العراق

في كردستان.. ناحية "ديانا" ونموذج التعايش المسيحي الإسلامي

دلشاد حسين
17 نوفمبر 2020

مسيحي يتبرع بأرضه لبناء مسجد وشراكة عمل تربط المسيحيين والمسلمين في الأسواق والمشاريع وزيارات متبادلة بين أتباع الديانتين في المناسبات الدينية والاجتماعية.

هذا هو المشهد في ناحية ديانا وبلدة هاوديان التابعة لها شمال شرق محافظة أربيل في إقليم كردستان العراق، منذ آلاف السنين.

ويعتبر إيفان جاني كورييل، وهو ناشط وباحث مسيحي من ديانا، أن ما يجذب كل من يزور هاتين البلدتين هو "التكاتف والتسامح والتعايش بين المسيحيين والمسلمين" مشيرا إلى وجود الكثير من الأمثلة والقصص التي توثق هذا التكاتف بينهم.

ويقول كورييل لموقع "ارفع صوتك": "عندما أراد المسلمون من أهالي بلدة هاوديان قبل نحو ٧ سنوات بناء مسجد لهم داخل القرية، لم يجدوا قطعة أرض لبنائه، فتبرع رجل مسيحي من سكان البلدة بقطعة أرض، لبناء المسجد، وبالفعل بنوا المسجد عليها وأطلقوا عليه (مسجد التآخي) احتراما لمبادرته".

وتقع ديانا وهاوديان في عمق الجبال الوعرة على حدود إقليم كردستان مع كل من إيران وتركيا، ورغم أن الطابع العشائري يطغي على العلاقات الاجتماعية فيهما، إلا أن "المشاكل المرتبطة بالفكر والدين والقومية معدومة، حتى المشاكل الأخرى المرتبطة بالري والمياه وحدود الأراضي لم تعد موجودة بعد توصل الحكماء في البلدتين إلى حلول مرضية للأطراف فيهما"، حسب كورييل.

ويعمل إلى جانب نشاطاته الأكاديمية في "مركز ديانا للثقافة والإعلام"، وهو مركز خاص بالمسيحيين في ناحية ديانا، الذي قدم درع التعايش لأحد رجال الدين المسلمين في ديانا بمناسبة المولد النبوي هذا العام.

يوضح كورييل "زرنا بمناسبة المولد النبوي هذا العام أحد رجال الدين المسلمين في هاوديان وهو أول رجل دين مسلم عرفته المنطقة، وقدمنا له درع التعايش المشترك لما لعبه من دور إيجابي طيلة الـ ٥٠ عاما الماضية لتقوية أواصر العيش المشترك في المنطقة".

ولم يشهد تاريخ البلدتين، أية مشاكل دينية أو عرقية، فلا وجود للفوارق الدينية والقومية فيها وهي خالية من أي نوع من أنواع التمييز، فكل شيء مشترك بين المسلمين والمسيحيين فيها دون أن تظهر علامات الاختلاف الديني.

تقول آشورينة ادوارد، وهي ناشطة مسيحية من ديانا لموقع "ارفع صوتك": "لم ألاحظ حتى الآن أي تفرقة أو تمييز في ديانا بين المسيحيين والمسلمين، ولم أتعرض لأي تمييز فيها بسبب ديني، فالكل يتشارك في خدمة المنطقة وكافة النشاطات فيها دون أية فوارق".

وتؤكد على أهمية الحفاظ على روح التعايش والتسامح، مضيفةً "بقاؤنا وديمومتنا مرتبطة بالروح الإنسانية الموجودة بيننا".

وبات الحفاظ على العلاقات الاجتماعية والعيش المشترك بين أتباع الديانتين واجبا يسعى من أجله الجميع في هاتين البلدتين.

 حسيب آغا، أحد وجهاء بلدة هاوديان، ما زال يتذكر العلاقات الوطيدة بين جده وبين المسيحيين في البلدة، ويحرص هو وعائلته وأقربائه على هذه العلاقات.

يقول آغا لموقع "ارفع صوتك": "تربطنا علاقات وثيقة بحيث لا يظهر أننا مختلفون من ناحية الدين لمن يزور منطقتنا في الوهلة الأولى، نعيش معاً ونعمل معاً كعائلة واحدة، أنا شخصيا لدي مشاريع اقتصادية كبيرة بالشراكة مع المسيحيين منذ سنين ولم نختلف أبدا وسنبقى شركاء مستقبلا".

في نفس السياق، يقول ويسي سعيد ويسي، النائب في برلمان إقليم كردستان، وهو من أهالي ديانا، لموقع "ارفع صوتك": "يعود هذا التعايش والتسامح الوثيق بين أهالي ديانا وهاوديان إلى فهم اتباع هاتين الديانتين الإسلام والمسيحية في المنطقة لديانتهما".

وقبل دخوله البرلمان، عمل ويسي كمدير للأوقاف في قضاء سوران، ويؤكد أنه سعى خلال سنوات تواجده في الأوقاف على ترسيخ روح التعايش هذه وتمددها داخل كافة المكونات في المنطقة.

يضيف "خلال السنوات الماضية قمنا بتنظيم نشاطات ثقافية ورياضية مشتركة بين المسيحيين والمسلمين وتبادل الزيارات للكنائس وللبيوت في المناسبات، لتعزيز هذا التعايش".

ويشير ويسي إلى "أهمية إخال هذه الأمثلة التاريخية للتعايش في مناهج التعليم كي تدرس في المدارس، من أجل أن يواصل الجيل القادم السير على هذا الطريق والتمسك بهذا التسامح". 

ولعل واحدة من أمثلة التعايش الكثيرة التي أشار اليها ويسي المتواصلة منذ مئات السنين هي تنظيم المسيحيين لمأدبة إفطار في كل رمضان للمسلمين داخل الكنيسة.

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.