العراق

اتهمها الخزعلي بـ"العمالة".. لماذا يخشى أتباع إيران في العراق "ألوية العتبات"؟

13 ديسمبر 2020

تشعر المليشيات العراقية الموالية لإيران بقلق بالغ مع ظهور بوادر انقسام في الحشد الشعبي الذي تشكل بموجب فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني عام 2014 لمقاتلة تنظيم داعش.

وهناك فجوة متنامية داخل "هيئة الحشد الشعبي" بين جناح موال لإيران وأربعة فصائل مرتبطة بالمرجعية الشيعية في مدينتي كربلاء والنجف، هي فرقتا "الإمام علي القتالية" و"العباس القتالية" ولواءا "علي الأكبر" و"أنصار المرجعية".

وتتجمع تلك الفصائل تحت اسم "حشد العتبات" وتضم حوالي عشرين ألف عنصر. وقد عقدت أول مؤتمر لها بين الأول والثالث من ديسمبر تحت شعار "حشد العتبات: حاضنة الفتوى وبناة الدولة" في مدينتي كربلاء والنجف الواقعتين جنوبي بغداد.

على امتداد ثلاثة أيام، حاول المشاركون إبراز مصدرين لشرعية هذه الفصائل، وهما "عراقيتها" والتزامها الصارم بتوجيهات المرجعية الدينية الشيعية ممثلة في المرجع علي السيستاني.

واعتبر المتحدث باسم المؤتمر حازم صخر في تصريح لوكالة فرانس برس أن "حشد العتبات هو أصل الحشد". وأضاف أنهم "ملتزمون بالقانون العراقي ووصايا المرجعية الدينية" ويعملون وفق "توجيهات الوكيلين الشرعيين في العتبتين الحسينية والعباسية".

وتحدث قائد أكبر هذه الفصائل فرقة "العباس القتالية"، ميثم الزيدي بخطاب يظهر نزعة وطنية وإصلاحية. وقال إن "الأسباب الرئيسية لتشكيل حشد العتبات هي خدمة الوطن وتصحيح المسير والمسار".

أما آمر لواء "علي الأكبر" علي الحمداني فأشار إلى أن المؤتمر "معني فقط" بالفصائل التي "التزمت منذ صدور فتوى الجهاد الكفائي بتوصيات المرجع السيستاني".

وقدّر الباحث المتخصص بالتنظيمات المسلحة الشيعية، حمدي مالك، أن فصائل "حشد العتبات" تعمل حاليا على تسريع انفصالها عن "الحشد الشعبي" الأوسع.
وأضاف في تصريح لفرانس برس أنها "تصعّد عبر هذا المؤتمر، وترغب في تسريع ذلك المسار".

قلق الميليشيات

وتجلى قلق المليشيات الموالية لإيران في الهجوم الذي شنه زعيم ميلشيا العصائب، قيس الخزعلي، على ألوية العتبات، إذ اتهمها خلال مقابلة تلفزيونية، بأنها من صناعة أميركا وإسرائيل.

ويعتقد الباحث العراقي رمضان البدران، في حديث لموقع الحرة، بأن هجوم الخزعلي على حشد العتبات "ناجم عن خوف من أن تفقد الفصائل الولائية مكانها  لصالح فصائل العتبات التي تضع العراق أولا، وليس إيران،" خصوصا في ظل التقارير التي تشير إلى سعي السيستاني لعزل ألوية الحشد عن الميليشيات الموالية لإيران.

"السيستاني ينتمي لمدرسة الأمة ويؤمن بشرعية الدولة العراقية وفقا لفلسفة المدرسة النجفية،" يتابع البدران، "على عكس المليشيات التابعة لإيران التي تؤمن بالدولة العقائدية، وأسست على مرجعية دولة الفقيه التي لا تعترف بشرعية الدولية العراقية".

ويرى البدران أن المليشيات الموالية لإيران استغلت هيئة الحشد لتعزيز نفوذها في العراق "والحصول على شرعية من خلال خلط أوراقها بفتوى السيد السيستاني" لمواجهة تنظيم داعش.

ويضيف "المليشيات أصبحت تشكل خطورة على العراق، لذلك سعى السيستاني للعزل بين الحشدين لسحب الغطاء الشرعي منها".

ثلاثة محاور اختلاف

وأدت دعوة السيستاني إلى توحد تنظيمات مسلحة قائمة مع أخرى حديثة التشكيل، كان من بينها فصائل "حشد العتبات". وقاتلت تلك الشبكة الواسعة من الفصائل المسلحة إلى جانب الجيش العراقي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

لكن بدأت منذ 2016 تظهر خلافات داخل "الحشد الشعبي" وأشار مالك إلى تركزها حول ثلاثة محاور اختلاف.

فقد تذمرت فصائل "حشد العتبات" من حرمانها من الإمكانيات وحملت مسؤولية ذلك إلى أبو مهدي المهندس، نائب رئيس "هيئة الحشد الشعبي" الذي قُتل في ضربة جوية أميركية في يناير رفقة الجنرال الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد.

واتهم "حشد العتبات" المهندس بإعطاء الأولية في تقسيم الموارد التي تشمل معدات عسكرية ورواتب من الدولة، إلى الفصائل الموالية لطهران.

ويشير حمدي إلى شرخ ثان أكثر عمقا، يتمثل في "انقسام أيديولوجي حقيقي" حول الروابط مع إيران المجاورة التي توفر دعما لعدد من التنظيمات حتى قبل تأسيس الحشد عام 2014.  

ويطلق على تلك الفصائل وصف "الحشد الولائي" لارتباطاتها بطهران وتبجيلها على الولاء لبغداد.

حرص المشاركون في مؤتمر "حشد العتبات" على التعبير عن رفضهم الولاء للخارج.
وقال حازم صخر إن "التدخل الخارجي موضوع خطير (...) من يتبع إلى جهات خارجية أو جهات خارجة عن إطار الدولة بعيد عن توجهاتنا".

ولم يعلن السيستاني علنا دعمه للمؤتمر. لكن مالك أشار إلى أن عقد الفعالية لم يكن ممكنا دون ضوء أخضر منه.

وقدر الباحث في "ذي سانشري فاوندايشن" ساجد جياد أنه "من المهم لهم وللسيستاني أن يرتّب بيته ما دام حيا".
أما محور الاختلاف الثالث فيتعلق بالانخراط في العمل السياسي.

"نهاية الحشد"؟

أعربت الفصائل المرتبطة بالعتبات الشيعية المقدسة عن رفضها لانخراط "الحشد الشعبي" في العمل السياسي.

وأوضح حمدي مالك أن "السيستاني أعطى توجيهات واضحة بألا ينخرط أعضاء الحشد في السياسة. لكن الفصائل الموالية لإيران في الحشد أنشأت تحالف الفتح وشاركت في الانتخابات التشريعية عام 2018".

وشكّل "تحالف الفتح" ثاني أكبر كتلة في البرلمان وصار يتمتع بنفوذ واسع داخله وفي عدة وزارات.

مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة المقررة في يونيو 2021، أعادت فصائل "حشد العتبات" التأكيد على عدم انخراطها في السياسة تنفيذا لتوصيات السيستاني.

وقال رئيس قسم العلاقات والإعلام في "العتبة العباسية" في كربلاء مشتاق عباس معن، إن عناصرهم ممنوعون من "الدخول في النشاط السياسيّ أو الارتباط الحزبيّ"، ويسمح لهم "بالاشتراك في العمليّة الانتخابيّة كناخبين حصراً وليس كمرشّحين".

واستبعد جياد حصول نزاع عنيف بين جناحي الحشد، لكن من المرجح أن يفرز الانفصال بينهما تداعيات يُجهل حتى الآن حجمها.

يفتقد "حشد العتبات" إلى إطار قانوني لإدارة قواته خارج قوانين "هيئة الحشد الشعبي"، كما يوجد تأخير في تنفيذ أمر حكومي يربطه برئاسة الوزراء.

ووجه معن دعوة إلى رئيس الوزراء خلال المؤتمر من أجل "إتمام خطوات هذا الارتباط وبشكل عاجل"، وبالتالي إنهاء صلاتهم بـ"هيئة الحشد الشعبي".

لكن مالك أشار  إلى وجود مخاوف من أنه في حال انسحاب فصائل "حشد العتبات"، يمكن للأخرى "الولائية" احتكار موازنة الهيئة وإمكاناتها العسكرية وثقلها السياسي.

وأثارت تحركات "حشد العتبات" قلق الفصائل المرتبطة بإيران التي رفض قادتها التفاعل مع طلبات تعليق وجهتها لهم، حسب فرانس برس.

لكن صرح زعيم فصيل "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي إلى تلفزيون عراقي عام الشهر الماضي أن انفصال التنظيمات المرتبطة بالمرجعية الدينية الشيعية يمكن أن يقود أيضا إلى انسحاب فصائل "الحشد العشائري" المشكل أساسا من مقاتلي عشائر سنية، ما سيؤدي إلى "نهاية الحشد".

هل ينجح حشد العتبات في إنهاء الميليشيات الموالية لإيران؟

يرى البدران أن خطوة السيستاني "سيكون لها تأثير وبمثابة مقدمة لنسف مستقبل المليشيات، وإن كانت صحوة متأخرة".

وأشار المحلل  العراقي كاتو سعد إلى أن تأثير  خطوة السيستاني على مليشيات إيران"حتما سيكون كبيرا جدا".

وأضاف لموقع الحرة "كلمة السيستاني أعلى من البرلمان، ودون شك أن الخطوة التي أقدم عليها لعزل العتبات النجفية عن الحشد، سيكون لها أثر سلبي كبير على المليشيات  الموالية لإيران".

ويوضح الخبير العراقي رمضان البدران أن عزل ألوية النجف عن الحشد هو "تنبوء مستقبلي بأن هذه التشكيلات الولائية هي عتبة عسكرية متقدمة لإيران لخلق صدام داخل المنطقة. فالصدام إن لم يكن مباشرا مع العتبات، قد يكون مع جهة أخرى، مثل السعودية أو إسرائيل، بدعوى الحفاظ على الأمن العراقي".

لكن البدران يرى أن اقتلاع المليشيات الموالية لإيران من العراق "صعب، لأن ذلك يحتاج إلى قرار من البرلمان، وهي تسيطر عليه بل تسعى لتعزيز هيمنتها بعد ميول التيار الصدري إليها مؤخرا".

الحرة / خاص - واشنطن

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.