العراق

سجل دموي قاتم.. منظمة بدر أعتى ميليشيات إيران في العراق

06 ديسمبر 2020

يشارك عدد كبير من عناصرها في صفوف قوات وزارة الداخلية العراقية ويشغلون مناصب حساسة في أغلب المؤسسات الحكومية، منذ أكثر من عشر سنوات، وهي متهمة باستغلال ذلك لتنفيذ عمليات قتل على أساس طائفي.

تعد "منظمة بدر" أهم الفصائل العراقية وأقدمها وشكلت عام 1982 في إيران للمشاركة في الوقوف إلى جانب القوات الإيرانية خلال الحرب مع العراق (1980-1988)، وباتت اليوم الأكثر اندماجا في صفوف القوات الأمنية.

خلال السنوات التي تلت سقوط النظام العراقي السابق في عام 2003، تمكن المئات من أفراد منظمة بدر من الاندماج في صفوف القوات الأمنية العراقية مستفيدين من تولي قياديين فيها مناصب عليا في وزارة الداخلية.

يتهم معارضون ومراقبون منظمة بدر بتنفيذ عمليات اغتيال وقتل واسعة وقعت بعد عام 2003 واستهدفت طيارين عراقيين وضباط جيش شاركوا في الحرب ضد إيران.

كما وجهت اتهامات كثيرة للمنظمة بتنفيذ اغتيالات وانتهاكات واسعة النطاق ضد مواطنين سنة احتجزوا في سجون سرية كانت تديرها المنظمة بعد عام 2003.

ويعتبر هادي العامري المعارض المخضرم لنظام صدام حسين والذي يرأس اليوم "تحالف الفتح"، الذي يعد ثاني أكبر كتلة في البرلمان، القائد الرئيسي لهذه المنظمة التي تعد أكبر فصائل الحشد الشعبي.

والعامري أحد أبرز قادة الحشد الشعبي المقربين من الجنرال الإيراني قائد قوات القدس السابق قاسم سليماني والمسؤول السابق عن العمليات الخارجية للحرس الثوري ومبعوث طهران للإشراف على شؤون العراق، وتربطهما علاقة صداقة منذ زمن طويل.

في فبراير الماضي كشف تقرير صادر عن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش عن شبكة تضم قادة ميليشيات تعتمد عليهم إيران لزيادة نفوذها في العراق، وضمان استهداف القوات الأميركية في هذا البلد.

التقرير أورد أسماء أبرز قادة الميليشيات العراقية التي تعمل معهم إيران في الوقت الحالي والذين كانوا يتلقون الأوامر مباشرة من قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني الذي قتل في ضربة أميركية الشهر الماضي قرب مطار بغداد.

جاء اسم هادي العامري في المرتبة الثانية، بعد أبو مهدي المهندس الذي قتل في نفس الغارة التي استهدفت قاسم سليماني.

وقال التقرير، الذي اعتمد على معلومات قدمتها القيادة المركزية الأميركية والاستخبارات العسكرية ووزارة الخارجية، إن إيران لا تزال تدرب وتدعم ميليشيات عراقية لشن حرب ضد الولايات المتحدة، والمشاركة في عمليات القمع التي تستهدف الاحتجاجات الشعبية في العراق.

والعامري متهم أيضا بقيادة الهجوم الذي استهدف السفارة الأميركية في بغداد في 31 ديسمبر الماضي، عندما هاجمت عناصر ميليشيات موالية لطهران مبنى السفارة وأحرقت بواباته الخارجية.

في اليوم ذاته ذكر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو العامري بالاسم عندما غرد عن الهجوم قائلا "هجوم اليوم خطط له إرهابيون- أبو مهدي المهندس وقيس الخزعلي، وبتحريض من وكلاء إيران، هادي العامري وفالح الفياض. وجميعهم ظهروا في صورة خارج سفارتنا".

وكان العامري، قائد منظمة بدر والذي يتحدث الفارسية، كثيرا ما يشاهد وهو يبحث الهجمات التي نفذتها الميليشيات الموالية لطهران ضد تنظيم داعش في العراق بعد عام 2014 مع قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني السابق.

وتم نشر صور التقطت له على جبهة القتال مع سليماني بالزي العسكري وهما يتعانقان وتشير الفرحة على ملامحهما إلى صداقة قديمة.

كما أن صور المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي من السمات المميزة لمكاتب منظمة بدر مما يذكر بالوقت الذي كان فيه الفصيل هو الجناح المسلح للمعارضة الشيعية العراقية في إيران.

وفقا لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى تتراوح أعداد عناصر منظمة بدر ما بين 18 و22 ألفا مسجلين ضمن قوات الحشد الشعبي، وينتشرون في مناطق تابعة لمحافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين.

يؤكد الكاتب الأميركي المتخصص في شؤون العراق في معهد واشنطن مايكل نايتس أن منظمة بدر تتمتع بالخبرة العسكرية الأكبر ضمن قوات الحشد الشعبي إلى جانب ميليشيا كتائب حزب الله.

ويكشف نايتس أن بدر هي المزود الرئيسي للخبرة والموارد البشرية في مديريات المدرعات والمدفعية والصواريخ داخل الحشد، ويتولى أفرادها مناصب رؤساء أركان ورؤساء عمليات ورؤساء مديريات التدريب والإرشاد الديني.

ويضيف أن وحدات من "منظمة بدر" من أمثال اللواءين 9 و10 التابعين للحشد الشعبي" عملت في سوريا دعما للسياسة الإيرانية. 

وفرت طهران دعما ماديا وعسكريا كبيرا لمنظمة بدر من خلال نقل أنظمة متطورة على غرار دبابات من طراز "تي-72 "ومنصات إطلاق صواريخ متعددة الفوهات من طراز "إتش أم -20 "و"إتش أم -27".

كما أن هناك وحدات محلية مرتبطة بـ"منظمة بدر" على غرار "بابليون" (اللواء 50 في الحشد) و"لواء التركمان" (اللواء 16 في "الحشد الشعبي") منخرطة في مجموعة من الأنشطة الإجرامية وانتهاكات حقوق الإنسان وتقديم الدعم المادي لفيلق القدس التابع للحرس الثوري.

يشار إلى أن مشرع أميركي قدم الخميس مشروع قانون داخل الكونغرس يقضي بفرض عقوبات على منظمة بدر المدعومة من إيران وتصنيفها ككيان إرهابي أجنبي.

وجاء في نص المشروع الذي قدمه النائب الجمهوري جو ويلسون، وهو عضو لجنتي العلاقات الخارجية والقوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي، إن منظمة بدر هي أقدم وكيل لإيران في العراق ويدها ملطخة بدماء أميركيين وعراقيين وسوريين ولبنانيين.

وقال ويلسون في بيان نشر على موقعه الرسمي إن "منظمة بدر كانت تمول وتقاد من قبل قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، كما أنها قادت الهجوم الإرهابي الذي استهدف السفارة الأميركية في بغداد قبل نحو عام".

وحث ويلسون وزارة الخارجية الأميركية على اتخاذ هذا الإجراء ضد منظمة بدر قبل الذكرى السنوية الأولى للهجوم" على السفارة الأميركية الذي وقع في 31 ديسمبر الماضي.

الحرة - واشنطن

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.