العراق

"التظاهرات الراجلة" مرحلة جديدة في احتجاجات البصرة

دلشاد حسين
02 نوفمبر 2020

تظاهرات واسعة مستمرة ومحاولات لاستعادة ساحة الاعتصام، وسط انتشار مكثف للقوات الأمنية واستخدامها القوة في تفريق المتظاهرين.

هذا هو المشهد في محافظة البصرة جنوب العراق منذ فض القوات الأمنية للاعتصامات في ساحة البحرية وسط المحافظة، أول أمس السبت.

وأنهت القوات الأمنية العراقية الاعتصامات في الساحة وفتحت الطريق المؤدي الى مبنى المحافظة، بالتزامن مع إنهاء الاعتصامات في ساحة التحرير وسط بغداد التي استمرت طيلة سنة كاملة.

وشهدت البصرة، أمس الأحد ، اصطدامات بين القوات الأمنية العراقية والمتظاهرين امتدت حتى منتصف الليل، عندما حاولت القوات الأمنية تفريق التظاهرات وسط المحافظة مستخدمة الهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص الحي، ثم لاحقت المتظاهرين في شوارع المدينة وشنت حملة اعتقالات عشوائية في صفوفهم لم تتوقف حتى نشر هذا التقرير.

ورغم استخدام القوات الأمنية القوة المفرطة ضد المتظاهرين، إلا أن الاحتجاجات انطلقت في البصرة مجدداً، اليوم الاثنين، بمشاركة أعداد كبيرة من المتظاهرين، الذين شددوا على تمسكهم بمطالبهم ورفعوا شعارات ضد المليشيات والأحزاب الموالية لإيران وأخرى مناوئة الحكومة العراقية.

يقول المتظاهر حسين أحمد، الذي تعرض للضرب من قبل القوات الأمنية، لموقع "ارفع صوتك": "كانت التظاهرة سلمية كعادتها، إذ حاولنا استرجاع ساحة الاعتصام التي استولت عليها القوات الأمنية، السبت، لكن القوات المنتشرة في الشارع وبكافة صنوفها واجهتنا بالقوة واستخدمت كافة أنواع القمع ضدنا من الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع والدخانيات والهراوات، لذلك أصيب العديد من المتظاهرين بجروح وباختناق فضلا عن الإصابات التي تعرضوا لها إثر ضربهم بالهراوات".

ويؤكد أحمد تعرّضه للضرب هو أيضاً، مضيفاً "ضربتني القوات الأمنية بالهراوات  ومازالت آثارها على جسدي، وأشعر بألم كبير".

ويقول إن القوات الأمنية "لم تتوقف عند استخدام القوة لتفريق المتظاهرين بل شنت أيضاً حملة اعتقالات عشوائية ما زالت مستمرة حتى مساء الاثنين، أسفرت عن اعتقال العشرات من الناشطين والمتظاهرين".

ويوضح أحمد "تزامناً مع الاعتقالات العشوائية شنت هذه القوات حملة اعتقالات أخرى اعتمدت خلالها على قوائم بأسماء ناشطين ومتظاهرين معروفين خاصة المسؤولين عن تحشيد المتظاهرين".

وتشير إحصائيات اللجنة المنظمة لتظاهرات تشرين في العراق، إلى أن عدد المتظاهرين والناشطين العراقيين الذي قتلوا برصاص المليشيات والقوات الأمنية خلال عام من انطلاقة التظاهرات منذ أكتوبر 2019 حتى أكتوبر من العام الحالي بلغ 803 قتلى، فيما بلغ عدد الجرحى من المتظاهرين ٣١ ألفاً، ووصل عدد المختطفين والمعتقلين إلى 209.

في نفس السياق، يقول الناشط المدني عمار سرحان، إن القوات الأمنية والمليشيات "مهما استخدمت القمع لإنهاء التظاهرات في البصرة، لن تستطيع ذلك".

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "رغم إنهاء الاحتجاجات في ساحة الاعتصام إلا أن المتظاهرين في البصرة يواصلون رفع أصواتهم وإثبات وجودهم عبر تنظيم احتجاجات راجلة، لذلك تشهد البصرة يومياً احتجاجات عارمة تبدأ من ساحة أم البروم والحكيمية باتجاه ساحة البحرية".

ويؤكد سرحان أن "مسلحي المليشيات الذين يرتدون ملابس مدنية، تمكنوا من اختراق صفوف المتظاهرين ويعملون حالياً على إثارة الفوضى والمشاكل لتشويه سمعة المتظاهرين السلميين وإنهاء التظاهرات".

ويلفت إلى أن القوات الأمنية "تنتشر بشكل مكثف في شوارع البصرة وقرب المباني الحكومية وتحاصر المتظاهرين أينما يتواجدون وسط استمرار الاعتقالات".

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.