العراق

عامان على اغتيال أمجد الدهامات.. هل قُبض على القاتل؟

رحمة حجة
09 أكتوبر 2020

برصاص سلاح كاتم للصوت، يوم 6 نوفمبر 2019، غاب صوت الناشط المدني البارز في احتجاجات العمارة بمحافظة ميسان، أمجد الدهامات، إلى الأبد.

كان أمجد عائداً لمنزله وعائلته المكونة من زوجته وأبنائه الأربعة: ولدان وبنتان، وأمّه وأبيه، حيث يعيشون جميعاً في بيت واحد.

سنتان إذن على هذا الاغتيال المنظم، لشخصية نشطة وملهمة للشباب في ميسان، قبل وبعد الاحتجاجات،  فما الذي حصل لعائلته خلال تلك المدّة؟ وهل تم العثور على القاتل ومحاكمته؟ 

 

أولاً: أمجد  

ولد أمجد في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان جنوب شرق العراق، وعمل آخر سنوات حياته في التدريس، بعد أن كان منسقاً للمنظمات في مكتب محافظ ميسان، ومستشاراً لرئيس مجلس المحافظة لشؤون المنظمات.

وبقراءة سيرة ذاتية، كتبها أمجد بنفسه، ووجدها أخوه وليد في حاسوبه الشخصي، نجد أن الأول قضى حياته العملية كلها بين الأدب وحقوق الإنسان والتدريب المدني في موضوعات عدة، أبرزها القيادة والتنمية البشرية وحقوق المرأة وحل النزاعات.

كما كان عضواً في اتحادات داخل محافظة ميسان، مثل اتحاد الكتاب والموسيقيين وعدد من اللجان البيئية وحقوق الطفل والمياه والطوارئ وإزالة الألغام، وغيرها من المراكز الثقافية والمدنية الفاعلة داخل المحافظة.

كما شارك أمجد في عدة فعاليات دولية وأممية داخل محافظة ميسان، تتعلق بمشاريع تنموية ونهضوية، وأخرى في مجال حقوق الإنسان ومتابعة شؤون النازحين، كان في بعضها مدرباً وبعضها الآخر مشاركاً ومنسقاً. 

وكتب أمجد في عدة وسائل إعلام محلية مقالات سياسية في معظمها، كان ينشرها على صفحته العامة أيضاً، آخرها في الأول من نوفمبر 2019، بعنوان "العراق: نظام رئاسي أم برلماني؟".

العراق: نظام رئاسي أمْ برلماني؟ أمجد الدهامات بين فترة وأخرى تصدر دعوات من جهات سياسية وشعبية لتغيير النظام السياسي في...

Posted by ‎أمجد الدهامات‎ on Friday, November 1, 2019

العراق: نظام رئاسي أمْ برلماني؟ أمجد الدهامات بين فترة وأخرى تصدر دعوات من جهات سياسية وشعبية لتغيير النظام السياسي في...

Posted by ‎أمجد الدهامات‎ on Friday, November 1, 2019

 

وهذا التوسّع في نشاطه المدني داخل المحافظة، جعله معروفاً بين عشرات الشباب والنشطاء والحوقيين والمؤسسات الدولية الفاعلة في ميسان، إذ ترك بصمة لدى الكثيرين، الذين لم ينسوه طيلة سنة على غيابه، وكانوا يتذكرونه ويذكّرون به عبر منشورات في مواقع التواصل، وهو ما يمنح العائلة "دعماً معنوياً جميلاً ومؤثراً في نفوس أفرادها" كما يقول ابن أمجد الأكبر، أحمد. 

يضيف أحمد (23 عاماً) بصوت هادئ عبر مكالمة هاتفية مع "ارفع صوتك":  "محبّة العالم عزاؤنا الوحيد في والدي الشهيد".

 

اول خيمة نصبت في ساحة التحرير أصبح اسمها خيمة الشهيد امجد الدهامات صاحب اول خيمة نصبت في ساحة ميسان بعد انسحابها...

Posted by Mohammed Aldhamat on Saturday, February 22, 2020

 

اول خيمة نصبت في ساحة التحرير أصبح اسمها خيمة الشهيد امجد الدهامات صاحب اول خيمة نصبت في ساحة ميسان بعد انسحابها...

Posted by Mohammed Aldhamat on Saturday, February 22, 2020

اول خيمة نصبت في ساحة التحرير أصبح اسمها خيمة الشهيد امجد الدهامات صاحب اول خيمة نصبت في ساحة ميسان بعد انسحابها...

Posted by Mohammed Aldhamat on Saturday, February 22, 2020

من #ذاكرة_تشرين الشهيد الخالد "امجد الدهامات" ابن ميسان واحد من ابطالها وشجعانها شارك في كل التظاهرات منذ عام ٢٠١١...

Posted by ‎ذاكرة تشرين - Tishreen Memory‎ on Saturday, January 18, 2020

 

 

ثانياً: العائلة

انتقى الرّاحل أمجد، وليد شهر ديسمبر عام 1966، أسماء أبنائه بعناية، حسبما يقول أخوه وليد، إذ أحمد أبرز الأسماء عند المسلمين، ومريم الشخصية المقدّسة عند المسيحيين، ورفقة كاسم يهوديّ، وسام من أسماء الصابئة الأكثر شيوعاً. 

يضيف "تعلّق رفقة صورة أبيها ميدالية في عنقها منذ استشهاده".

 ويصف وليد أخاه الذي اغتيل قبل عام، بأنه "مثقف وموسوعيّ، يكتب الأدب والموسيقى والشعر والمسرح والأديان... ما زلت أتذكر حين وصلت إلى المستشفى وأخرجنا جثمانه من الثلاجة، كان وقع اغتياله صعباً جداً علينا".

"ما فد يوم نسيناه، وتأثرنا برحيله كلّش قوي، ووفاته كانت الأولى في عائلتنا، نحن الإخوة السبعة مع أربع أخوات، كان أبي يقول إن أسوأ ما في العمر الطويل أن يدفن الأب ابنه لا العكس" يقول وليد عبر الهاتف لـ"ارفع صوتك".

أما الأم، التي عُرفت في فيديو تم تداوله على نطاق واسع تبكي عند قبر أمجد، فكان أثر غيابه عليها كبيراً جداً. حيث كان يعيش وعائلته معها في نفس البيت.

يقول وليد "كان باب غرفة أمي مقابل باب غرفة أمجد، تراه كل يوم، وتشهد جميع حركاته، كل ذلك تحوّل فراغاً في غيابه".

وعن ذلك يقول أحمد، لـ"ارفع صوتك": "كان من الصعب تقبّل غياب والدي عن البيت، وربما أكثر ما نتذكره منه ونعبّر فيه عن امتناننا، ترجمة أفعاله، منها الاعتناء بجدّتي، حيث كان بارّا جداً بها".

وغياب أمجد، جعل من ابنه الأكبر يشعر بأنه مسؤوليته صارت أكبر، ليس أمام عائلته الصغيرة بل أيضاً تجاه جدّه وجدّته، يقول أحمد "إنه لشيء عظيم أن أحمل اسم أبي، وأيضاً مسؤولية كبيرة".

وإن كان أحمد يصف والده بالكتوم، الذي يترجم أفكاره لأفعال يتعلّم منها أبناؤه، يبدو أحمد أيضاً حريصاً في التعبير عن مشاعره حول فقد أبيه،  كما يقول، لذا قرّر أن يخفف وطأة الغياب بالحفاظ على أسلوب أبيه معه وإخوته.

يوضح أحمد "رحيله أُر في نفسياتنا جداً، لكننا نقوّي بعضنا البعض، إن رأيت جدتي تبكي مثلاً أذهب لأصبرها وإن رأتني أو رأت أحد إخوتي تقوم بنفس الشيء، وهكذا. لقد كان أبي يدارينا ولا يقبل أن نؤذي أنفسنا، ويسعى لأن نعيش مرتاحين، وسنبقى كذلك".

"رغم كسرتنا وحزننا عليه، سنظل كما أحب أن يرانا دوماً" يتابع أحمد القول.

 

ثالثاً: القاتل

بعد اغتيال أمجد، استدعت الشرطة أباه وأمّه وزوجته، من أجل تقديم بلاغ، وهو ما جرى، ليتم التحقيق الذي لم يوصل العائلة لأي نتيجة، حسبما يقول وليد.

ويضيف "تم تشكيل لجنة تحقيق طبعاً، لكن كما يقول المثل، إذا تريد تنسى قضيّة شكّل لجنة".

ويؤكد وليد لـ"ارفع صوتك" أن عائلة أمجد الذي كان موظفاً حكومياً، لم تستلم أي دعم مالي حكومي طيلة السنة الماضية، ولم تستلم راتبه، وما زال لغاية اليوم في الأوراق الرسمية "متوفى لا شهيداً".

وتثبيت وصف "شهيد" في الأوراق الرسمية له تبعات عدة منها مالية، ويُعتبر فيها من كان موظفاً حكومياً متقاعداً، وتستلم عائلته راتباً تقاعدياً.

وخلال هذه السنة يساعد إخوة أمجد عائلته، علماً بأنه كان معيلاً ليس فقط لزوجته وأبنائه، إنما لأمه وأبيه أيضاً، وفق ما ذكر أحمد.

وفي سبتمبر الماضي،  تحدّث محمد الدهامات، أخ الرّاحل أمجد، في فيديو، عن أبرز ما جاء في اجتماع بين عوائل ضحايا الاغتيالات ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

وفي اليوم الثاني لنشره الفيديو وتداوله على صفحات عراقية بمواقع التواصل، قال في مكالمة هاتفية مع قناة دجلة المحليّة "كأهالي الشهداء، تم استغلالنا بشكل كبير".

وأضاف "الحكومة متواطئة مع الأحزاب التي تقتلنا وتقتل أبناءنا. وحكومة لم تستطع حماية أبنائها أو تكشف قاتل واحد منذ عام 2003، هي متواطئة مع القتَلة".

وتابع القول "أسماء قتلة المتظاهرين لدى الحكومة، لكنها لا تجرؤ على إلقاء القبض عليهم، بسبب انتمائهم لجهات سياسية، بالتالي صار واضح أن الحكومة متواطئة".

وبالإشارة إلى وعد رئيس الحكومة عائلة الخبير الأمني الرّاحل هشام الهاشمي بإيجاد القاتل، وعدم إيفائه به، يقول محمد "ليش الكاظمي ينطي وعود ما يقدر ينفذها وبعطينا أمل؟ خاب ظني بالسيد الكاظمي، وأنا نادم جداً على قبولي للدعوة، ونادم جداً لأنه كان لدي بصيص أمل في الكاظمي".

 

الاستاذ محمد الدهامات اخو الشهيد امجد الدهامات احد اعمدة تظاهرات ميسان الذي اغتيل في بداية الشهر 11 من سنة 2019 ، ينشر فيديو مهم عن تفاصيل اللقاء الذي جمعه بالكاظمي والوعود التي اخذها والنتائج خلال 3 اشهر.. #ذاكرة_تشرين

Posted by ‎ذاكرة تشرين - Tishreen Memory‎ on Wednesday, September 9, 2020

 

رحمة حجة

مواضيع ذات صلة:

بدوي يرعى جماله في المناطق الصحراوية بين الأنبار وكربلاء عام في فبراير 2015 (صورة تعبيرية).
بدوي يرعى جماله في المناطق الصحراوية بين الأنبار وكربلاء عام في فبراير 2015 (صورة تعبيرية).

ترك كريم العتيبي حياة التنقل وتربية الإبل في بادية السماوة (مركز محافظة المثنى) جنوبي العراق، واستقر على بعد كيلومترات في مركز المدينة. مع ذلك فإن إرث أجداده البدوي ما يزال واضحاً في لهجته وزيه العربي الذي يرفض التخلي عنهما.

قبل مائة عام كان أجداد العتيبي يشدّون رحالهم ويتجهون صوب البادية دون أن تقف الحدود عقبة أمام مساعيهم نحو البحث عن العشب والماء، قبل أن يعودوا أدراجهم مع بداية موسم الأمطار في العراق، وفقا للعتيبي الذي تحدث لـ "ارفع صوتك".

ويضيف أن "البادية على وسعها بدأت تضيق بنا، فالجفاف ضرب المنطقة، أما من يعبر الحدود بين العراق والسعودية والكويت، فيلقى القبض عليه ويقدم تعهداً يقضي بعدم تكرار التجاوز، بعد أن كان أجدادنا يتنقلون بحرية بين هذه البلدان".

سفينة الصحراء وموجات الجفاف المتتالية في العراق.. عن أهمية الجمال في حياة البدو
"ليس حليب النوق وحده هو ما يجنيه البدوي من فائدته، فهو طوق نجاته في بحور الرمال العظيمة، ومصدر مأكله ومشربه وملبسه. فاللحم للغذاء والفراء للاستدفاء، والجلد لصناعة بعض الحاجيات، ومن وبره يصنع بيت شعره وخيمته، ويستخدم بعره كوقود بعد تيبسه، وبوله للتنظيف وكدواء ومادة لغسيل الشعر وقتل القمل"

وفقا لثائر الصوفي وهو أستاذ التاريخ المتقاعد في جامعة الموصل، فإن "حياة البدو تغيرت بشكل كبير، فلم يبق لديهم بادية نقية تتضمن قيما وتقاليد وطريقة عيش بالأسلوب الذي كانت عليه. البداية كانت مع محاولات التوطين الكثيرة للبدو خلال العهد العثماني، ثم مع احتلال الإنكليز للعراق، وأخيراً مع حكم عبد الكريم قاسم -أول رئيس وزراء عراقي في النظام الجمهوري- ومشروع الإصلاح الزراعي".

حينها كما يوضح الصوفي "منحت عشائر البدو الأراضي وحفر الآبار بهدف استقرارهم. كثير منهم وجد في حياة الاستقرار أسلوب حياة أفضل، مع توفر أرباح من الزراعة".

أما اليوم، فيتعرض مجتمع البدو في العراق إلى أسوأ حقبة في تاريخه لأسباب اقتصادية وسياسية وبيئية متنوعة. ويعاني أغلب البدو من الفقر والفاقة التي تسيطر على أغلب جوانب حياتهم" كما تقول دراسة بعنوان "التراث الثقافي اللامادي لبدو العراق" للباحث صلاح الجبوري.

 

أعدادهم في تناقص

 

وجود البدو في العراق ليس حديثاً، كما يشير أستاذ التاريخ في جامعة الموصل عامر الجميلي، بل أنه "قديم ومتجذر، وهناك وثائق تشير لوجودهم قبل خمسة قرون".

يقول الجميلي لـ"ارفع صوتك" إن "أهم قبيلتين بدويتين في المنطقة، هما شمر وعنزة، واستقرتا في مناطق واسعة من بوادي العراق الثلاث وهي الجزيرة والمثنى والأنبار، ضمن المناطق الحدودية مع سوريا والسعودية".

ويضيف أن "أعدادهم بدأت بالتناقص مع أول دعوة للتحديث والتحضر، التي اضطلع بها الشيخ عجيل الياور شيخ مشايخ شمر، أوائل القرن العشرين".

أما حالياً "فيصعب حصر تعدادهم السكاني" كما يقول أستاذ التاريخ ثائر الصوفي بسبب "ذوبان أغلب العشائر في النسيج الاجتماعي بالمناطق الحضرية والريفية".

نسبة البدو العراقيين تطرق إليها الباحث هاشم نعمة في دراسة بعنوان "نمو سكان المناطق الحضرية في العراق وآثاره الاجتماعية والاقتصادية".

وأشار فيها إلى أن "الارتقاء الاجتماعي السريع والعاصف في فترة وجيزة لا تزيد على بضعة عقود، أدى إلى اختفاء البدو تقريباً، فقد هبطت نسبتهم، من 35% من إجمالي السكان في القرن التاسع عشر، إلى 4% في عام 1957، ثم إلى 1% في ثمانينيات القرن العشرين. والآن من المرجح أن نسبتهم أقل من ذلك".

في المقابل أشارت دراسة الباحث صلاح الجبوري "التراث الثقافي اللامادي لبدو العراق" إلى "وجود 150 - 170 ألفا من البدو في العراق حالياً".

وفقا لكريم العتيبي، فإن بدو العراق ينقسمون اليوم إلى نوعين، الأول منهما، هو الذي استمر في تربية الإبل والعناية بها والتنقل مسافات طويلة إلى حيث الماء والعشب على طول البادية، أما الثاني فتحول إلى رعاية المواشي (الأغنام والماعز)، ولا تتطلب العناية بها التنقل لمسافات طويلة.

وأشار إلى أن "طبيعة العناية بالإبل والمواشي، اختلفت بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، فأصبحنا نستخدم السيارات لنقلها وجلب المياه، ونصطحب معنا مولدات كهربائية ونشتري العلف، هذا كله أدى إلى زيادة التكاليف وقلة الأرباح، وبالتالي أصبح من الصعب الحفاظ على طرق العيش القديمة".

ويقول إن "جلب المياه بالسيارات، غير مجد للبدوي مربي الإبل، ولا يمكنه البقاء في المنطقة عندما يبذر الفلاحون الحنطة والشعير، لذلك يبقى بحاجة للدخول إلى عمق البادية من أجل حيواناته".

 

"الحروب" و "المناخ"

 

أسباب التراجع في أعداد البدو وحجم ما يمتلكونه من جمال ومواش لها أسباب عديدة، فالحروب لعبت كما يروي كريم العتيبي لـ "ارفع صوتك" طدوراً في تقليص قدرة البدو في التنقل مع حيواناتهم".

ويقول إن "أكبر المخاوف بدأت مع مخلفات الحرب التي كانت تنفجر على البدو فيتكبدون خسائر بشرية وتموت حيواناتهم، فاضطروا إلى تغيير طرقهم ومناطق رعيهم مع كل حرب جديدة يخوضها العراق".

يقول أستاذ التاريخ ثائر الصوفي إن "أوضاع البدو المالية تدهورت مع حلول الألفية الجديدة، حين بدأت كميات الأمطار المتساقطة بالتراجع، ومعها أصبحت الأراضي جرداء والعشب يقل يوماً بعد يوم".

ويضيف أن "بادية الجزيرة التي كانت تسمى بسلة العراق الغذائية، لم تعد كذلك بسبب الجفاف، وبالتالي ازدادت البطالة وتخلى الكثير من البدو عن حيواناتهم وسكنوا القرى وساد الفقر بينهم. اضطر بعضهم إلى العمل في التهريب والبعض الآخر انتمى للجماعات الإرهابية في سبيل البقاء حياً".

ويتابع الصوفي: "ذلك الانتماء لم يكن واسعاً، وانتهى سريعاً مع سيطرة الدولة على المناطق التي اجتاحتها تلك الجماعات، فيما تقلصت عمليات التهريب بعد أن عززت السلطات الأمنية مسكها للحدود".

 

"العادات والتقاليد"

 

لا تتعلق التغيرات التي طرأت على المجتمع البدوي في العراق على تعدادهم السكاني فحسب، بل تأثرت أيضا الكثير من "العادات والتقاليد" وطرق العيش التي كانت سائدة.

أهمها بيوت الشَعر التي كانت واحدة من أهم أنواع التراث الإنساني للبدو، فلم يعد هؤلاء ممن يعيشون في القرى والمدن يسكنون فيها.

يقول محمد ناصر الذي ترك حياة البداوة وتوجه للوظيفة الحكومية في المدن: "يبني البدو بيوتاً من الطوب للعيش، أما البدو من مربي الإبل فلديهم بيت قائم ثابت تعيش فيه العائلة في أيام توفر العشب بالقرب من المدن، وفي رحلة الصيف إلى عمق البادية يصطحبون نصف أفراد العائلة للرعي وهناك يستخدمون بيوت الشعر".

ويضيف: "حتى بيوت الشعر تغيرت، فسابقا كانت تصنع من شعر الماعز المقاوم للظروف الجوية، الذي يمنع تسرب الماء في الشتاء ويسمح بدخول الهواء في الصيف. أما حالياً فتتوفر المواد والأقمشة في الأسواق، وقليلاً ما يتم نسج بيت الشعر من قبل البدويات".

ويتابع ناصر: "في السابق، من النادر أن نجد بدوياً يتدرج في الدراسة، لما تتطلبه من استقرار مكاني، أما حالياً، فبفضل الاستقرار في القرى والمدن دخل أبناء البدو إلى المدارس وتخرجوا من الجامعات وتدرجوا في السلم الوظيفي. كثير منهم يفضل الانتساب للقوات الأمنية لما توفره من رواتب مستقرة ومجزية".

ويشير إلى أن "الكثير من تقاليد الحياة البدوية تأثرت، فالصيد الذي كان أجدادنا يتباهون به خلال جلسات السمر في المصايف حين تدور دلال القهوة بين الحاضرين، أصبح اليوم محدوداً".

وحتى سبعينيات القرن العشرين كما يقول أستاذ التاريخ ثائر الصوفي "كان البدو يتنقلون في البادية على الجمال والخيول، لكن مع دخول السيارات إلى حياتهم تركوا الخيل للصحراء لتتحول إلى حيوانات برية، أما في الوقت الحالي، فمن يمتلك الخيل منهم يكون لأسباب الترف".

ويؤكد أن "حياة البدو بمعناها القديم أو كما نقرأ عنها في الكتب والمصادر التي كتبت في النصف الأول من القرن العشرين، لم تعد موجودة إلا في النادر جداً، مع ذلك، فإن البدوي العراقي، مهما ترك البادية واستقر، فإنه يعود إليها في حنين شديد، ويستمر في الحفاظ على تقاليدها من كرم الضيافة والنخوة".