العراق

حياة عواطف في خطر.. الانتحار كـ"غطاء" لجرائم قتل النساء في العراق

03 نوفمبر 2020

"لازم أغسل عاري".. العبارة التي كان يرددها حسين (24 عاماً) بغضب وهو يضرب شقيقته عواطف على رأسها بأخمص البندقية بينما أمه وشقيقاته الثلاثة الأخريات كن يصرخن في المنزل مستنجدات، ولولا تدخل الجيران لوقعت جريمة.

" الخشية على سلامة عواطف دفع أبي (خالها) للتدخل لحل الخلافات، واتفق على أخذها للسكن في منزله، إلاّ أن حسين حتى بعد ذلك لم يتركها، بل كان يتوعد دوماً بغسل عاره"، تقول ابنة خالها أسماء، لـ"ارفع صوتك". 

تعود تفاصيل قصة عواطف (33 عاماً) إلى سنة 2019، عندما انفصلت عن زوجها بسبب عدم قدرتها على الإنجاب، وسارت الأمور بشكل طبيعي بعدها عدة شعور، حتى تقدم رجل لخطبتها، لتتغير حياة عواطف جذرياً.

تقول أسماء "صار حسين يشكك بأن انفصال عواطف عن زوجها السابق كان مدبراً لترتبط بهذا الرجل، فكان يراقب غيابها عن المنزل وعودتها، ويتتبع اتصالاتها أولاً بأول".

"كان يضربها بشكل متكرر متهماً إياها بخيانة زوجها السابق، ويهددها بالقول (سأدفن عارك) دوماً". 

في اليوم الذي تدخل خالها، كانت عواطف خرجت للتسوق من دون إذن حسين. تقول أسماء "كان بحوزة حسين بندقية ولا من أين جاء بها، وحين عادت من السوق ضربها بشدة مهدداً بقتلها، حتى تدخل الجيران وأنقذوها، ثم اتصلت والدتها (عمتي) بوالدي وتوسلته حماية عواطف".

وتشير أسماء لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن لأبي أن يفعل شيئاً لعواطف سوى حمايتها لوقت ما".

إذن، وحتى كتابة هذا التقرير، سيبقى مصير الشابة الثلاثينية بيد أخيها، الذي قرر سلفاً أنها "مذنبة تستحق الموت"! 

 

لإخفاء جرائم اغتصاب

تقول الخبيرة في علم النفس الاجتماعي د. صبيحة الصالحي، إن " غالبية اللواتي قتلهن باسم (غسل العار) للأسف يُكتشف أنهن كنّ بريئات بعد الفحص الطبي في الطب العدلي".

وترى أن جرائم الشرف "لا تُرتكب فقط لأن المرأة أو الفتاة أخطأت أخلاقيا، إذ أظهرت الكثير من هذه الحوادث أن بعض الرجال يلجؤون لها للتخلص من زوجاتهم أو لإخفاء جرائم اغتصاب يقومون بها".  

"كما لا تعتمد على موقف الرجل فحسب، فالنساء يلعبن الدور الكبير في تحريض العديد من الرجال على ارتكاب هذه الجرائم، وفي الغالب الأمهات والجدات هن من يعارضن أي تهاون في عدم ارتكابها، خاصة في المدن الريفية والنواحي" تقول  الصالحي.

 

عقوبة عشائرية

في نفس السياق، يرجّح المحامي عامر ضياء أسباب تزايد جرائم قتل النساء إلى تخفيف عقوبة مرتكبي هذه الجرائم، إذ تصل عقوبة مرتكبها لمدة سنة مع وقف التنفيذ، أو بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات بحسب قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.

وتعد هذه الجريمة "عقوبة عشائرية واجتماعية مفروضة على المرأة والفتاة" كما يقول ضياء لـ"ارفع صوتك".

"في الوقت نفسه، تعد الجريمة مخالفة للقوانين العراقية، إلّا أنها لا تمنع ارتكابها أو توقف التحريض على ارتكابها"، يتابع المحامي.

يضيف "والقانون القضائي يتعامل مع المرأة التي تقدم شكوى ضد زوجها أو عشيرتها على أن قضيتها عائلية يجب أن تحل بين أفرادها، ومن شأن مرتكب جريمة القتل اليوم أن يحرج القانون ويعطله على خلفية الإعلان عن أنها محاولة انتحار".

وكان عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق علي البياتي أكد، أن "كثيراً من حالات الانتحار المسجلة في البلاد هي جرائم بحجة غسل العار".

وقال إن "الكثير من حالات الانتحار المسجلة للفتيات في العراق هي جرائم قتل بحجة غسل العار، والتي تتستر عليها الجهات الأمنية خوفا من العشيرة".

"كما توجد مقابر خاصة في بعض المحافظات مخصصة لدفن ضحايا هذه الجرائم" تابع البياتي.

 

انتحار؟؟!!

ورغم أن القائمين على القانون يدركون جيدا أن الانتحار مجرد دعامة يستند عليها مرتكبو جرائم قتل النساء في البلاد للتخلص من العقوبة القانونية المخففة، إلا أنهم لن يتمكنوا من فعل أي شيء، لأن سلطة العشيرة أقوى بكثير من سلطة القانون، حسب المحامي ضياء.

وهو ما أكده أيضا، قاضي محكمة جنايات الكرخ حيدر جليل البيراوي، الذي قال في تصريحه أن "غسل العار من القضايا المهمة في موضوعة الانتحار أو التحريض عليه".

وقال "تُظهر أغلب قضايا الانتحار المعروضة في مراكز الشرطة بوجود تحريض من ذوي المنتحر على قيامه بجريمة الانتحار من أجل التغطية أو إعفاء من يرشح لتنفيذها ولأجل درء العقوبة عنه". 

وأضاف البيراوي أن "أغلب هذه القضايا تكثر في المناطق الريفية والشعبية وتتسم الحالات أيضا بتعاون جميع أفراد الأسرة في إخفاء معالم الجريمة للتخلص من النقد الاجتماعي".

"على سبيل المثال كأن تحترق الفتاة أو الشاب في الحمام أو بالمدفأة أو يلقى حتفه بعد السقوط عند نشر الغسيل، إلا أن التحقيقات لاحقاً تظهر أو من خلال تقرير الطب العدلي بأن سبب الوفاة هو القتل خنقاً أو ضرباً وغيره" يتابع البيراوي.

وشهد عام 2020 شهد تسجيل 298 حالة انتحار في عموم محافظات العراق. وكان عدد الذكور (المنتحرين) بلغ 168 والإناث 130، حيث سجلت العاصمة بغداد 68 حالة، ومحافظة البصرة 39 حالة، ومحافظة ذي قار 33 حالة انتحار.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.