بين الصدر ونصرالله... ما النقاط المشتركة؟
استغل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر نسبه لعائلة تعتبر من أكبر المراجع الدينية بالعراق في تشكيل تكتل سياسي انبثق من مليشيا سابقة.
المرجع الديني الشيعي العراقي السابق آية الله محمد صادق الصدر
ويعتبر مقتدى أول من أسس مليشيا مسلحة خارج سيطرة الدولة بعد عام 2003.
رفع حينها شعار "مقاومة المحتل" لإضفاء بعض الشرعية على المليشيا التي يتزعمها، وسماها "جيش المهدي"، نسبة إلى "الإمام المهدي" آخر الأئمة الاثني عشر لدى الشيعة.
كانت مليشيا جيش المهدي التي أعلن الصدر في عام 2007 تجميد نشاطها وحولها بعد اتفاق مع رئيس الحكومة حينها نوري المالكي إلى تيار سياسي، كانت لاعبا أساسيا في الحرب الأهلية التي شهدها العراق في العقد الماضي.
ومنها انبثقت معظم المليشيات المنتشرة في العراق اليوم، بعد انشقاق قيادات جيش المهدي عن الصدر لخلافات سياسية ومادية ومناصب حكومية.
مقتدى الصدر وإلى جانبه زعيم مليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي قبل انشقاقه عن الصدر
وفي حديث مع شخص اجتمع مع مقتدى الصدر في عدة لقاءات بحكم عمله في مجال الإعلام، وطلب عدم الكشف عن اسمه واكتفى بالحرفين (ن، ا)، يصف شخصية الصدر بأنه "لا يعرف ما يريد، ولا يتقن لغة السياسة أو أسلوب الحوار، ويلجأ إلى الهجوم والغضب عند أبسط المواقف".
ويقول في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "بسبب أسلوبه انشق عنه معظم المقربين منه، من قيادات الصف الأول في التيار، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني"، مضيفا أن الصدر "مستعد للمواجهة والتنازل في نفس الوقت، معياره في القرار حجم المكاسب المقدمة له".
ويضرب المتحدث مثالا على زيارته للسعودية والإمارات ولقائه بكبار المسؤولين في البلدين وحديثه عن علاقات جيدة تجمع الطرفين وتهديدهم في نفس الوقت، خصوصا بعد إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي النمر، وغيرها الكثير من المواقف سواء على الصعيد الداخلي العراقي أو الدولي"، على حد قول المتحدث ن.
عقدة نصر الله
وباعتباره مؤسسا للمليشيا الأم (جيش المهدي) وللنسب المنتمي له، يعتبر مقتدى الصدر نفسه "الرجل الأقوى والأفضل بالعراق"، ويفاوض في كل المراحل على ذلك.
ويرى أستاذ العلوم السياسية أ. أ (طلب عدم كشف اسمه) أن تصرفات الصدر "توحي كثيرا بتأثره بشخصية زعيم حزب الله اللبناني "حسن نصر"، ويقول في حديث لموقعنا، "تغريداته وقبل ذلك تحركاته على الصعيد الدولي ومحاولته أن يكون لاعبا أساسيا في علاقات العراق مع دول الجوار والخليج، يحاول من خلالها تصدر المشهد السياسي وبناء قوة سياسية بحجم حزب الله في لبنان".
لكن الصدر ورغم هذه التحركات لم يتمكن من بلوغ هذه المرحلة بعد، والسبب وفق أستاذ العلوم السياسية أنه "غير مستقر في قراره ولا سياسته ولا يملك خطا سياسيا ثابتا يسير عليه، وهذا أدى إلى أزمة ثقة بين الصدر وكل الأطراف السياسية الأخرى سواء الكردية أو السنية أو الشيعية، بل وحتى القوى الضعيفة التي انضوت تحت تياره في الانتخابات الأخيرة من شخصيات مدنية والحزب الشيوعي".
وما يزيد من "حجم عقدة نصر الله لدى الصدر" بحسب ما يشير الإعلامي ن، هو كثرة تواصل قيادات باقي المليشيات المسلحة معه (نصر الله) والتعاون الأمني والمالي بينهم على عكس العلاقة التي تجمع التيار الصدري بحزب الله اللبناني".
ويضيف "في تغريدة حديثة للصدر دعا فيها إلى ترميم البيت الشيعي، ليكون هو المشرف على هذه الترميم، علّه يتقدم خطوة نحو زعامة الفصائل المسلحة الشيعية".
— مقتدى السيد محمد الصدر (@Mu_AlSadr) December 2, 2020
واستبعد المتحدث حصول ذلك "بسبب نفرة قيادات الفصائل من الصدر، وعلمهم أن هدفه من الدعوة هو التخطيط لمنصب رئاسة الوزراء في المرحلة الانتخابية المقبلة".
الصدر ونصر وجهان لعمله واحدة
ويرى مراقبون للشأنيين اللبناني والعراقي، أن حسن نصر الله في لبنان، ومقتدى الصدر في العراق، وجهان لعملة واحدة هدفها تدمير وقمع احتجاجات سلمية في بلديهما، طالبت بأمور أساسية أهمها حكومة مستقلة والتخلص من الطبقة السياسية الفاسدة.
ففي لبنان، أحس حسن نصر الله، بالخطر منذ أول أسبوع للمتظاهرين في الشارع، وخرج يهاجمهم بلغة استهتارية متعالية تخوينية، يخبر فيها المتظاهرين بأنهم "يضيعون وقتهم ووقت البلاد، وأن العهد (عهد رئيس الجمهورية ميشال عون) لن يسقط".
لكن سرعان ما ردّ المتظاهرون على خطابه بتصعيد احتجاجات الشارع، وصلت حتى مدن جنوبية، ذات غالبية من بيئة حزب الله، الأمر الذي لم يبق في يده أي أوراق رابحة.
هذا الأمر دفع قيادة حزب الله بدس بعض العناصر وأنصار الحزب لقمع وتعنيف المتظاهرين السلميين في الشارع، بحجج مختلفة، تارة بسبب قطع الطرقات وتارة أخرى بحجة أن المحتجين شتموا رموزاً دينية، ولكن الأهداف كانت واضحة وهي تخوين الاحتجاجات وإبعادها عن بيئة حزب الله والتخلص منها بشكل كلي.
وفي العراق، نفس الدور لعبه رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، لكن بتكتيك أطول، طلب من أنصاره في بداية الحراك (أول أكتوبر)، العدول عن التظاهر، لينقلب بعد شهر واحد مطالبا أنصاره النزول إلى الشارع للتظاهر و"حماية المتظاهرين"، لينتهي به المطاف راميا للرصاص على المتظاهرين، عبر ميليشياته المسلحة المعروفة باسم "سرايا السلام".
ويقول المحلل السياسي، علي الأمين، لموقع "الحرة"، إن قواعد اللعبة السياسية القائمة في كل من لبنان والعراق، تقوم على خدمة النفوذ الإيراني على وجه الخصوص، وهو ما يسفر خروج كل من نصر الله والصدر ضد المظاهرات السلمية.
وأشار المحلل إلى ان الخيار الأول والوحيد لدى كل من "حزب الله" في لبنان والتيار الصدري في العراق، هو السيطرة وإحكام القبضة على الحياة السياسية والعسكرية في النظام، وبالتالي سيبذلان ما لهم من قوة لمواجهة المتظاهرين الراغبين في نظام، لا طائفية فيه.
قاعدة شعبية وليست سياسية
وتتميز القاعدة التي يتعكز عليها الصدر بأن معظمها "من المدن الفقيرة وأهاليها من البسطاء"، بحسب أستاذ العلوم السياسية.
ويوضح "الموالين للصدر من الشعب هم من الطبقة المفتقرة للثقافة السياسية، والمتمسكة بالصبغة الدينية التي يستغلها الصدر من خلال نسبه في تحريكها"، مضيفا "هذا الأمر قد يعتبر نقطة قوة للصدر في الانتخابات المقبلة في حال أصبح عزوف شعبي عن المشاركة في الانتخابات، لأن القاعدة الصدرية ستشارك، وهذا ما يأمله الصدر حاليا".
ويبدي أستاذ العلوم السياسية استغرابه في الوقت نفسه من "الطاعة العمياء لأتباع الزعيم الصدري، رغم أن مناطقهم هي من أفقر المناطق وأكثر نقصا للخدمات!".