العراق

قصة صيدلانية أيزيدية وسبب عودتها لسنجار

دلشاد حسين
07 أكتوبر 2020

تعمل الشابة الأيزيدية شكرية خلف يومياً منذ الصباح الباكر حتى ساعات الليل في القطاع الصحي، مقسمة وقتها بين دوامها الرسمي في المركز الصحي وسط ناحية سنوني التابع لقضاء سنجار غرب الموصل، وبين الصيدلية التي افتتحتها داخل سوق الناحية.

وما زال نقص الخدمات الرئيسية في سنجار والمناطق التابعة لها والدمار الذي يغطي غالبية أنحائها وتكرار القصف التركي على مناطق عدة منها، يمنع عودة الحياة بشكل كامل إلى هذه المدينة ذات الغالبية الأيزيدية.

ورغم صعوبة الظروف التي تشهدها المدينة، تحاول شكرية وغيرها من أهالي سنجار وأطرافها العائدين إليها، إعادة الحياة عبر تأسيس مشاريعهم الخاصة وحث من تبقى من النازحين في المخيمات على العودة والبدء ببناء مناطقهم.

وكانت شكرية طالبة  في المرحلة الإعدادية وتمتلك صالون حلاقة في ناحية سنوني، عندما احتل داعش سنجار وأطرافها عام 2014، ونجت مع عائلتها من الإبادة على يد التنظيم بعد نزوحها إلى جبل سنجار.

وفي الجبل، أمضوا أكثر من 10 أيام تحت حصار التنظيم الإرهابي، حتى تمكنت قوات البيشمركة والمتطوعون الأيزيديون وبإسناد من التحالف الدولي فك الحصار عن الجبل، وفتح الطريق أمام العائلات للخروج.

وخرجت شكرية وعائلتها وعدد كبير من العائلات المحاصرة من الجبل باتجاه الأراضي السورية، لكنهم سرعان ما عادوا إلى العراق، واستقرت في مدينة زاخو التابعة لمحافظة دهوك بكردستان.

ولمدة سنتين، عاشت شكرية وعائلتها المكونة من ١١ فردا في غرفة واحدة قرب زاخو، ثم انتقلوا لمخيم "جم مشكو" في المدينة نفسها، وأمضوا سنتين فيه، لتعود شكرية وحدها إلى سنوني، من أجل الالتحاق بالعائدين الذين قرروا النهوض بمناطقهم.

تقول شكرية (28 عاما) لـ"ارفع صوتك": "أكملت دراستي الإعدادية في زاخو ثم دخلت المعهد الطبي- الصيدلة في محافظة دهوك، وبعد التخرج عدتُ إلى سنوني، وبدأت العمل في مركزها الصحي".

وتتابع "بعد الدوام في المركز كنت أعمل في إحدى الصيدليات وتمكنت خلال عامين من الادخّار، لأفتتح صيدليتي الخاصة بعد التخرّج، لتصبح مصدر رزقي ورزق عائلتي".

وتشير شكرية إلى أن سكان سنوني وأطرافها رحبوا بإدارتها للصيدلية، وتتلقى منهم معاملة ودية وتحصل دائما على التشجيع اللازم للاستمرار بمشروعها وتطويره، فهي إلى جانب توفيرها الدواء للأهالي تقدم الاستشارة الطبية لهم وتساعدهم في اختيار الأطباء الكفؤين لتلقي العلاج على أيديهم. 

وتعرب عن سعادتها بالقول  "أساعد الناس وأساهم في رسم الابتسامة على وجوههم، وأساعد أهلي مالياً، فأنا المصدر الوحيد لدخلهم، وأحاول تعويضهم عمّا واجهوه من مأساة".

ولا تمتلك سنجار والمناطق التابعة لها حتى الآن أي مستشفى خاص بحجر مرضى كوفيد-19، حتى مستشفى سنجار والمراكز الصحية التابعة لها لا تمتلك القدرات الكافية لمعالجة الأمراض الأخرى غير كورونا، فتضطر إدارات المستشفى والمراكز لتحويل المصابين بكورونا والأمراض الأخرى إلى مستشفيات الموصل لتلقي العلاج.

تقول شكرية في ختام حوارها مع "ارفع صوتك": "نقص الخدمات الرئيسية ومن ضمنها الخدمات الطبية في سنجار وصغر حجم المراكز الصحية وقلة عدد الأطباء والكوادر الصحية فيها وعدم إجراء أي عمليات جراحية في سنجار، يدفع المرضى إلى الذهاب للموصل أو تلعفر لتقلي العلاج، وفي كثير من الأحيان يتوفى المرضى ذو الحالات الحرجة في الطريق قبل وصولهم المستشفيات، وهذا أحد أسباب عدم عودة باقي السكان لمناطقهم".

والجدير ذكره، أن سنجار تعرضت في صيف 2014 لحملة إبادة جماعية استهدفت أتباع الديانة الأيزيدية، واختطف التنظيم خلالها 6417  أيزيدياً غالبيتهم نساء وأطفال.

وبحسب إحصائية صادرة عن المكتب الخاص بإنقاذ المختطفين والمختطفات الأيزيديين التابع لحكومة إقليم كردستان أعلنت سبتمبر الماضي، بلغ عدد المختطفين والمختطفات الذين حرروا من قبضة داعش حتى الآن 3537 مختطفة ومختطفاً، بينما لا يزال أكثر من ألفين و880 مجهول المصير وغالبيتهم من النساء والأطفال.

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.