عراقية قاصر معنّفة في بيت زوجها.. هل تنقذها عائلتها؟
تدرك حمدية أن ابنتها وسن (14 عاماً)، التي تزوجت قبل عامين أن الأخيرة لن تتمكن من الاستمرار في العلاقة، مشيرة إلى تعرضها للإساءة من قبل الزوج وعائلته.
تقول الأم لـ "ارفع صوتك"، إن زوج ابنتها "يقوم بضربها مرارا لإجبارها على العمل والتنظيف دون السماح لها بأخذ قسط من الراحة داخل المنزل".
وتضيف حمدية "كان عليّ أن أنصحها بصورة دائمة بأن تكون مطيعة خشية تعرضها للضرب، إلا أن الخلافات كانت في تفاقم مع عائلة زوجها وأثرت على تصرفاته بسبب ادعاءات بأنها غير متعاونة".
وكان والد وسن أجبرها على الزواج من رجل عمره 41 عاما، رغم معارضة والدتها.
توضح حمدية: "لم أوافق على تزويجها. فهي صغيرة ولا تفهم معنى الحياة الزوجية، وطالبت كثيراً بتطليقها، ولكن والدها كان يرفض، بل ويضربها في كل مرة لا يأتي زوجها لاصطحابها إلى منزله".
وعلى مدار السنتين الماضيتين، عانت حمدية من وضع ابنتها وسن، حيث جرى طردها من منزل عائلة زوجها الذي تعيش فيه، مرات كثيرة، بعد الاعتداء عليها بالضرب، غير أنه يأتي بعد أيام لإقنعاها بالعودة، وبعد فترة وجيزة يطردها مرة أخرى، ثم يسمح لها بالعودة من جديد، وهكذا.
تقول حمدية "يصعب عليّ تحمل ما تتعرض له ابنتي من قسوة وأنا عاجزة عن مساعدتها".
موقف الأم يذكرنا بالكثير من قصص العنف الأسري في العراق، حيث تسيطر قلّة الحيلة على المشهد، بينما تكون النهاية مأساوية في العادة، إذا لم يتم التصرّف في الوقت المناسب.
وفي تعليقها على القصة، تقول الباحثة الاجتماعية إلهام الزبيدي، إن وسن "واحدة من بين كثيرات، تسمح عوائلهن بتزويجهن صغيرات، فهو الخيار الوحيد إذ كان بإمكان الزوج أن يوفر قوت يومها، في وقت تعاني الغالبية من الفقر وتدنّي أحوالها المعيشية".
"لكن هناك مسببات أخرى لانتشار ظاهرة تزويج القاصرات في البلاد، إذ عادة ما يُنظر لمسألة إكمال الفتاة لدراستها بأنها "غير مجدية"، لأن الكثير من المقبلين على الزوج غالبا ما يفضلون الارتباط بزوجة صغيرة في العمر وغير متعلمة، وهو ما يؤدي تدريجياً إلى تأخر زواجها" تضيف الباحثة.
وتقول الزبيدي "بعيدا عن تعليم الفتاة أو لا، فإن تأخر سن زواجها من الأمور التي يربطها المجتمع بآراء سلبية عن سمعة الفتاة وعائلتها".
وترى أن بقاء البنت بلا زواج يفسح أيضاً المجال لما تخشاه العوائل من وصمهم "بالعار" الذي من المؤكد أن تلحقه بناتهم بهم، لذا فلا يوجد خيار لهم سوى أن يتم إكراهن على الزواج وهن صغيرات.
وهو الواقع الذي تحاول ناشطات نسويّات تغييره في العراق، من خلال التوعية بأهمية التعليم للفتيات وتشريع قانون مناهضة العنف الأسري الذي يؤمن الحماية القانونية للنساء والأطفال الذين يتعرضون للتعنيف من قبل أهاليهم أو الأزواج.
قانون الأحوال الشخصية
وفي آخر إحصائية رسمية صادرة عن مجلس القضاء العراقي، بلغ عدد حالات الطلاق المسجلة في البلاد باستثناء إقليم كردستان، 2007 حالة، خلال يوليو الماضي.
وبلغ عدد حالات التفريق بحكم قضائي 455، بينما بلغ مجموع حالات تصديق الطلاق خارج المحكمة 1552.
من جهتها، ترى الخبيرة القانونية آمال قاسم، أن حالات الطلاق الواقعة خارج المحاكم غالباً ما تنطبق على القاصرات، لأن قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدّل، اشترط إكمال الثامنة عشرة للزواج في المادة 7 الفقرة (1).
وتقول لـ"ارفع صوتك": "ولكن بغض النظر عن ذلك، فإن الكثير من العوائل يمكنهم تزويج بناتهم دون أن يكملن الثامنة عشرة بسبب ثغرة في قانون الأحوال الشخصية العراقي تسمح بتزويج القاصرات في حالات معينة".
وينص القانون في المادة 8 الفقرة (1 و2) على: "إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج فـ للقاضي أن يأذن به إذا ثبت له أهليته وقابليته البدنية بعد موافقة وليه الشرعي، فإذا امتنع الوليّ طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له، فإن لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار أذن القاضي بالزواج، وكذلك للقاضي أن يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشر من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو إلى ذلك، ويشترط لإعطاء الإذن تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية".
هذا القانون برأي قاسم "يشوه الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها العراق، لأن مهمتها في الحفاظ على الحقوق ستبدو مشوهة إذا تم تجاهلها مقارنة بالانتهاكات التي تحدث".
ورغم ذلك "علينا ألاّ نتغاضى عن السلطة الدينية وفتاويها التي تشرع زواج القاصرات وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية" تؤكد قاسم.
وتشير إلى أن الاعتماد على الدين في الزواج والطلاق هو "ما يبرر التخلي عن القوانين والمعاهدات التي لا توافق عليها السلطة الدينية، خاصة اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها العراق عام 1994".
ومن هذا المنطلق ترى قاسم أن الحل الوحيد للحد من الزواج المبكر في "تطبيق الاتفاقات والمعاهدات الدولية المصادق عليها" مستدركة أنه "غير كاف إذا لم يرافقها دعم التشريعات الحكومية اللازمة".