العراق

مفردات التموين في العراق.. وعود حكومية "لم تنفذ"

19 نوفمبر 2020

تشعر خولة سلمان (51 عاما) دائماً بالضجر واليأس من انتظار مفردات البطاقة التموينية كلما تأخر توزيعها. 

وأمام دكان صغير في منطقة الشعلة، غرب العاصمة العراقية بغداد، وقفت خولة تتحدث مع صاحبته عن المسموح لها باستلامه، حيث لا تمتلك المال الكافي للحصول على جميع مفردات الحصة التموينية. 

وحينما أرادت أن تأخذ الرز مع الطحين، عارضتها صاحبة الدكان (وكيلة التوزيع) بسبب عدم قدرتها على دفع مبلغ الاستقطاع (1000) دينار عن كل فرد، رغم أن وزارة التجارة حددت الدفع بمبلغ (500 دينار) عن كل فرد.

لم تكن هذه المرة الأولى التي لا تتمكن فيها خلود من توفير مبالغ استلام مفردات البطاقة التموينية، أو الحصول عليها كاملة (الرز والطحين والسكر والزيت) لعدم توزيعها دفعة واحدة.

تقول خولة لـ "ارفع صوتك": "نادرا ما نستلم مفردات الحصة في موعدها كاملة، فضلاً عن رداءة جودتها". 

أما أسرة خلود التي فقدت زوجها إفي الصراع الطائفي سنة 2007، فتتكون من (13) فرداً، بما فيهم أحفادها الأربعة، ويعيشون في فقر لتدني الأجور التي يحصلون عليها يومياً جراء عملهم في تجميع علب المياه الفارغة وبيعها. 

تقول لـ"ارفع صوتك": "لا يوجد أمامنا غير مفردات الحصة التموينية لتقليل تكاليف المواد الغذائية التي ترتفع أثمانها يوماً بعد آخر". 

أسرة خلود وغيرها الكثير من الذين يعتمدون على مفردات الحصة التموينية للحصول على الغذاء، لا يستطيعون الاستغناء عن وجودها، خاصة بعد أن عجزوا في العثور على فرص عمل توفر لهم حياة كريمة.

 

نظام البطاقة التموينية

حذر تقرير صادر عن المرصد الاقتصادي للعراق، التابع لمجموعة البنك الدولي من أن نحو 5.5 ملايين عراقي قد يواجه الفقر، بينما تتناقص مفردات البطاقة التموينية المتوفرة ويتأخر تجهيزها الذي تزامن مع تفشّي فيروس كورونا في البلاد.

وكان نظام البطاقة التموينية في العراق اعتمد بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 661 الصادر بتاريخ 6 أغسطس 1990. 

ويعتمد 90% من العائلات العراقية على هذه البطاقة بشكل تام، بينما نسبة الـ10% الباقية (وهم أصحاب الأجور المرتفعة) تعتمد بشكل جزئي.

وتحمل البطاقة التموينية اسم معيل الأسرة واسم المحلة والزقاق وعدد أفراد العائلة واسم وكيل التوزيع عموماً، ووكيل توزيع الطحين بشكل خاص.

ويوجد في العراق أكثر من 45 ألف وكيل يقومون بتوزيع مواد، أبرزها الرز والشاي والسكر، يضاف إليها الطحين الذي له شبكة توزيعية مستقلة.

وتغطي هذه المواد أكثر من 75% من المواد الغذائية التي تستهلكها الأسرة العراقية.

وكان النظام السابق قد دعم هذه البطاقة التي لا تتجاوز موادها الأساسيات (الرز، السكر، الدقيق، السمن، الشاي وبعض الحبوب) إضافة إلى أردأ أنواع المنظفات، خلال سنوات الحصار الـ 13 بواسطة واردات النفط مقابل الغذاء وبإشراف الأمم المتحدة.

 

انعدام الأمن الغذائي

وعلى مدار الأعوام الماضية، انخفض دعم الحكومة لمفردات البطاقة التموينية تدريجياً، كما حجبت هذه البطاقة عن أصحاب الدخول العالية من الموظفين الحكوميين ممن يتجاوز دخلهم الشهري مليوناً ونصف المليون دينار عراقي، وكذلك المسافرين، بحجة عدم حاجتهم لمفرداتها، وللحد من حالات التلاعب والفساد وشمول المستحقين من الفقراء فعلا.

"لكن مفردات البطاقة التموينية لم توزع بشكل كامل وفي مواعيدها المحددة على المستحقين من الفقراء". يقول الخبير الاقتصادي مؤيد إبراهيم لـ "ارفع صوتك".

ورغم تصريحات وزارة التجارة المستمرة بأنها ستجهز خلال الأيام القليلة المقبلة مفردات الحصة التموينية، ما زالت مهمة توزيع مفرداتها تعانيمن تلكؤ وتوقف ورداءة النوع.

ويحذر إبراهيم من أن الفئات المهمشة والفقيرة التي تعتمد بشكل كبير على مواد هذه البطاقة "تعاني من البطالة ثم من انعدام الأمن الغذائي والجوع ومؤخراً فيروس كورونا".

ويضيف أن "هذه المعاناة ليست جديدة، لكن المشكلة أنها في تفاقم كارثي" ويستدل على ذلك من الإحصائية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في أن "العراق يشهد ارتفاعاً في معدلات الفقر خلال الأشهر المتبقية من العام الجاري، لتصل نسبة الفقر إلى 31%، من إجمالي السكان".

 

إصلاح ملف البطاقة

في نفس السياق، تستعد الحكومة العراقية لاقتراض ثالث ستتضمنه موازنة 2021 المزمع بأنها ستشهد خفض النفقات غير الضرورية للرئاسات والوزارات السيادية وأصحاب الدرجات الخاصة والعمل على زيادة الإيرادات والادخار الإجباري.

من جهته، يقول الناشط الحقوقي مرتضى سعدون لـ "ارفع صوتك" إن "هذا الاقتراض هو أقصى ما تستطيع الحكومة تحقيقه".

ويضيف أن "الاقتراض الثالث لن يمثل بالضرورة فرصة جيدة لتغيير حال مفردات البطاقة التموينية، خاصة أن إرث الفساد مستمر ولن ينقطع". 

ويتابع سعدون القول "في الوقت الذي سعت حكومات دول العالم لتأمين المؤن الغذائية لشعوبها خلال أزمة كورونا، توقف توزيع مفردات الحصة التموينية في العراق لأشهر عديدة". 

ويتساءل ساخراً "إذا كان حال حكومتنا هكذا طيلة الأعوام السابقة وقبل أن تعلن إفلاس الخزينة المالية، فكيف يمكن أن نتوقع منها إصلاح ملف البطاقة التموينية من الفساد ودعمه بزمن الإفلاس ومن خلال الاقتراض؟".

وكان وزير التجارة محمد هاشم العاني، أكد نهاية مارس الماضي،  بحصول "انسيابية عالية في تأمين الحصة التموينية" مضيفاً عبر بيان له "أدعو المواطنين في مناطق البلاد كافة لاستلام حصصهم من المواد الغذائية وسيقوم الوكلاء كل حسب الرقعة الجغرافية بإيصال الحصص إلى المواطنين"، إلا أن هذا لم يحدث.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.