العراق

بعد حادثة دجلة.. من يحمي الأطفال في العراق من العنف الأسري؟

19 أكتوبر 2020

أعلنت الشرطة النهرية في بغداد نهاية الأسبوع الماضي عثورها على جثتي طفلين في نهر دجلة ببغداد.

بعد ساعات من الإعلان، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر امرأة ترتدي عباءة رأس سوداء وهي ترمي بطفلين من على "جسر الأئمة" الذي يربط منطقتي الأعظمية والكاظمية شمال العاصمة.
المرأة وفقا لناشطين قانونيون ومدونين تعاني من أزمة نفسية، وهو ما قاله والد الطفلين (زوجها السابق) لوسائل إعلام.

الأزمة النفسية كانت سببا لمنع الأم من الحصول على حضانة أطفالها عند طلاقها قبل عام، وحكم المحكمة للوالد بحضانتهما.

لن تكون الأخيرة

هذه الحادثة ليست الأولى التي قضى فيها الأطفال بسبب حالات العنف الأسري التي تصاعدت مؤخرا بشكل كبير في العراق. في حالات كثيرة، تعرّض الأطفال للضرب المبرح الذي أدى أحيانا إلى عوق الطفل، فيما انتهت معظم تلك الجرائم بوفاة الأطفال، وفقا لمراقبين وناشطين في مجال حقوق الإنسان.

تقول العضوة السابقة في هيئة حقوق الإنسان العراقية والخبيرة القانونية بشرى العبيدي، "هذه ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة، لأننا نعاني منذ سنوات من العنف الأسري"، مضيفة في حديث لموقع (ارفع صوتك) "وهذا ما يدفعنا كناشطون في مجال حقوق الإنسان إلى المطالبة بتشريع قوانين الحماية من العنف الأسري لوضع حد لمثل هذه الجرائم".

ورغم عرضه منذ أكثر من ثلاث دورات برلمانية على مجلس النواب إلا أن أعضاء المجلس امتنعوا عن التصويت على تشريع "قانون الحماية من العنف الأسري".

تعلق العبيدي: "لا أعلم لماذا يعتقد أعضاء مجلس النواب ان القانون لحماية المرأة فقط؟".

وتوضح "هذا القانون لحماية الأسرة وليس المرأة، لحماية الضحية في الأسرة أيا كان الجاني، سيضع تحت طائلة قانون الحماية من العنف الأسري عند ارتكابه لأي فعل من الأفعال المقررة أنها عنف أسري".

وتتابع الناشطة والخبيرة القانونية أنه ضمن من يمكن أن يعاقبه القانون "هي هذه المرأة وقبلها الأب الذي حرق أربعة من أطفاله، وأب آخر رمى بنته من مكان مرتفع وغيرها العشرات من الحوادث اليومية من جرائم العنف الأسري".

وبالتالي "هذه السلسلة لن تنقطع بسبب عدم وجود رادع لحل هذه المشكلة"، بحسب العبيدي.

من يتحمل المسؤولية؟

ورغم حديثها عن ضعف التشريع في موضوع معالجة العنف الأسري إلا أن العبيدي ترى أن "المجتمع بشكل عام والعائلة بشكل خاص" يتحملان مسؤولية العنف الأسري.

وتقول "الجميع مشاركون بهذه الجريمة الكبيرة، الأب والأم وعوائل الأبوين وحتى المجتمع، بل وتتحمل الحكومة جزءا بسبب ضعف التشريع وفرض سلطة القانون".

وهو ما تؤيده أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد فوزية العطية، التي توضح بدورها "الثقافة في المجتمع العراقي تعرضت للانهيار لعدة أسباب، الحروب والوضع الاقتصادي والسياسي والطائفية والتشدد في التقاليد العشائرية".

وتضيف العطية في حديث لموقع (ارفع صوتك) "ليس هناك تكاتف عائلي لتربية الأولاد إضافة إلى التفكك الأسري، المؤسسات الاجتماعية في حالة تفكك العائلة والدين والتعليم والاقتصاد والسياسة، فالمجتمع منهار بكل مؤسساته".

ووفقا لأستاذة الاجتماع، فإن هذا التفكك "أنتج عنفا أسريا، عنف الوالدين ضد أبنائهم والعكس، وعنف الزوجين ضد بعضيهما، وكان الطفل هو الضحية".

فيما ترى العضوة السابقة في هيئة حقوق الإنسان أن "العائلة تتحمل مسؤولية نتائج زواج المرضى النفسيين، والتي غالبا ما تكون جرائم العنف الأسري من نتائجه".

ما هو العلاج؟

ورغم خطورة موضوع جرائم العنف الأسري وتعقيد مسبباته إلا أن العلاج ممكن.

تقول أستاذة علم الاجتماع العطية "المجتمع أشبه بالإنسان، عندما يمرض يحتاج إلى مراجعة مختص لمعالجته، علينا معرفة السبب ووضع العلاجات"، مضيفة "يشارك بالعلاج الحكومة والبرلمان ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع الشعبي".

لكن القانونية العبيدي تعتبر ان القانون والردع "يعالجان الجزء الظاهر من المشكلة، فيما تكمن الصعوبة بالجزء الباطن منها".

وتوضح "الأصعب هو الجزء غير الظاهر والمتمثل بالبنيان النفسي الذي يدفع الأشخاص الزوج أو الزوجة أو الأب أو الأم إلى ارتكاب جرائم العنف الوحشية، هذا السبب الأكثر خطورة والذي يجب معالجته".

لكن إمكانية العلاج موجودة لدى العبيدي من خلال "البرامج التوعوية والتأهيلية والتثقيفية، فضلا عن رفع سقف عمر الزواج إلى ما بعد 21 عام وهو ما يسمى لدى القانونيين بسن الرشد، لكي يكون لدى الزوجين إمكانية التفاهم بشكل أفضل".

وتختتم "المعالجة بجذر المشكلة من قبل المجتمع كاملا، والقانون يسهم من خلال وضع شروط للزواج".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.