مفردات التموين في العراق.. وعود حكومية "لم تنفذ"
تشعر خولة سلمان (51 عاما) دائماً بالضجر واليأس من انتظار مفردات البطاقة التموينية كلما تأخر توزيعها.
وأمام دكان صغير في منطقة الشعلة، غرب العاصمة العراقية بغداد، وقفت خولة تتحدث مع صاحبته عن المسموح لها باستلامه، حيث لا تمتلك المال الكافي للحصول على جميع مفردات الحصة التموينية.
وحينما أرادت أن تأخذ الرز مع الطحين، عارضتها صاحبة الدكان (وكيلة التوزيع) بسبب عدم قدرتها على دفع مبلغ الاستقطاع (1000) دينار عن كل فرد، رغم أن وزارة التجارة حددت الدفع بمبلغ (500 دينار) عن كل فرد.
لم تكن هذه المرة الأولى التي لا تتمكن فيها خلود من توفير مبالغ استلام مفردات البطاقة التموينية، أو الحصول عليها كاملة (الرز والطحين والسكر والزيت) لعدم توزيعها دفعة واحدة.
تقول خولة لـ "ارفع صوتك": "نادرا ما نستلم مفردات الحصة في موعدها كاملة، فضلاً عن رداءة جودتها".
أما أسرة خلود التي فقدت زوجها إفي الصراع الطائفي سنة 2007، فتتكون من (13) فرداً، بما فيهم أحفادها الأربعة، ويعيشون في فقر لتدني الأجور التي يحصلون عليها يومياً جراء عملهم في تجميع علب المياه الفارغة وبيعها.
تقول لـ"ارفع صوتك": "لا يوجد أمامنا غير مفردات الحصة التموينية لتقليل تكاليف المواد الغذائية التي ترتفع أثمانها يوماً بعد آخر".
أسرة خلود وغيرها الكثير من الذين يعتمدون على مفردات الحصة التموينية للحصول على الغذاء، لا يستطيعون الاستغناء عن وجودها، خاصة بعد أن عجزوا في العثور على فرص عمل توفر لهم حياة كريمة.
نظام البطاقة التموينية
حذر تقرير صادر عن المرصد الاقتصادي للعراق، التابع لمجموعة البنك الدولي من أن نحو 5.5 ملايين عراقي قد يواجه الفقر، بينما تتناقص مفردات البطاقة التموينية المتوفرة ويتأخر تجهيزها الذي تزامن مع تفشّي فيروس كورونا في البلاد.
وكان نظام البطاقة التموينية في العراق اعتمد بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 661 الصادر بتاريخ 6 أغسطس 1990.
ويعتمد 90% من العائلات العراقية على هذه البطاقة بشكل تام، بينما نسبة الـ10% الباقية (وهم أصحاب الأجور المرتفعة) تعتمد بشكل جزئي.
وتحمل البطاقة التموينية اسم معيل الأسرة واسم المحلة والزقاق وعدد أفراد العائلة واسم وكيل التوزيع عموماً، ووكيل توزيع الطحين بشكل خاص.
ويوجد في العراق أكثر من 45 ألف وكيل يقومون بتوزيع مواد، أبرزها الرز والشاي والسكر، يضاف إليها الطحين الذي له شبكة توزيعية مستقلة.
وتغطي هذه المواد أكثر من 75% من المواد الغذائية التي تستهلكها الأسرة العراقية.
وكان النظام السابق قد دعم هذه البطاقة التي لا تتجاوز موادها الأساسيات (الرز، السكر، الدقيق، السمن، الشاي وبعض الحبوب) إضافة إلى أردأ أنواع المنظفات، خلال سنوات الحصار الـ 13 بواسطة واردات النفط مقابل الغذاء وبإشراف الأمم المتحدة.
انعدام الأمن الغذائي
وعلى مدار الأعوام الماضية، انخفض دعم الحكومة لمفردات البطاقة التموينية تدريجياً، كما حجبت هذه البطاقة عن أصحاب الدخول العالية من الموظفين الحكوميين ممن يتجاوز دخلهم الشهري مليوناً ونصف المليون دينار عراقي، وكذلك المسافرين، بحجة عدم حاجتهم لمفرداتها، وللحد من حالات التلاعب والفساد وشمول المستحقين من الفقراء فعلا.
"لكن مفردات البطاقة التموينية لم توزع بشكل كامل وفي مواعيدها المحددة على المستحقين من الفقراء". يقول الخبير الاقتصادي مؤيد إبراهيم لـ "ارفع صوتك".
ورغم تصريحات وزارة التجارة المستمرة بأنها ستجهز خلال الأيام القليلة المقبلة مفردات الحصة التموينية، ما زالت مهمة توزيع مفرداتها تعانيمن تلكؤ وتوقف ورداءة النوع.
ويحذر إبراهيم من أن الفئات المهمشة والفقيرة التي تعتمد بشكل كبير على مواد هذه البطاقة "تعاني من البطالة ثم من انعدام الأمن الغذائي والجوع ومؤخراً فيروس كورونا".
ويضيف أن "هذه المعاناة ليست جديدة، لكن المشكلة أنها في تفاقم كارثي" ويستدل على ذلك من الإحصائية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في أن "العراق يشهد ارتفاعاً في معدلات الفقر خلال الأشهر المتبقية من العام الجاري، لتصل نسبة الفقر إلى 31%، من إجمالي السكان".
إصلاح ملف البطاقة
في نفس السياق، تستعد الحكومة العراقية لاقتراض ثالث ستتضمنه موازنة 2021 المزمع بأنها ستشهد خفض النفقات غير الضرورية للرئاسات والوزارات السيادية وأصحاب الدرجات الخاصة والعمل على زيادة الإيرادات والادخار الإجباري.
من جهته، يقول الناشط الحقوقي مرتضى سعدون لـ "ارفع صوتك" إن "هذا الاقتراض هو أقصى ما تستطيع الحكومة تحقيقه".
ويضيف أن "الاقتراض الثالث لن يمثل بالضرورة فرصة جيدة لتغيير حال مفردات البطاقة التموينية، خاصة أن إرث الفساد مستمر ولن ينقطع".
ويتابع سعدون القول "في الوقت الذي سعت حكومات دول العالم لتأمين المؤن الغذائية لشعوبها خلال أزمة كورونا، توقف توزيع مفردات الحصة التموينية في العراق لأشهر عديدة".
ويتساءل ساخراً "إذا كان حال حكومتنا هكذا طيلة الأعوام السابقة وقبل أن تعلن إفلاس الخزينة المالية، فكيف يمكن أن نتوقع منها إصلاح ملف البطاقة التموينية من الفساد ودعمه بزمن الإفلاس ومن خلال الاقتراض؟".
وكان وزير التجارة محمد هاشم العاني، أكد نهاية مارس الماضي، بحصول "انسيابية عالية في تأمين الحصة التموينية" مضيفاً عبر بيان له "أدعو المواطنين في مناطق البلاد كافة لاستلام حصصهم من المواد الغذائية وسيقوم الوكلاء كل حسب الرقعة الجغرافية بإيصال الحصص إلى المواطنين"، إلا أن هذا لم يحدث.