الأورومتوسطي: حادثة الفرحاتية قد ترقى لجريمة ضد الإنسانية
وصف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان حادثة اختطاف وإعدام مدنيين عراقيين على يد ميليشيا نظامية في محافظة صلاح الدين بـ"الجريمة المشينة"، محملًا السلطات العراقية مسؤولية الحادثة بصفتها المسؤولة عن حفظ الأمن والنظام في البلاد.
وقال المرصد الحقوقي الدولي ومقرّه جنيف، في بيان صحافي، الخميس، إنّ مجموعات مسلّحة يُعتقد أنّها تتبع لميليشيا "عصائب أهل الحق" أحد فصائل الحشد الشعبي" اقتحمت فجر يوم السبت 17 أكتوبر قرية "الفرحاتية" في محافظة صلاح الدين شمالي العراق، واختطفت 25 مدنيًا، ليعثر الأهالي بعد ساعات على جثث ثمانية، قرب طريق زراعي، وعليها آثار طلقات نارية في الصدر والرأس، فيما لا يزال مصير (4) منهم مجهولًا حتى الآن، في حين تم إطلاق سراح الـ (13) الباقين.
وحصل المرصد الأورومتوسطي على أسماء الضحايا وهم: مهند إبراهيم علي (20 عامًا)، وكزكزان طه كريم (23 عامًا)، ونهاد حميد كريم محسن (23 عامًا)، وعزيز إبراهيم علي (23 عامًا)، وحميد كريم قاسم محسن (54 عامًا)، وعيسى حامد كريم، وموسى حامد كريم جاسم، وجمال محمد جمال.
وقال الشيخ جاسم المجمعي، مدير ناحية الإسحاقي في محافظة صلاح الدين للمرصد الأورومتوسطي "قامت قوة أمنية تابعة لأحد فصائل الحشد الشعبي – بحسب شهادة أهل المنطقة - بدخول منطقتي الفرحاتية والرفيعات المتجاورتين عند الساعة الثالثة من فجر يوم السبت واختطاف 25 شخصاً، حيث قامت بإطلاق سراح 13 شخصاً فيم استمرت باحتجاز البقية، ليتفاجأ الأهالي عند الساعة 11 صباحاً من ذات اليوم بوجود جثث لـ 8 من الأشخاص المختطفين من بينهم أطفال في منطقة زراعية تبعد 500 متر عن المنطقة، فيم لا يزال 4 منهم مفقودين حتى هذه اللحظة".
ووفق إفادات جمعها فريق المرصد الأورومتوسطي من مصادر محلية، وتحليل فيديوهات لشهود عيان، فإنّ المسلّحين الذين نفذوا العملية كانوا يرتدون الزي العسكري ويستقلون سيارات رباعية الدفع تحمل شعار اللواء (43) بزعامة شخص يدعى "السيد أبو حيدر"، حيث نفّذوا حملة الخطف والقتل انتقامًا لمقتل أحد عناصر الميليشيا التي يتبعون لها في هجوم لتنظيم "داعش" بمنطقة "سيد غريب" في محافظة "صلاح الدين".
وجاء في بيان "الأورومتوسطي": "بحسب الإفادات، اقتحم الجُناة القرية قبل 4 أيام من تنفيذ الجريمة، واحتجزوا حينها الأهالي وصوّروهم، ليعودوا فجر السبت لشنّ حملة الاختطاف، حيث أبلغ المسلحون السكّان أنّهم "حصلوا على موافقة لإعدامهم"، وبعد ساعات تكشّفت آثار الجريمة الوحشية".
كما قال أحد أهالي منطقة الفرحاتية "عند تمام الساعة 3 من فجر يوم السبت تفاجأ الأهالي بدخول قوة أمنية تابعة لأحد فصائل الحشد الشعبي للمنطقة، حيث قاموا أثناء دخولهم عنوة إلى أحد المنازل بضرب امرأة (الأم) بكعب البندقية مما أدى إلى سقوطها على الأرض وخطف أولادها مهند إبراهيم علي القيسي (20 عاماً)، وعزيز إبراهيم علي القيسي (23 عاماً) واقتيادهم إلى جهة مجهولة، وعند الساعة الـ11 عشر صباحاً صُدمنا بوجود جثث لهم قريبة من المنطقة وكان واضحاً عليها آثار التعذيب والضرب بالسكاكين وإطلاق النار، مع العلم أن هذه القوة معتادة على اختطاف الناس بشكل متكررٍ، حيث أن الكثيرين لا يزالون مفقودين منذ زمن طويل وحتى هذه اللحظة".
وبحسب الإفادات، عبرت المجموعات المسلحة بعد تنفيذ عملية الخطف عبر منطقة "الاسحاقي"، حيث سمح لهم حاجز أمني تابع للشرطة الاتحادية بالمرور دون أي اعتراض، كما أنّ المنطقة التي وقعت فيها الحادثة محاطة بقوات الجيش والشرطة المحلية التي من المفترض أن يكون دورها حماية أهالي المنطقة من الهجمات المسلّحة.
وقال المجمعي للأورومتوسطي "على أثر هذه الحادثة أمر رئيس الوزراء العراقي بفتح تحقيق مباشر بالحادثة، إلا أنه حتى هذه اللحظة لم نلمس أي نتائج للتحقيق سوى تدعيم قوات الجيش العراقي الموجودة في المنطقة، فضلاً عن أن الأهالي نقلوا لرئيس الوزراء شكواهم من أن القوات الأمنية التابعة لأحد فصائل الحشد الشعبي تمنعهم من العودة إلى مناطقهم، كون أهل الفرحاتية والرفيعات كانوا من النازحين على إثر المعارك التي كانت مع داعش، فالعائدين لمنطقة الرفيعات قليل جداً، ولا يزال الكثيرون من أهالي الفرحاتية غير قادرين على العودة لمنازلهم، وأن عمليات الاختطاف والقتل الحاصلة تأتي في إطار ترهيبهم وتكريس نزوحهم".
من جانبه قال المدير الإقليمي للأورومتوسطي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنس جرجاوي، إنّ حادثة الخطف والتصفية لمجموعة من المدنيين العراقيين قد ترقى إلى "جريمة ضد الإنسانية"، محذرًا من خطورة التهاون في التحقيق في الجريمة ومعاقبة الجناة.
وتابع جرجاوي أن "الجريمة الوحشية تأتي نتيجة للضعف الحكومي في معالجة سيطرة الميليشيات المسلحة على الشارع بقوة السلاح، إذ أن حالة العجز الحكومي تجاه فوضى الميليشيات في البلاد لن تؤدي إلّا إلى مزيد من عمليات الخطف والإعدام والاغتيال والإخفاء" منبهًا إلى أنّ السلطات "ملزمة بحماية حياة العراقيين، وفرض الأمن والنظام في البلاد".
وأكد الأورومتوسطي أن القوانين المحلية جرمت الاعتداء على الحق في الحياة وكفلته في العديد من نصوصها، إذ نصت المادة (15) من القانون العراقي على "لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولايجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقًا للقانون، وبناءً على قرار صادر من جهة قضائية مختصة".
أما على صعيد القوانين الدولية فقد أشارت المادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على: "لكل فرد حق في الحياة والحرية وفى الأمان على شخصه"، ونصت المادة (37/ب) من اتفاقية حماية حقوق الطفل والمصادق عليها من قبل الدولة العراقية على: "ألا يحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية. ويجب أن يجرى اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقا للقانون ولا يجوز ممارسته إلا آملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة".
ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات العراقية إلى فتح تحقيق عاجل في الجريمة، وبذل أقصى الجهود للكشف عن مصير باقي المدنيين المختطفين، والقبض على كل من خطط ونفذ تلك الجريمة، وتقديمهم إلى العدالة.
كما حث الحكومة العراقية على ضرورة اتخاذ إجراءات أكثر حسمًا لوقف جرائم المليشيات المسلحة بحق المدنيين، وإنهاء حالة الفوضى في البلاد.