العراق

العراق يستقبل اليوم الدولي للقضاء على الفقر بـ"أسوأ أداء اقتصادي"

17 أكتوبر 2020

بعد حوالي عامين من انطلاق العمل بإستراتيجية التخفيف من الفقر (2018-2022) وتبني نهج علمي في التعامل مع مشكلات الاقتصاد والتنمية في البلاد، توقع تقرير الأمم المتحدة الإنمائي، مؤخراً، انحراف مسار العراق بعيداً عن التنمية المستدامة في ظل تفشي كوفيد-19.

وتمثل هذه الإستراتيجية رؤية متوافقة التوجهات العامة لوزارة التخطيط مع التنمية المستدامة 2030، فهي تعمل في ظل نموذج التخطيط المرن الذي يركز في مهامه على اللامركزية ومنح المحافظات المزيد من الصلاحيات التخطيطية والتنفيذية، بالإضافة إلى أنها توفر بيانات موثوقة عن الأوضاع المعيشية للأفراد والأسر في العراقلتشخيصمستوى ارتفاع الفقر ومعالجته والتخفيف من آثاره. 

 

"تبدو مغيبة"

وكانت ثمة توقعات في أن إستراتيجية التنمية المستدامة 2030 ستحد من الفقر وتساعد نسبياً في إدماج البلاد بالمجتمع الدولي اقتصادياً، ولكن المشكلة، كما يقول المتخصص في التنمية الاقتصادية الدكتور معن علوان أن "هذه الإستراتيجية تبدو مغيبة أو ضعيفة، لعدم وجود أي مؤشر على احتمال فاعليتها في التخفيف من الفقر".

ويضيف أن "فقدان التنوع في الإيرادات، وإهمال القطاعات المحلية كالصناعي والزراعي، وكذلك الفساد المستشري في كل محافل الحكومة ومؤسساتها، فضلاً عن سوء الخدمات المقدمة في التعليم والصحة، يجعل من الصعب التوقع بعودة الاقتصاد العراقي إلى ما قبل أزمة الفيروس رغم ضرره الكبير آنذاك".

ويعطي علوان مثالاً بالموازنة المالية التي تعتمد على نحو 97% من عوائد النفط، مما أدى ذلك بسبب تراجع أسعار النفط إلى أن يخسر العراق 11 مليار دولار من عائدات بيعه خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، بحسب وزارة النفط.

ووفقا لبيانات البنك الدولي، ارتفع العجز بالموازنة إلى 57 مليار دولار عام 2020 (ما يعادل 70.6 تريليون دينار)، ما يمثل الفجوة التمويلية، فيما بلغ إجمالي الدين العام 132 مليار دولار (الدين الداخلي والخارجي).

وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن اقتصاد العراق سينكمش 9.7% في 2020، في ضوء انخفاض أسعار النفط وفيروس كورونا، مقارنة مع نمو 4.4% في 2019، مسجلاً بذلك أسوأ أداء سنوي منذ عام 2003.

 

مكافحة الفقر

يأتي ذلك بالتزامن مع اليوم الدولي للقضاء على الفقر الذي حددته الأمم المتحدة في 17 أكتوبر من كل عام.

وشعار هذا العام 2020 حسب بيان الأمم المتحدة "تحقيق العدالة الاجتماعية والبيئية للجميع".

"فالاعتراف المتزايد بتعدد أبعاد الفقر يعني أن هاتين المسألتين متشابكتان تشابكا لا ينفصل، فضلا عن أن العدالة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق بالكامل دون تصحيح الظلم البيئي في نفس الوقت" تقول الأمم المتحدة.

وتضيف "وفي حين أُحرز تقدم في التصدي لقضية ضعف المداخيل، فإن النجاح كان أقل في ما يتصل بأبعاد الفقر الأخرى المهمة، بما في ذلك الأثر المتزايد بسرعة للبيئة، في إطار نهج أكثر شمولية".

والفقراء الذين يعيشون في فقر مدقع هم أول من يقدمون على العمل الناجز داخل مجتمعاتهم للاستجابةً للفقر وتغير المناخ والتحديات البيئية. ومع ذلك، فجهودهم وخبراتهم غالبًا ما تُهمل ولا تحظى بالتقدير.

وتتابع "حيث يُتغاضى عن قدراتهم على المساهمة بشكل إيجابي في الحلول؛ ولا يُعترف بهم بوصفهم قوى دافعة للتغيير، وأصواتهم غير مسموعة بخاصة في الهيئات الدولية".

"وكل ذلك يجب أن يتغير. يجب تقدير مشاركة الفقراء والمعسرين ومعارفهم ومساهماتهم وخبراتهم واحترامها والاعتراف بأثرها في جهودنا لبناء عالم منصف ومستدام تسود فيه العدالة الاجتماعية والبيئية للجميع" تختم بيانها.

 

أزمات اقتصادية وصحية

وكشفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عن تزايد نسبة الفقر في البلاد بسبب جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط.

وقال وزير العمل والشؤون الاجتماعية عادل الركابي، إنه "وعقب انتشار فيروس كورونا في عموم دول العالم والذي أدى إلى انخفاض اسعار النفط عالميا، انعكس الأمر سلباً على زيادة نسبة الفقر في البلاد، إذ ارتفعت من 22% إلى 34%"، مرجحاً أن "يُحدث ذلك أزمات اقتصادية وصحية".

وبين الركابي، أن "الوزارة تسعى إلى تجاوز الأزمة من خلال التعاون مع مختلف الجهات الدولية لإيجاد حلول سريعة لزيادة معدلات الفقر والبطالة، أضافة إلى الاجراءات التي تقدمها الدولة للشرائح التي ترعاها الوزارة من خلال توزيع المنح بين المواطنين من اصحاب الدخل المحدود الذين تضرروا من اجراءات فرض حظر التجوال الوقائي".

ويعلق الخبير الاقتصادي جاسم خالد، على هذه النسبة بالقول "أمر متوقع. فتقلص الإنفاق الحكومي في المشاريع الاستثمارية والبنى التحتية والإعمار والخدمات، أثر سلباً على الاقتصاد ورفع من معدلات البطالة والفقر".

كما أن هناك مخاوف من أن يواجه العراق صعوبة في تأمين رواتب الموظفين، وفقا لتصريحات أعضاء اللجنة المالية بمجلس النواب، الذين بينوا أن تأمين الرواتب يحتاج 6 مليارات دولار، في وقت تصل فيه إيرادات الموازنة الاتحادية نحو 4 مليارات دولار شهريا.

ووصلت الإيرادات النفطية لشهر أغسطس الماضي، 3.5 مليار دولار. أما الإيرادات الأخرى فتصل إلى أكثر من 400 مليون دولار، كما قال عضو اللجنة المالية في مجلس النواب، جمال كوجر، مشيرا إلى أن "هذه الأموال لا تكفي لتسديد النفقات الشهرية ورواتب الموظفين". 

ويقول خالد، إن "الضرر سيكون كبيراً. ويحتمل ألاّ يتعافى الاقتصاد بسبب الديون الحكومية لتمويل العجز حتىّ وإن فتحت قنوات دولية جديدة للاقتراض، لأن مخططاتها الاقتصادية وإجراءاتها ليست مضمونة وتثير القلق".

ويشير إلى أن التعافي لن يحدث إلاّ في اتخاذ الحكومة إجراءات سريعة في دعم شراكة العمل بين القطاعين العام والخاص وشركات الاستثمار للعمل في مشاريع القطاعات العراقية بمختلف المجالات الزراعية والصناعية ومنظومة الطاقة لتأمين الحاجة المحلية على الأقل، فضلاً عن دعم الثروات الداخلية والقضاء على الفساد.

 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.