العراق

الحديث عن العلمانية في العراق... مباح أم ممنوع؟

21 أكتوبر 2020

قرر الإعلامي ح. ا (أول أحرف من أسمه) ترك العمل في مجال إعداد البرامج بسبب "تعرضه للتهديد" لتناوله موضوع "العلمانية في العراق".

يروي معد البرامج الذي طلب عدم ذكر اسمه الصريح، أن "أشخاص مجهولين هددوه بتهمة الإساءة للدين والمرجعية في العراق"، وهذه التهمة كافية "لقتل الإنسان"، بحسب وصفه.

ويضيف في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "لا توجد حرية للتعبير عن الرأي في العراق، وخصوصا في مجال الدين والشخصيات الدينية، بل حتى الأحزاب الدينية مقدسة لدى بعض العراقيين".

ومؤخرا، قرر سعدون ضمد مقدم برنامج "المراجعة" على قناة "العراقية" شبه الرسمية، إيقاف برنامجه بعد تغريدة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر انتقد فيها البرنامج.

وجاءت تغريدة الصدر بعد تناول إحدى حلقات البرنامج لموضوع "الدين والعلمانية"، واتهم (الصدر) البرنامج بالإساءة "للدين وبعض رموزه".

لكن ضمد وعلى صفحته في فيسبوك أوضح أن هناك سوء فهم لما حصل، وأنه "بسبب التطورات التي حدثت وسوء الفهم، وحتى لا تتحمل القناة أو أي من الزملاء أي مسؤولية ما حدث، سأتوقف عن تسجيل برنامج المراجعة".

#المراجعة اولاً: كنت قد سجلت في برنامج المراجعة مع الافاضل: د جواد الخوئي، د محمد علي بحر العلوم، د عامر الكفيشي، د عبد...

Posted by ‎سعدون محسن ضمد‎ on Tuesday, October 20, 2020

 

ويعتبر معد البرامج (ح.ا) أن ما حصل مع ضمد "أمر متوقع وسيتكرر مع أي إعلامي آخر يحاول تناول موضوع العلمانية أو الدين".

ولا يبتعد الصحفي أ. ا، والذي كان مدير مكتب لأحد المؤسسات الإعلامية في العراق، برأيه عن المتحدث السابق.

ويقول "سابقا كان هناك ثلاث مواضيع يعرض المتحدث عنها للمشاكل، هي الدين والجنس والسياسة، لأنها كانت تعتبر في السابق مواضيع جدلية وفكرية، أما الآن فقد ازدادت".

ويبدي الصحفي استغرابه خلال حديثه لموقع (ارفع صوتك)، ممّا وصفه بـ"نقطة التحول في العراق بعد 2003"، موضحا "كانت الجهات التي تدعي المظلومية قبل هذا العام تدعو إلى قبولها كآخر مختلف بالرأي بكل ما تمتلكه من آراء وسلوكيات، ولكن عندما تمكنت هذه الجهات من القبض على السلطة مارست نفس الدور القمعي وتكميم الأفواه وربما وصلت إلى حد تصفية الآخر لا لشيء سوى الاختلاف في الرأي".

ويضيف أن "الحديث عن مواضيع لا تروق للآخر المختلف بالرأي في العراق باتت تؤدي بصاحب الرأي أن يفقد حياته".

ويحذر الصحفي من انعكاسات هذا الواقع على المجتمع العراقي.

ويوضح "الإشكالية ليست بالسماح للآخر في أن يدلي برأيه، بل أن تحجيم الآخر وربما تصفيته يؤدي إلى تقويض مساحة المسؤولية الاجتماعية في أن تشارك بشكل فاعل في الشأن العام وأن تسهم في عملية الإصلاح، أي أن تكون مواطن إيجابي".

وفي ظل وجود "كل هذه المخاوف ووجود جماعات شبحية غير معلنة" تهدد حياتك فالإعلامي بات لا يتفاعل مع الشأن العام، لأن "هذه الجهات بشكل أو آخر حولتنا إلى مواطنين سلبيين غير قادرين على التعاطي مع الشأن العام"، بحسب المتحدث.

وعن دوره كصحفي يقول (أ)، "باعتبار أن التعاطي مع هذا الشأن لربما إلى فقداننا حياتنا لذلك نحجم عن الخوض في الكثير من المواضيع سواء الدينية أو السياسية أو اصطلاحات مثل العلمانية والتصالح وقبول الآخر".

بناء الدولة

ويرى المتحدث الصحفي أن بناء الدولة يحتاج إلى نخب ومفكرين ومواطنين إيجابيين على الأقل يمتلكون رؤى يمكن الاستفادة منها في بناء شكل ونظام الدولة.

ويضيف "لكن في ظل سطوة هذه الجماعات التي تمتلك كل هذا النفوذ أصحبت هذه المساحة مقوّضة، خصوصا مع اتساع ظاهرة التصفية الجسدية والخطف".

ويؤكد الصحفي أن أي رأي يخالف من هو "قابض على السلطة بشكل رسمي أو غير رسمي ممكن أن يعرضنا للخطر، ولا أعني بالقابض على السلطة هو بمعناه الرسمي، بل أقصد أن من يقبض على السلطة هو من يمتلك السلاح والمال والنفوذ وحق تصفية الآخر".

ويتابع "والحق هنا ليس الحق القانوني بل الحق بني على أساس ما تمتلكه هذه الجماعات من سلطة ونفوذ".

وأدى هذا الواقع بالتالي إلى "إحجام الكثير من صناع الرأي العام سواء الصحفيين أو ناشطين مدنيين عن الخوض في مثل هذه المواضيع وهذا سينعكس على بناء الدولة"، على حد تعبيره.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.