العراق

معاناة التركمان بعد داعش "خارج" ملفات الحكومة العراقية

دلشاد حسين
15 أكتوبر 2020

أوضاع نفسية واقتصادية صعبة وتهميش حكومي ودولي، تمثل أبرز المشاكل التي تواجهها الناجيات التركمانيات من تنظيم داعش في العراق.

ورغم مرور ثلاثة أعوام على تحريرها من داعش في الموصل، إلا أن الناجية التركمانية زهراء شهاب (18 عاماً) عاما ما زالت تنتظر الدعم الحكومي والدولي لمساعدتها نفسيا واقتصاديا، كي تتمكن من استكمال دراستها التي تأخرت فيها أربع سنوات، بسبب اختطافها.

تقول زهراء التي تم تحريرها في 2017 خلال معارك الموصل، لـ"ارفع صوتك": "أنا الآن طالبة في الصف الثالث المتوسط، وحالتنا المادية ضعيفة جدا. جزء من عائلتي ما زالت مختطفة لدى داعش ماعدا والدي".

كما تم تحرير ثلاثة من إخوتها الصغار مؤخراً، بينما لا يزال مصير البقية "مجهولاً" حسب زهراء.

وكانت زهراء، نزحت عام 2014 نزحت زهراء وعائلتها إلى قضاء سنجار هربا من التنظيم، لكن التنظيم هاجم سنجار فيما بعد، فوقعت مع عائلتها إلى جانب آلاف الأيزيديين والنازحين الآخرين بيد التنظيم، الذي نفذ عمليات إبادة جماعية ضد سكان هذه المناطق التي تحتضن أقليات دينية وقومية في العراق.

 

بانتظار القوانين

الكثير من الناجيات التركمانيات يعشن مع أقاربهن، لأن عائلاتهن ما زالت مجهولة المصير بعد اختطافها من قبل داعش.

يقول الناشط المدني المختص بشؤون المختطفات والمختطفين التركمان، جعفر التلعفري: "توجد معلومات عن تواجد عدد من المختطفات التركمان في مخيم الهول بسوريا".

ودعا التلعفري عبر "ارفع صوتك" الحكومة العراقية إلى إنشاء قاعدة بيانات للمختطفات والمختطفين التركمان لمعرفة مصيرهم.

ويضيف "من الضروري تقصّي هذا الموضوع والعمل على إعادة المختطفات والمختطفين".

ويتابع التلعفري: "يجب أن يشمل مشروع قانون الناجيات جميع الناجيات من قبضة داعش، وأن تعمل الحكومة والمجتمع الدولي على توفير الدعم الاقتصادي والقانوني والنفسي للناجيات التركمانيات".

وما زال قضاء تلعفر يفتقر  إلى مراكز خاصة بتأهيل الناجيات نفسيا وتقديم الدعم الصحي لهن، كي يتمكن من الاندماج بالمجتمع والاعتماد على أنفسهن في توفير القوت اليومي، حسب التلعفري.

ويؤكد "رغم العوائق الاجتماعية المتمثلة بالمجتمع المحافظ في تلعفر  إلا أن العديد من الناجيات ينتظرن التمكين الاقتصادي؛ كي يبدأن بمشاريعهن الصغيرة من المنزل كالخياطة وصناعة الحلويات وغيرها من الأعمال الصغيرة الأخرى".

كما ينتظر ضحايا العنف الجنسي أثناء نزاع تنظيم داعش في العراق إقرار قانون من قبل مجلس النواب، خاص بتعويضهم، ويلزم الحكومة بالاعتراف بالجرائم التي تعرض لها الأيزيديون والمسيحيون والكاكائيون والتركمان والمكونات الأخرى على يد التنظيم على أنها جرائم إبادة جماعية.

في هذا السياق، يسعى "التحالف للتعويضات العادلة"، وهو تحالف مكون من 25 منظمة مجتمع مدني تمثل كافة مكونات العراق، إلى الضغط من أجل إقرار مشروع قانون التعويضات للناجيات والناجين من العنف الجنسي.

وأعد التحالف الذي تشكل العام الماضي 2019 مسودة مشروعه، وينتظر فتح قنوات اتصال مباشرة مع الحكومة ومجلس النواب العراقي للعمل على تمرير القانون في البرلمان قريبا.

 

"لا مشاريع معلنة"

من جهته، يقول عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، علي أكرم البياتي لـ "ارفع صوتك"، إن "الحكومة والجانب الدولي لم يقدما أي مساعدة أو جهود للمختطفين والمختطفات التركمانيات سواء على مستوى السعي لإطلاق سراحهم وإنقاذهم أو على مستوى تقديم الدعم الطبي والنفسي والاقتصادي وإعادة دمجهم أو تأهيلهم".

ويوضح البياتي أن عدد المختطفين والمختطفات التركمان لدى تنظيم داعش يُقدَر بـ 1200 شخص، منهم نحو 450 امرأة وقرابة 12 طفلاً،  عاد منهم خلال عمليات التحرير فقط ما يقارب 46 امرأة وفتاة وطفل، وغالبيتهم فقدوا ذويهم.

ويضيف "كمفوضية حقوق الإنسان دورنا لا يتجاوز العمل التوثيقي والتنسيقي أو تحريك الرأي العام وتذكير الحكومة العراقية بواجباتها، فضلا عن العمل مع فريق التحقيق الدولي (اليونايتد) للتحقيق في هذه الجرائم التي ارتكبت من قبل داعش".

ويؤكد التميمي قوله "لا توجد حتى الآن أي مشاريع معلنة وواضحة لمساعدة المختطفين والمحررين".

"للأسف هنالك تهميش واضح من الحكومة ومن المجتمع الدولي في هذا الجانب" يتابع التميمي مشيراً إلى أن المفوضية تمكنت من خلال كلية لندن للاقتصاد من إجراء بحث تقييمي ميداني حول المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها الناجيات والناجين إلى جانب ذويهم".

ووصف هذا البحث بأنه "أول تقرير دولي مهني نشر حول الموضوع (عام 2019) والحكومة استلمت نسخة منه ولكن لا يصل المفوضية أي رد منها".

ويختم التميمي حديثه لـ"ارفع صوتك" بالقول "وزارة العمل أهملت موضوع توفير رواتب الرعاية الاجتماعية للناجيات التركمانيات رغم مخاطبة المفوضية العليا لها بهذا الشأن".

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.