"ليس مفاجئا لكنه غير مطمئن".. تسجيل 298 حالة انتحار في العراق
طالب عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية فاضل الغراوي، الحكومة بمعالجة ظاهرة الانتحار عبر تشكيل فريق وطني لمكافحة هذه الظاهرة، وإنشاء مراكز للتأهيل النفسي وإطلاق حملة إعلامية لتسليط الضوء على مخاطر هذه الظاهرة وكيفية الحد منها.
وتقدِّر مفوضية حقوق الإنسان، عدد حالات الانتحار منذ بداية العام الجاري 2020 بنحو 298.
وقال عضو المفوضية فاضل الغراوي، إن "عام 2020 شهد تسجيل 298 حالة انتحار، بواقع 168 ذكور 130 إناث، وفي العاصمة بغداد وحدها 68 حالة، والبصرة 39 وذي قار 33 حالة انتحار".
وتوزعت طرق الانتحار بين استخدام السم والشنق والحرق والغرق والطلق الناري.
أما الأسباب فهي "الآثار الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والبطالة والفقر وازدياد حالات العنف الأسري والاستخدام السيء للتكنولوجيا" كما يوضح الغراوي.
"قصص مرعبة"
النظر إلى صور الانتحار في البلاد يظهر إلى أية مرحلة من الضغط النفسي وفقدان الأمل يصلهما الشخص لإنهاء حياته، خاصة عندما نكتشف أن معظم ضحايا الانتحار لهذا العام من الشباب.
تقول المحامية نورس علاء، لـ "ارفع صوتك"، إن "انتحار الشباب تحديداً، يؤشر إلى أن هناك قصصاً مرعبة، وكذلك معقدة وراء ذلك".
وعلى الرغم من أنه دائما ما يؤخذ بعين الاعتبار أحد الأسباب المذكورة في تقرير المفوضية، إلا أن الشاب الذي لم يجد خياراً، سوى بإنهاء حياته لسبب واحد من هذه التأثيرات فحسب "ليس مقنعاً في الواقع" حسب المحامية.
توضح علاء "تلك الأسباب إذا لم تكن مجتمعة كلها، لن تخلق لدى الشاب رغبة في الانتحار، فمحاولة المواجهة والتحمل دون التسبب بأذى يحدث عندما يتعلق ذلك بأحد تلك المسببات. على سبيل المثال، فلنأخذ البطالة، حين يتوجب مواجهة الفقر والبطالة والعنف الأسري سوياً فهو تحد كبير لفئة الشباب".
وترى أن مشكلة الشباب بكونهم "لا يستشعرون إمكانية أن يتبدل حالهم نحو الأفضل، بينما يتلقون الصفعات في الوجه من كل جانب، بحياة في بلاد لا تستحق العيش كما يعتقدون".
وتشير علاء إلى أن هذا الأمر يكشف أن "الشاب العراقي لا يتمتع أبداً بأبسط حقوقه المتاحة والبسيطة في العيش".
عواقب الانتحار
في تعليقها على مطالب مفوضية حقوق الإنسان، تقول الخبيرة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة صبيحة الصالحي، لـ "ارفع صوتك"، إن "عدد حالات الانتحار (يناير- يوليو) ليس مفاجئاً لكنه غير مطمئن".
تضيف "لا توجد أعداد دقيقة للمنتحرين في العراق، لأن ما يعلن عن الأرقام يعتمد بالأساس على التبليغات التي تلقتها وزارة الداخلية أو مديرية النجدة بشأن انتحار شخص ما".
وتوضح الخبيرة بأن أحد الأسباب هي أن فعل الانتحار في تركيبة المجتمع العراقي، حيث يعد "وصمة" للعائلة والعشيرة التي يختار أحد أفرادها إنهاء حياته، لذا نجدهم يعلنون عن موته المفاجئ بدلا من انتحاره.
وعدم الإبلاغ عن حالات الانتحار لا يقف عند ذلك فقط، تؤكد الخبيرة، لافتة إلى أن "غالبية اللواتي كن ضحايا الانتحار في البلاد، قتلن على يد آباء وإخوة أو أزواج وأقارب من العشيرة، وهو ما يزيد الأمر تعقيداً لأنه قد لا يُكشف عن هذا الأمر أبداً".
وتستدرك الصالحي: "هذا الأمر لا يمثل دليلاً يمكننا من خلاله تفنيد ظاهرة انتحار النساء، لأنها مرتبطة عادة بالعنف الأسري الذي ارتفعت معدلاته خلال الأشهر الماضية بسبب تفشي فيروس كورونا".
وتقول إن "عواقب الانتحار بالغة الخطورة، فضلا عن تداعياتها بالنسبة للأشخاص الذين لديهم رغبة بذلك، إذ يمكن استغلالهم وتوريطهم للانخراط في الكثير من الجرائم المنظمة والإرهابية لتدمير المجتمع".
قانون العقوبات العراقي
وكان قاضي محكمة الجنايات الكرخ حيدر جليل البيراوي، صرح أن "الأحداث هم عرضه سهلة إلى التحريض أو تنفيذ حالات الانتحار خاصة الفتيات القاصرات ممن يتم تزويجهن بأشخاص غير أكفاء لهن بالعمر، أو غير مناسبين اجتماعيا فتكون هذه الزيجة من الأسباب المؤدية إلى الانتحار".
"ناهيك عن التغرير بهن وابتزازهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومساومتهن لاستخدام التكنولوجيا بشكل غير صحيح، ما أدى إلى وقوعهن فريسة الابتزاز، بالتالي يشكل الانتحار ردة فعل في هذه القضايا وهو على صعيد أحدث الأسباب لعام 2020" يضيف القاضي.
وناقشت المادة (408) من قانون العقوبات العراقي رقم (11) لسنة 1969 النافذ ثلاث فقرات موضوعة التحريض على الانتحار.
إذ تنص الفقرة الأولى من المادة بأن "عقوبة المحرض على الانتحار أو الشخص المساعد كأن يقوم بتوفير أو تجهيز أدوات الانتحار أو يساعد بشكل ما على ارتكاب الحادث، بالسجن مدة لا تزيد عن سبع سنوات في حالة تمت عمليه الانتحار، وفي حال لم يتم الانتحار، وفقط تم الشروع فيه ولم يكتمل كان أطلق الضحية عيارا نارياً من مسدس ولم يصب نفسه أو انقطع الحبل وعدة أمثلة أخرى هنا تكون العقوبة الحبس من 24 ساعة إلى خمس سنوات".
بينما تناولت الفقرة الثانية من القانون أن " المنتحر في حال لم يتم الـ 18 سنة من عمره، أو إذا كان ناقص الأهلية (مصاب بمرض عقلي) فإن ذلك يُعد ظرفاً مشدداً على المحرض أي أنه ينال أقصى درجات العقوبة، التي قد تصل للسجن المؤبد".
ويؤكد القاضي "لا عقاب على المنتحر أو من شرع بالانتحار ولكن الرأي العام والعرف المجتمعي يعاقبه بالزجر الديني والاجتماعي إضافة إلى العقوبة السماوية".
وبيّن أن "أكثر حالات الانتحار الواردة إلى المحاكم هي من قبل النساء".