العراق

ناجية من حلبجة: بدل الماكياج.. أحمل جهاز الأوكسجين

دلشاد حسين
30 نوفمبر 2020

"بدلا من أن أحمل في حقيبتي المكياج كغيري من الفتيات، أحمل أنا أدوات التنفس الاصطناعي لأنني لا أستطيع التنفس من دونها"، تقول بيمان عزيز إحدى ضحايا السلاح الكيميائي في محافظة حلبجة بإقليم كردستان في شمال العراق.

ويحيي العالم سنويا في ٣٠ نوفمبر/ تشرين الثاني اليوم العالمي لإحياء جميع ضحايا الحرب الكيميائية الذي حددته الدورة العشرين لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.

وتعرضت مدينة حلبجة في كردستان العراق للقصف بالأسلحة الكيميائية شنه رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين في ١٦مارس/ آذار من عام ١٩٨٨ وأسفر عن مقتل أكثر من ٥ آلاف مدني كردي غالبيتهم من النساء والأطفال وإصابة أكثر من ١٠ آلاف آخرين، فضلا عن تشريد عشرات الآلاف يضاف لهم المفقودين والخسائر المادية.

ومازالت المدينة وسكانها يعانون من أثر هذا القصف حتى اليوم.

توضح بيمان (٣٢ عاما) في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "لا أستطيع التنفس من دون جهاز الأوكسجين والمنفاخ اليدوي، وهذه مشكلة رئيسية نعاني منها نحن المصابين بالسلاح الكيميائي في حلبجة ومدن كردستان الأخرى".

عندما تعرضت مدينتها حلبجة للقصف الكيميائي لم تكن بيمان في وقتها قد تجاوزت بعد الأربعين يوميا من عمرها، لكنها نجت بأعجوبة من الموت ولم تكن الوحيدة التي أصيبت فكلٌ من والدتها واختها مصابتان أيضا بضيق التنفس ومشاكل بالغة في البصر.

وتضيف "لم تلبِ الحكومة العراقية أي طلب من مطالبنا حتى الآن، نحن ضحايا السلاح الكيميائي نعتبر أكبر فئة مهمشة من الشعب، لم نحصل على حقوقنا ولم نتلقَ أي رعاية، نموت كل يوم جراء الألم والمعاناة التي خلفتها الإصابة بهذه الاسلحة على أجسامنا".

"سيعوضوننا بعد أن نموت!"

جاسم محمود، ناجٍ آخر من القصف الكيميائي في حلبجة، يعاني من ضيق حاد في التنفس.
ورغم المشاكل صحية العديدة التي يعاني منها إثر الإصابة إلا أنه مضطر للعمل من أجل توفير القوت اليومي لعائلته وشراء الأدوية التي يحتاجها.

يقول جاسم، "لو كنت في بلد آخر لمنعت من العمل ووفرت لي الدولة كافة احتياجاتي لكن الحكومة العراقية لا تسأل عنّا ولا تولينا أي اهتمام ولم تعوضنا عما لحق بنا من أضرار"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "فقط أرسلت عام ٢٠٠٨ لجنة طبية التقتنا وأخذت نسخة من تقاريرنا الطبية ووعدتنا بالاستجابة لمطالبنا لكنها ذهبت ولم تعد".

ويتساءل جاسم "متى سيعوضوننا؟ بعد أن نموت؟!".

وبحسب إحصائيات رسمية صادرة عن جمعية ضحايا القصف الكيميائي في حلبجة يبلغ أعداد المصابين المسجلين الذين يعانون من آثار القصف الكيميائي حتى الآن في كردستان ٩٧٢ مصابا، منهم ٤٨٥ مصابا في حلبجة لوحدها، فيما توفي نحو ١١٣ مصابا آخر جراء آثار الإصابة منذ عام ٢٠٠٣ وحتى الآن.

ويؤكد لقمان عبد القادر، رئيس جمعية ضحايا القصف الكيميائي في حلبجة لموقع (ارفع صوتك) أن "المصابين بالأسلحة الكيميائية في حلبجة مازالوا يعانون من اثار الإصابة المتمثلة بضيق التنفس وأمراض الرئة وفقدان البصر والمشكلات الجلدية، إلى جانب مشاكل نفسية مختلفة".

ويطالب عبد القادر الحكومة العراقية الإلتزام بقرارات المحكمة الجنائية العليا وتعويض ضحايا الأسلحة الكيميائية في حلبجة خاصة وفي كردستان بشكل عام، وتوفير الخدمات الكاملة لهم من حيث توفير الكوادر الصحية الخاصة بعلاجهم والدواء وكل ما يحتاجونه من رعاية.

يضيف "قدمنا الكثير من المطالبات للحكومة العراقية وتوجهنا بمعاناتنا نحو المسؤولين في بغداد لكن دون جدوى لم نتلقَ أي استجابة منهم، الحكومة لم تخطو حتى الآن أي خطوة فعلية لمساعدة الضحايا في كردستان".

ودعا عبد القادر بمناسبة اليوم العالمي لإحياء جميع ضحايا الحرب الكيميائية المجتمع الدولي وخاصة الدول التي تمتلك تجربة في التعامل مع ضحايا هذه الأسلحة إلى "مساعدة ضحايا حلبجة من ناحية توفير العلاج والتأهيل النفسي لهم للتخلص من آثار هذه الأسلحة".

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.