بعد حادثة دجلة.. من يحمي الأطفال في العراق من العنف الأسري؟
أعلنت الشرطة النهرية في بغداد نهاية الأسبوع الماضي عثورها على جثتي طفلين في نهر دجلة ببغداد.
بعد ساعات من الإعلان، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر امرأة ترتدي عباءة رأس سوداء وهي ترمي بطفلين من على "جسر الأئمة" الذي يربط منطقتي الأعظمية والكاظمية شمال العاصمة.
المرأة وفقا لناشطين قانونيون ومدونين تعاني من أزمة نفسية، وهو ما قاله والد الطفلين (زوجها السابق) لوسائل إعلام.
الأزمة النفسية كانت سببا لمنع الأم من الحصول على حضانة أطفالها عند طلاقها قبل عام، وحكم المحكمة للوالد بحضانتهما.
لن تكون الأخيرة
هذه الحادثة ليست الأولى التي قضى فيها الأطفال بسبب حالات العنف الأسري التي تصاعدت مؤخرا بشكل كبير في العراق. في حالات كثيرة، تعرّض الأطفال للضرب المبرح الذي أدى أحيانا إلى عوق الطفل، فيما انتهت معظم تلك الجرائم بوفاة الأطفال، وفقا لمراقبين وناشطين في مجال حقوق الإنسان.
تقول العضوة السابقة في هيئة حقوق الإنسان العراقية والخبيرة القانونية بشرى العبيدي، "هذه ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة، لأننا نعاني منذ سنوات من العنف الأسري"، مضيفة في حديث لموقع (ارفع صوتك) "وهذا ما يدفعنا كناشطون في مجال حقوق الإنسان إلى المطالبة بتشريع قوانين الحماية من العنف الأسري لوضع حد لمثل هذه الجرائم".
ورغم عرضه منذ أكثر من ثلاث دورات برلمانية على مجلس النواب إلا أن أعضاء المجلس امتنعوا عن التصويت على تشريع "قانون الحماية من العنف الأسري".
تعلق العبيدي: "لا أعلم لماذا يعتقد أعضاء مجلس النواب ان القانون لحماية المرأة فقط؟".
وتوضح "هذا القانون لحماية الأسرة وليس المرأة، لحماية الضحية في الأسرة أيا كان الجاني، سيضع تحت طائلة قانون الحماية من العنف الأسري عند ارتكابه لأي فعل من الأفعال المقررة أنها عنف أسري".
وتتابع الناشطة والخبيرة القانونية أنه ضمن من يمكن أن يعاقبه القانون "هي هذه المرأة وقبلها الأب الذي حرق أربعة من أطفاله، وأب آخر رمى بنته من مكان مرتفع وغيرها العشرات من الحوادث اليومية من جرائم العنف الأسري".
وبالتالي "هذه السلسلة لن تنقطع بسبب عدم وجود رادع لحل هذه المشكلة"، بحسب العبيدي.
من يتحمل المسؤولية؟
ورغم حديثها عن ضعف التشريع في موضوع معالجة العنف الأسري إلا أن العبيدي ترى أن "المجتمع بشكل عام والعائلة بشكل خاص" يتحملان مسؤولية العنف الأسري.
وتقول "الجميع مشاركون بهذه الجريمة الكبيرة، الأب والأم وعوائل الأبوين وحتى المجتمع، بل وتتحمل الحكومة جزءا بسبب ضعف التشريع وفرض سلطة القانون".
وهو ما تؤيده أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد فوزية العطية، التي توضح بدورها "الثقافة في المجتمع العراقي تعرضت للانهيار لعدة أسباب، الحروب والوضع الاقتصادي والسياسي والطائفية والتشدد في التقاليد العشائرية".
وتضيف العطية في حديث لموقع (ارفع صوتك) "ليس هناك تكاتف عائلي لتربية الأولاد إضافة إلى التفكك الأسري، المؤسسات الاجتماعية في حالة تفكك العائلة والدين والتعليم والاقتصاد والسياسة، فالمجتمع منهار بكل مؤسساته".
ووفقا لأستاذة الاجتماع، فإن هذا التفكك "أنتج عنفا أسريا، عنف الوالدين ضد أبنائهم والعكس، وعنف الزوجين ضد بعضيهما، وكان الطفل هو الضحية".
فيما ترى العضوة السابقة في هيئة حقوق الإنسان أن "العائلة تتحمل مسؤولية نتائج زواج المرضى النفسيين، والتي غالبا ما تكون جرائم العنف الأسري من نتائجه".
ما هو العلاج؟
ورغم خطورة موضوع جرائم العنف الأسري وتعقيد مسبباته إلا أن العلاج ممكن.
تقول أستاذة علم الاجتماع العطية "المجتمع أشبه بالإنسان، عندما يمرض يحتاج إلى مراجعة مختص لمعالجته، علينا معرفة السبب ووضع العلاجات"، مضيفة "يشارك بالعلاج الحكومة والبرلمان ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع الشعبي".
لكن القانونية العبيدي تعتبر ان القانون والردع "يعالجان الجزء الظاهر من المشكلة، فيما تكمن الصعوبة بالجزء الباطن منها".
وتوضح "الأصعب هو الجزء غير الظاهر والمتمثل بالبنيان النفسي الذي يدفع الأشخاص الزوج أو الزوجة أو الأب أو الأم إلى ارتكاب جرائم العنف الوحشية، هذا السبب الأكثر خطورة والذي يجب معالجته".
لكن إمكانية العلاج موجودة لدى العبيدي من خلال "البرامج التوعوية والتأهيلية والتثقيفية، فضلا عن رفع سقف عمر الزواج إلى ما بعد 21 عام وهو ما يسمى لدى القانونيين بسن الرشد، لكي يكون لدى الزوجين إمكانية التفاهم بشكل أفضل".
وتختتم "المعالجة بجذر المشكلة من قبل المجتمع كاملا، والقانون يسهم من خلال وضع شروط للزواج".