الحديث عن العلمانية في العراق... مباح أم ممنوع؟
قرر الإعلامي ح. ا (أول أحرف من أسمه) ترك العمل في مجال إعداد البرامج بسبب "تعرضه للتهديد" لتناوله موضوع "العلمانية في العراق".
يروي معد البرامج الذي طلب عدم ذكر اسمه الصريح، أن "أشخاص مجهولين هددوه بتهمة الإساءة للدين والمرجعية في العراق"، وهذه التهمة كافية "لقتل الإنسان"، بحسب وصفه.
ويضيف في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "لا توجد حرية للتعبير عن الرأي في العراق، وخصوصا في مجال الدين والشخصيات الدينية، بل حتى الأحزاب الدينية مقدسة لدى بعض العراقيين".
ومؤخرا، قرر سعدون ضمد مقدم برنامج "المراجعة" على قناة "العراقية" شبه الرسمية، إيقاف برنامجه بعد تغريدة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر انتقد فيها البرنامج.
وجاءت تغريدة الصدر بعد تناول إحدى حلقات البرنامج لموضوع "الدين والعلمانية"، واتهم (الصدر) البرنامج بالإساءة "للدين وبعض رموزه".
لكن ضمد وعلى صفحته في فيسبوك أوضح أن هناك سوء فهم لما حصل، وأنه "بسبب التطورات التي حدثت وسوء الفهم، وحتى لا تتحمل القناة أو أي من الزملاء أي مسؤولية ما حدث، سأتوقف عن تسجيل برنامج المراجعة".
#المراجعة اولاً: كنت قد سجلت في برنامج المراجعة مع الافاضل: د جواد الخوئي، د محمد علي بحر العلوم، د عامر الكفيشي، د عبد...
Posted by سعدون محسن ضمد on Tuesday, October 20, 2020
ويعتبر معد البرامج (ح.ا) أن ما حصل مع ضمد "أمر متوقع وسيتكرر مع أي إعلامي آخر يحاول تناول موضوع العلمانية أو الدين".
ولا يبتعد الصحفي أ. ا، والذي كان مدير مكتب لأحد المؤسسات الإعلامية في العراق، برأيه عن المتحدث السابق.
ويقول "سابقا كان هناك ثلاث مواضيع يعرض المتحدث عنها للمشاكل، هي الدين والجنس والسياسة، لأنها كانت تعتبر في السابق مواضيع جدلية وفكرية، أما الآن فقد ازدادت".
ويبدي الصحفي استغرابه خلال حديثه لموقع (ارفع صوتك)، ممّا وصفه بـ"نقطة التحول في العراق بعد 2003"، موضحا "كانت الجهات التي تدعي المظلومية قبل هذا العام تدعو إلى قبولها كآخر مختلف بالرأي بكل ما تمتلكه من آراء وسلوكيات، ولكن عندما تمكنت هذه الجهات من القبض على السلطة مارست نفس الدور القمعي وتكميم الأفواه وربما وصلت إلى حد تصفية الآخر لا لشيء سوى الاختلاف في الرأي".
ويضيف أن "الحديث عن مواضيع لا تروق للآخر المختلف بالرأي في العراق باتت تؤدي بصاحب الرأي أن يفقد حياته".
ويحذر الصحفي من انعكاسات هذا الواقع على المجتمع العراقي.
ويوضح "الإشكالية ليست بالسماح للآخر في أن يدلي برأيه، بل أن تحجيم الآخر وربما تصفيته يؤدي إلى تقويض مساحة المسؤولية الاجتماعية في أن تشارك بشكل فاعل في الشأن العام وأن تسهم في عملية الإصلاح، أي أن تكون مواطن إيجابي".
وفي ظل وجود "كل هذه المخاوف ووجود جماعات شبحية غير معلنة" تهدد حياتك فالإعلامي بات لا يتفاعل مع الشأن العام، لأن "هذه الجهات بشكل أو آخر حولتنا إلى مواطنين سلبيين غير قادرين على التعاطي مع الشأن العام"، بحسب المتحدث.
وعن دوره كصحفي يقول (أ)، "باعتبار أن التعاطي مع هذا الشأن لربما إلى فقداننا حياتنا لذلك نحجم عن الخوض في الكثير من المواضيع سواء الدينية أو السياسية أو اصطلاحات مثل العلمانية والتصالح وقبول الآخر".
بناء الدولة
ويرى المتحدث الصحفي أن بناء الدولة يحتاج إلى نخب ومفكرين ومواطنين إيجابيين على الأقل يمتلكون رؤى يمكن الاستفادة منها في بناء شكل ونظام الدولة.
ويضيف "لكن في ظل سطوة هذه الجماعات التي تمتلك كل هذا النفوذ أصحبت هذه المساحة مقوّضة، خصوصا مع اتساع ظاهرة التصفية الجسدية والخطف".
ويؤكد الصحفي أن أي رأي يخالف من هو "قابض على السلطة بشكل رسمي أو غير رسمي ممكن أن يعرضنا للخطر، ولا أعني بالقابض على السلطة هو بمعناه الرسمي، بل أقصد أن من يقبض على السلطة هو من يمتلك السلاح والمال والنفوذ وحق تصفية الآخر".
ويتابع "والحق هنا ليس الحق القانوني بل الحق بني على أساس ما تمتلكه هذه الجماعات من سلطة ونفوذ".
وأدى هذا الواقع بالتالي إلى "إحجام الكثير من صناع الرأي العام سواء الصحفيين أو ناشطين مدنيين عن الخوض في مثل هذه المواضيع وهذا سينعكس على بناء الدولة"، على حد تعبيره.