حياة عواطف في خطر.. الانتحار كـ"غطاء" لجرائم قتل النساء في العراق
"لازم أغسل عاري".. العبارة التي كان يرددها حسين (24 عاماً) بغضب وهو يضرب شقيقته عواطف على رأسها بأخمص البندقية بينما أمه وشقيقاته الثلاثة الأخريات كن يصرخن في المنزل مستنجدات، ولولا تدخل الجيران لوقعت جريمة.
" الخشية على سلامة عواطف دفع أبي (خالها) للتدخل لحل الخلافات، واتفق على أخذها للسكن في منزله، إلاّ أن حسين حتى بعد ذلك لم يتركها، بل كان يتوعد دوماً بغسل عاره"، تقول ابنة خالها أسماء، لـ"ارفع صوتك".
تعود تفاصيل قصة عواطف (33 عاماً) إلى سنة 2019، عندما انفصلت عن زوجها بسبب عدم قدرتها على الإنجاب، وسارت الأمور بشكل طبيعي بعدها عدة شعور، حتى تقدم رجل لخطبتها، لتتغير حياة عواطف جذرياً.
تقول أسماء "صار حسين يشكك بأن انفصال عواطف عن زوجها السابق كان مدبراً لترتبط بهذا الرجل، فكان يراقب غيابها عن المنزل وعودتها، ويتتبع اتصالاتها أولاً بأول".
"كان يضربها بشكل متكرر متهماً إياها بخيانة زوجها السابق، ويهددها بالقول (سأدفن عارك) دوماً".
في اليوم الذي تدخل خالها، كانت عواطف خرجت للتسوق من دون إذن حسين. تقول أسماء "كان بحوزة حسين بندقية ولا من أين جاء بها، وحين عادت من السوق ضربها بشدة مهدداً بقتلها، حتى تدخل الجيران وأنقذوها، ثم اتصلت والدتها (عمتي) بوالدي وتوسلته حماية عواطف".
وتشير أسماء لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن لأبي أن يفعل شيئاً لعواطف سوى حمايتها لوقت ما".
إذن، وحتى كتابة هذا التقرير، سيبقى مصير الشابة الثلاثينية بيد أخيها، الذي قرر سلفاً أنها "مذنبة تستحق الموت"!
لإخفاء جرائم اغتصاب
تقول الخبيرة في علم النفس الاجتماعي د. صبيحة الصالحي، إن " غالبية اللواتي قتلهن باسم (غسل العار) للأسف يُكتشف أنهن كنّ بريئات بعد الفحص الطبي في الطب العدلي".
وترى أن جرائم الشرف "لا تُرتكب فقط لأن المرأة أو الفتاة أخطأت أخلاقيا، إذ أظهرت الكثير من هذه الحوادث أن بعض الرجال يلجؤون لها للتخلص من زوجاتهم أو لإخفاء جرائم اغتصاب يقومون بها".
"كما لا تعتمد على موقف الرجل فحسب، فالنساء يلعبن الدور الكبير في تحريض العديد من الرجال على ارتكاب هذه الجرائم، وفي الغالب الأمهات والجدات هن من يعارضن أي تهاون في عدم ارتكابها، خاصة في المدن الريفية والنواحي" تقول الصالحي.
عقوبة عشائرية
في نفس السياق، يرجّح المحامي عامر ضياء أسباب تزايد جرائم قتل النساء إلى تخفيف عقوبة مرتكبي هذه الجرائم، إذ تصل عقوبة مرتكبها لمدة سنة مع وقف التنفيذ، أو بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات بحسب قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
وتعد هذه الجريمة "عقوبة عشائرية واجتماعية مفروضة على المرأة والفتاة" كما يقول ضياء لـ"ارفع صوتك".
"في الوقت نفسه، تعد الجريمة مخالفة للقوانين العراقية، إلّا أنها لا تمنع ارتكابها أو توقف التحريض على ارتكابها"، يتابع المحامي.
يضيف "والقانون القضائي يتعامل مع المرأة التي تقدم شكوى ضد زوجها أو عشيرتها على أن قضيتها عائلية يجب أن تحل بين أفرادها، ومن شأن مرتكب جريمة القتل اليوم أن يحرج القانون ويعطله على خلفية الإعلان عن أنها محاولة انتحار".
وكان عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق علي البياتي أكد، أن "كثيراً من حالات الانتحار المسجلة في البلاد هي جرائم بحجة غسل العار".
وقال إن "الكثير من حالات الانتحار المسجلة للفتيات في العراق هي جرائم قتل بحجة غسل العار، والتي تتستر عليها الجهات الأمنية خوفا من العشيرة".
"كما توجد مقابر خاصة في بعض المحافظات مخصصة لدفن ضحايا هذه الجرائم" تابع البياتي.
انتحار؟؟!!
ورغم أن القائمين على القانون يدركون جيدا أن الانتحار مجرد دعامة يستند عليها مرتكبو جرائم قتل النساء في البلاد للتخلص من العقوبة القانونية المخففة، إلا أنهم لن يتمكنوا من فعل أي شيء، لأن سلطة العشيرة أقوى بكثير من سلطة القانون، حسب المحامي ضياء.
وهو ما أكده أيضا، قاضي محكمة جنايات الكرخ حيدر جليل البيراوي، الذي قال في تصريحه أن "غسل العار من القضايا المهمة في موضوعة الانتحار أو التحريض عليه".
وقال "تُظهر أغلب قضايا الانتحار المعروضة في مراكز الشرطة بوجود تحريض من ذوي المنتحر على قيامه بجريمة الانتحار من أجل التغطية أو إعفاء من يرشح لتنفيذها ولأجل درء العقوبة عنه".
وأضاف البيراوي أن "أغلب هذه القضايا تكثر في المناطق الريفية والشعبية وتتسم الحالات أيضا بتعاون جميع أفراد الأسرة في إخفاء معالم الجريمة للتخلص من النقد الاجتماعي".
"على سبيل المثال كأن تحترق الفتاة أو الشاب في الحمام أو بالمدفأة أو يلقى حتفه بعد السقوط عند نشر الغسيل، إلا أن التحقيقات لاحقاً تظهر أو من خلال تقرير الطب العدلي بأن سبب الوفاة هو القتل خنقاً أو ضرباً وغيره" يتابع البيراوي.
وشهد عام 2020 شهد تسجيل 298 حالة انتحار في عموم محافظات العراق. وكان عدد الذكور (المنتحرين) بلغ 168 والإناث 130، حيث سجلت العاصمة بغداد 68 حالة، ومحافظة البصرة 39 حالة، ومحافظة ذي قار 33 حالة انتحار.