العراق

عراقية قاصر معنّفة في بيت زوجها.. هل تنقذها عائلتها؟

07 أكتوبر 2020

تدرك حمدية أن ابنتها وسن (14 عاماً)، التي تزوجت قبل عامين أن الأخيرة لن تتمكن من الاستمرار في العلاقة، مشيرة إلى تعرضها للإساءة من قبل الزوج وعائلته.

تقول الأم لـ "ارفع صوتك"، إن زوج ابنتها "يقوم بضربها مرارا لإجبارها على العمل والتنظيف دون السماح لها بأخذ قسط من الراحة داخل المنزل".

وتضيف حمدية "كان عليّ أن أنصحها بصورة دائمة بأن تكون مطيعة خشية تعرضها للضرب، إلا أن الخلافات كانت في تفاقم مع عائلة زوجها وأثرت على تصرفاته بسبب ادعاءات بأنها غير متعاونة".  

وكان والد وسن أجبرها على الزواج من رجل عمره 41 عاما، رغم معارضة والدتها. 

توضح حمدية: "لم أوافق على تزويجها. فهي صغيرة ولا تفهم معنى الحياة الزوجية، وطالبت كثيراً بتطليقها، ولكن والدها كان يرفض، بل ويضربها في كل مرة لا يأتي زوجها لاصطحابها إلى منزله". 

وعلى مدار السنتين الماضيتين، عانت حمدية من وضع ابنتها وسن، حيث جرى طردها من منزل عائلة زوجها الذي تعيش فيه، مرات كثيرة، بعد الاعتداء عليها بالضرب، غير أنه يأتي بعد أيام لإقنعاها بالعودة، وبعد فترة وجيزة يطردها مرة أخرى، ثم يسمح لها بالعودة من جديد، وهكذا.  

تقول حمدية  "يصعب عليّ تحمل ما تتعرض له ابنتي من قسوة وأنا عاجزة عن مساعدتها".

موقف الأم يذكرنا بالكثير من قصص العنف الأسري في العراق، حيث تسيطر قلّة الحيلة على المشهد، بينما تكون النهاية مأساوية في العادة، إذا لم يتم التصرّف في الوقت المناسب. 

وفي تعليقها على القصة، تقول الباحثة الاجتماعية إلهام الزبيدي، إن وسن "واحدة من بين كثيرات، تسمح عوائلهن بتزويجهن صغيرات، فهو الخيار الوحيد إذ كان بإمكان الزوج أن يوفر قوت يومها، في وقت تعاني الغالبية من الفقر وتدنّي أحوالها المعيشية".

"لكن هناك مسببات أخرى لانتشار ظاهرة تزويج القاصرات في البلاد، إذ عادة ما يُنظر لمسألة إكمال الفتاة لدراستها بأنها "غير مجدية"، لأن الكثير من المقبلين على الزوج غالبا ما يفضلون الارتباط بزوجة صغيرة في العمر وغير متعلمة، وهو ما يؤدي تدريجياً إلى تأخر زواجها" تضيف الباحثة.

وتقول الزبيدي "بعيدا عن تعليم الفتاة أو لا، فإن تأخر سن زواجها من الأمور التي يربطها المجتمع بآراء سلبية عن سمعة الفتاة وعائلتها".

وترى أن بقاء البنت بلا زواج يفسح أيضاً المجال لما تخشاه العوائل من وصمهم "بالعار" الذي من المؤكد أن تلحقه بناتهم بهم، لذا فلا يوجد خيار لهم سوى أن يتم إكراهن على الزواج وهن صغيرات.

وهو الواقع الذي تحاول ناشطات نسويّات تغييره في العراق، من خلال التوعية بأهمية التعليم للفتيات وتشريع قانون مناهضة العنف الأسري الذي يؤمن الحماية القانونية للنساء والأطفال الذين يتعرضون للتعنيف من قبل أهاليهم أو الأزواج.

 

قانون الأحوال الشخصية

وفي آخر  إحصائية رسمية صادرة عن مجلس القضاء العراقي، بلغ عدد حالات الطلاق المسجلة في البلاد باستثناء إقليم كردستان،  2007 حالة، خلال يوليو الماضي.

وبلغ عدد حالات التفريق بحكم قضائي 455،  بينما بلغ مجموع حالات تصديق الطلاق خارج المحكمة 1552.

من جهتها، ترى الخبيرة القانونية آمال قاسم، أن حالات الطلاق الواقعة خارج المحاكم غالباً ما تنطبق على القاصرات، لأن قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدّل، اشترط إكمال الثامنة عشرة للزواج في المادة 7 الفقرة (1).

وتقول لـ"ارفع صوتك": "ولكن بغض النظر عن ذلك، فإن الكثير من العوائل يمكنهم تزويج بناتهم دون أن يكملن الثامنة عشرة بسبب ثغرة في قانون الأحوال الشخصية العراقي تسمح بتزويج القاصرات في حالات معينة".

وينص القانون في المادة 8 الفقرة (1 و2) على: "إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج فـ للقاضي أن يأذن به إذا ثبت له أهليته وقابليته البدنية بعد موافقة وليه الشرعي، فإذا امتنع الوليّ طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له، فإن لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار أذن القاضي بالزواج، وكذلك للقاضي أن يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشر من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو إلى ذلك، ويشترط لإعطاء الإذن تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية". 

هذا القانون برأي قاسم "يشوه الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها العراق، لأن مهمتها في الحفاظ على الحقوق ستبدو مشوهة إذا تم تجاهلها مقارنة بالانتهاكات التي تحدث".

ورغم ذلك "علينا ألاّ نتغاضى عن السلطة الدينية وفتاويها التي تشرع زواج القاصرات وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية" تؤكد قاسم.

وتشير  إلى أن الاعتماد على الدين في الزواج والطلاق هو "ما يبرر التخلي عن القوانين والمعاهدات التي لا توافق عليها السلطة الدينية، خاصة اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها العراق عام 1994". 

ومن هذا المنطلق ترى قاسم أن الحل الوحيد للحد من الزواج المبكر  في "تطبيق الاتفاقات والمعاهدات الدولية المصادق عليها" مستدركة أنه "غير كاف إذا لم يرافقها دعم التشريعات الحكومية اللازمة".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.