العراق

فتح منفذ عرعر وتهديدات المليشيات

18 نوفمبر 2020

أعادت السلطات العراقية والسعودية الأربعاء فتح منفذ عرعر الحدودي المغلق منذ ثلاثين عاما، أمام التبادل التجاري بين البلدين، في مؤشر على تقارب جديد بين الرياض وبغداد.

وقطعت السعودية علاقاتها مع نظام صدام حسين إثر غزوه الكويت عام 1990، واستأنفتها فعليا في 2017، بعد قرابة 15 عاما من سقوط صدام.

وتسعى الرياض على الأرجح للعودة إلى السوق العراقية الذي تجتاحه السلع الإيرانية والتركية.
وبين الرياض وكل من إيران التي تتمتع بنفوذ كبير في العراق، وأنقرة، خصومة وتوتر.

وجرت المراسم بحضور وزير الداخلية عثمان الغانمي ونائب قائد العمليات المشتركة الفريق الركن عبد الأمير الشمري ورئيس هيئة المنافذ الحدودية اللواء عمر عدنان الوائلي ومحافظي الأنبار وكربلاء وقائدي شرطة الأنبار والحدود.

وقد انتقل عدد من المسؤولين العراقيين الى الحدود للمشاركة رسميا في إعادة فتح المعبر.
ومثل الجانب السعودي وفد رسمي قدم من الرياض.

وقطع ممثلو الجانبين شريطا أحمر بينما اصطفت شاحنات وراءهم في انتظار العبور.
ويعاني قطاعا الصناعة والزراعة في العراق من الركود، وسط أزمة اقتصادية ومعيشية متصاعدة.

وسيكون المعبر مفتوحا أيضا أمام الأفراد.

وتأتي خطوة فتح المعبر في ظل وجود رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في السلطة، وهو يقيم صداقة شخصية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وكانت أول زيارة خارجية مقررة للكاظمي بعد توليه منصبه في أيار/مايو، إلى الرياض لكنها ألغيت في اللحظة الأخيرة بسبب مشاكل صحية تعرض لها ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز حينها.

ويلتقي البلدان العضوان في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) واللذان تضررا بسبب انخفاض أسعار النفط، بانتظام منذ آب/اغسطس 2017، في إطار لجنة تنسيق مشتركة.

وزار وفد سعودي رفيع المستوى الأسبوع الماضي بغداد حيث اجتمع مع مسؤولين عراقيين وسبق ذلك زيارة لوفد عراقي مماثل للسعودية.

تهديدات فصائل موالية لإيران

ويقع منفذ عرعر الحدودي في محافظة الأنبار التي تمتد في غرب وجنوب غرب العراق، وتشترك بحدود مع الأردن وسوريا والسعودية.

وتهدف الخطوة الى السماح بمرور البضائع والمسافرين، ما يعني بوابة أخرى للواردات التي تدخل العراق الذي يستورد حاليا القسم الأكبر من حاجاته من إيران، ثاني أكبر بلد من حيث التبادل التجاري مع العراق.

لذلك، تثير إعادة فتح المعبر وبشكل واضح، حفيظة الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران التي تتهم السعودية بمحاولة "استعمار" العراق تحت ستار الاستثمارات.

ورفض بيان صادر عن فصيل شكّل حديثا بشدة التقارب بين العراق والسعودية، أكبر قوة سنية في المنطقة.

وهدد البيان الصادر عن "أصحاب الكهف" بأن "استخبارات المقاومة الإسلامية (أحد الفصائل الموالية لإيران) تتابع بدقة كل حركة للعدو السعودي على الحدود العراقية وكذلك الاتصالات الهاتفية بين محمد بن سلمان ومصطفى الكاظمي".

لكن الكاظمي دافع عن الخطوة، وقال خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء "هناك من يروّج لكذبة الاستعمار السعودي! وهذا عيب، وعيب على من يقول إن هناك استعمارا في بلده. فالعراقي لا يقبل الضيم ولا يقبل بأن يتحكّم به أجنبي".

وأضاف "هل تحوّل الاستثمار إلى استعمار؟ وهل إيجاد مئات الآلاف من فرص عمل لأبنائنا عن طريق الاستثمار يعد استعمارا؟".

وبسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة، تأخرت الحكومة العراقية في دفع موظفيها لعدة أسابيع.

ربط كهربائي

وكان منفذ عرعر خلال السنوات الماضية يفتح فقط أمام مرور الحجاج العراقيين المتوجهين إلى مكة لأداء مناسك الحج.

ويسعى البلدان أيضا إلى إعادة فتح معبر الجميمة، وهو منفذ بري ثان في جنوب العراق.

ويشترك العراق بحدود مع سوريا والأردن من الغرب وتركيا من الشمال وإيران من الشرق والسعودية والكويت من الجنوب.

والتقى رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي المسؤولين السعوديين خلال زيارة للمملكة العربية السعودية في حزيران/ يونيو 2017، بعد أربعة أشهر من زيارة قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى بغداد آنذاك، وكانت الأولى على هذا المستوى منذ عام 2003.

وأعقب ذلك تنظيم رحلة طيران تجارية كانت الأولى بين بغداد والرياض وساهمت بتسريع التقارب بين البلدين.

ووقع العراق قبل سنة اتفاقية مع دول مجلس التعاون الخليجي لاستيراد حوالي 500 ميغاواط من الكهرباء بحلول عام 2020، لمعالجة النقص الحاد في التيار الكهربائي الذي يفتقر إليه العراقيون.

وتصل ساعات انقطاع التيار أحيانا الى 20 ساعة في اليوم الواحد.

لكن حتى الساعة، لم يطبق الاتفاق على الأرجح بسبب تداعيات وباء كورونا، لكن أيضا بسبب سوء إدارة الدولة في العراق.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.