعلنة للاحتجاجات.

كما أن كل ما حدث لم يقيّد من سطوة المليشيات باستهدافها النشطاء عبر القتل والخطف والتعذيب وبث الرعب في نفوس البقيّة، أمام عجز الحكومة في صدّها.

وعلى الرغم من عودة حذرة للتظاهرات السلمية في العاصمة بغداد وعدة محافظات جنوبية، إلا أن المتظاهرين تعرّضوا للقمع على يد القوات الحكومية،  الثلاثاء، في محيط مرقد الإمام الحسين، إذ يحيي المئات شعائر الأربعين.

وإثر ذلك، نشر زعيم التيار الصّدري مقتدى الصّدر، بياناً يهدّد فيه المتظاهرين، وهو المتهم في أحداث عنف سابقة، تسبب بقتل وجرح وتعذيب العشرات من النشطاء العراقيين خلال الاحتجاجات وما بعدها.

ولم يتوقف الصّدر عند هذا الأمر، بل دعا العشائر لمساندته في التصدّي للمتظاهرين، عبر منشور له، الأربعاء، وصفه البعض بأنه تحريضي ويدعو للتعامل بلغة العنف.

 

وفي حين نُشرت وثيقة يؤكد فيها زعماء العديد من العشائر رفضهم لأحداث كربلاء باعتبار المتظاهرين "مخرّبين" على يبدو نزولاً عند رغبة الصّدر، تم تداول رد الشيخ حسين علي آل خيون، بشكل واسع، حيث رفض بشكل قاطع التقاطع مع أهداف الصّدر.

 

هذا وما سبقه من مواقف وأحداث، جعل العشرات وربّما المئات، من العراقيين -خصوصاً الشباب- الذين شاركوا في صناعة الثورة، أو أيّدوها عن بُعد،  يعيدون النظر في مستقبلها، والبحث عن أساليب أكثر جدوى لتحقيق الأهداف الأساسية. 

وفي نفس الوقت، ظلّ قسم آخر متمسك بشعارات الفداء والتضحية من أجل العراق، والمواظبة على تكرار الاعتصامات والتظاهرات، حتى أن منهم دعا إلى تنظيم تظاهرة باتجاه الحيّ الدوليّ (المنطقة الخضراء) حيث مقر الحكومة والجيش. 

وبين هذا الرأي الأول والثاني، الكثير من العراقيين قررّوا الوقوف على الحياد، رغم مشاركتهم العام الفائت في التظاهرات، وآثروا النأي بأنفسهم عن جدل وساحات لم تعد تمثلهم، كما قال بعضهم عبر منشورات في مواقع التواصل. 

 

العمل السياسي

وجّه "ارفع صوتك" أسئلة لعدد من النشطاء الذين شاركوا ميدانياً في الاحتجاجات، تتعلّق بمستقبل الثورة وملامح المرحلة المقبلة، فانقسم بعضهم بين الانتقال للعمل السياسي والآخر لاستمرار الوضع على ما هو عليه. 

معمّر الزاخولي، شاب ثلاثيني لم يغادر ساحة التحرير وسط بغداد منذ أكتوبر 2019، ويساهم في تأمين المساعدات الغذائية للشباب الذين بقوا في الخيم طيلة هذه المدة.

يقول معمّر لـ"ارفع صوتك" إنه يؤيّد الانتقال نحو العمل السياسي، وهو "ما يتم العمل عليه حالياً من قبل أبرز النشطاء في ساحات التظاهر داخل بغداد ومدن جنوبية بالفعل، حيث يجري انتخاب ممثلين عن كل الساحات بواقع 15-20 شخصاً من بغداد، وخمسة أشخاص من ساحة الحبّوبي في الناصرية، واثنين من كل ساحة أخرى".

يوضح "يجب تشكيل جسد سياسي للثورة، قد نسميه حزباً أو جبهة أو كياناً، إذ يجب ألا نحصر الثورة بمربّع جغرافي أو ساحة بعينها، وهذا الكيان عليه أن يعبّر عن طموحات وأهداف جيل الثورة".

وحول التصعيد المُرتقب للمتظاهرين في 25 أكتوبر الجاري، يقول معمّر "الكثير من الخيم انسحبت بعد الأول من أكتوبر، في نيّتها العودة للتصعيد. لكن توقعاتي أن هذا التصعيد سيقتصر على احتجاجات داخل الساحات ولن يكون أكبر من ذلك".

ويستدرك الدعوات لدخول المنطقة الخضراء في 25 أكتوبر (يوافق ذكرى سنة على انطلاقة الموجة الثانية من الاحتجاجات)، معلقاً "الذهب للخضراء يعني منح الشرعية للدولة بقتلك (المتظاهر) هذه حقيقة".

ويؤكد معمّر "علينا أن نكون واقعيين وعمليين، والانتقال للعمل السساسي ليس خياراً جباناً كما يدّعي البعض. لا نريد المزيد من القتل والموت".

وعن ملامح الكيان السياسي قيد التكوين، يقول معمّر لـ"ارفع صوتك": "سيضم أفراداً من مختلف القوميات والديانات، للتأكيد أولاً أن الثورة هي ثورة جميع العراقيين لا ثورة شيعة ضد حكم الشيعة كما يروّج البعض، وهدفنا جميعاً إنقاذ البلاد من الجهل ومنع بقائها الحديقة الخلفية لإيران والحد من سطوة المليشيات للتحوّل إلى دولة مؤسسات".

ويرفض معمّر أي دعوة توجه الشباب لحتفهم، وهو المصير الذي لاقاه المئات قبل عام، وسيتكرر في حال تكرار نفس الطريقة بالتعامل مع الوضع القائم. يقول "طريق الكفاح السياسي طويل لكنه مثمر على المدى البعيد". 

الناشطة  نور زيدان، ترى أن العمل السياسي هو سمة المرحلة المقبلة، أيضاً.

وتشارك نور في الاحتجاجات منذ عام 2011، تقول "كما شاركت في بداية أحداث تشرين عام 2019، رغم انعدام الأمل بعد تجربتنا في صيف 2018 خلال احتجاجات البصرة، خصوصاً أنها كانت نقلة نوعيّة لشكل الاحتجاج وبمثابة انتفاضة، لكن لم يتغير شيء بعدها".

وبسبب القمع الشديد للمتظاهرين بداية أكتوبر 2019 (راح ضحيته نحو 160 شخصاً) وقطع الإنترنت، لم تتمكن نور من الاستمرار، لتعود في الموجة الثانية 25 أكتوبر، حسب قولها.

وتلخص نور لـ"ارفع صوتك" التجربة: "كان عليّ الخروج حينها للمشاركة، ولم تمض أيام حتى استشهد صديقي المقرّب صفاء السراي، لأستمر في الاعتصام يومياً حتى آذار (مارس) 2020، وكان الانسحاب بسبب جائحة كورونا، إضافة لافتقار الاحتجاجات إلى التنظيم ووحدة الصف".

تقول "يجب أن يقوم الشباب بتنظيم أنفسهم ويتعاملوا بجديّة مع موضوع الحراك السياسي، فالثورة والاحتجاج فعل سياسي أساساً.

التنظيم السياسي ودخول المنافسة الانتخابية مع الأحزاب الكبيرة المسيطرة على المشهد العام في العراق، هو ما تجده نور أمراً ضرورياً، تقول "واقعياً، لا طريق للتغيير سوى صندوق الاقتراع، أما عودة الاحتجاجات إلى الشارع، فهو بلا جدوى ومجرد استنزاف وقت وجهد وطاقة وأرواح ناس أبرياء".

وماذا عن تصعيد 25؟ تقول نور "أنا لست مع أي تصعيد يذهب بسببه ضحايا كما أن لا جدوى منه، لكنّي مع  تنظيم حملات ضغط لإتمام تشريع قانون الانتخابات ومحاكمة قتلة المتظاهرين".

 

"خيبة أمل"

"خيبة أمل" هي عنوان مختصر لقصة الشاب محمد فؤاد، أعرب عن جزء منها في تغريدة له على تويتر، كتب فيها: 

 

يقول محمد، الطالب في كلية هندسة تقنيات الحاسبات لـ"ارفع صوتك" إنه مثل أي عراقي خرج قبل عام للمشاركة في الاحتجاجات وعاش "أياماً صعبة وبشعة" وتعرّض للقمع والتهديد ولحظات ضعف وخيبة أمل كبيرة من "الشعب الذي تركه وغيره مستضعفين أمام القوة الحاكمة.. الشعب غدر بينا" وفق تعبيره.

ويتابع "أنا شخصياً واجهت الرصاص الحيّ والغاز المسيل للدموع، منتهي الصلاحية، وعانيت إثره من التهابات حاده في المجرى التنفسي، كما تدهورت صحتي النفسية بعد إصابة صديقي برصاصة في كتفه، إلا أن ذلك جعلني مصرّاً على الاستمرار في التظاهر، قرابة 110 أيام".

ويرى محمد أنه كان الأجدر بالشباب الذي شارك في الاحتجاجات داخل بغداد البقاء في ساحة التحرير، إلا أن الغالبية "تركتها بسبب الخوف أو العودة للدراسة".

"تُركنا للشتائم وتشويه السّمعة.. كل شخص لديه خط أحمر يأمره ولا يخالف له أمراً" يضيف محمد.

ويعتقد أن العودة للتظاهر ما هي إلا جلب لنتائج مشابهة، حيث سيُترك المتظاهرون مجدداً وحدهم، يقول محمد "سيخذلنا الشعب من جديد، وسنخسر المزيد من الأرواح لأجل لا شيء... شعبنا يفتقد حُرية الذات ومفهوم العيش الكريم وصنع القرار لنفسه".

ما البديل أو طريق التغيير الجديد برأيك إذن؟ يجيب محمد "التوعيه بمفاهيم الحريه و تحقيق العيش الكريم والكرامه العامة وليس الفردية فقط، لكن في ظل وجود المجاميع المسلحه غير الشرعية، وهي جزء من الدولة، سيبقي الخطوط الحمراء قائمة لدى الشعب، فمصلحتها ألا يكون العراق بخير".

 

"تصحيح الأخطاء"

في نفس السياق، وبشكل مغاير لوجهات النظر السابقة، يؤكد علي (18 عاماً) وهو لا يزال على مقاعد الدراسة الإعدادية على دعمه لاستمرار الاحتجاجات بالشكل المعتاد لكن مع "التنظيم وتصحيح الأخطاء".

يقول علي لـ"ارفع صوتك": "حاولت الأحزاب والمليشيات اختراق الساحة والتشويش على رأي الثوار سابقاً، لذا يجب طرد العصابات والأشخاص التابعين للأحزاب من الساحات، ويجب على القوات الأمنيه حماية الثوار داخل وخارج الساحة (التحرير) بالإضافة لزيادة التنسيق بين عمل الساحات جميعها".

ويعتقد بأهمية "رفع الخيم جميعها من الساحة لمنع سيطرة الأحزاب والجماعات عليها، وإبقاء الاحتجاجات والمسيرات اليومية".

أما السبيل لإحداث التغيير في العراق، فليس عبر العمل السياسي أو صناديق الاقتراع لأنها "مشوبة بالتزوير غالباً وأضعف من هيمنة المليشيات" إنما "بالإصرار والاستمرار في التظاهر  رغم التهديدات والاغتيالات وفاءً لدماء الشهداء الأبرار "، على حد تعبير علي.

 

رحمة حجة

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.