العراق

أزمة التعليم في العراق تزداد تعقيداً بعد قرار الوزارة الأخير

15 ديسمبر 2020

سارعت يسرا عادل بتقديم تعهد خطي لإدارة مدرسة ابنتها لمياء في مرحلة الرابع الإعدادي، بتدريسها في المنزل للعام الدراسي 2020 – 2021، بعد أن أعلنت وزارة التربية قبول دوام الطلبة بالانتساب.

ويثير هذا الإجراء الكثير من الجدل حول دور المدرسين الخصوصيين، وسط تحذيرات من أنه قد يفسح المجال لاستغلال الطلبة وأسرهم.

وكانت المديرية العامة للتعليم العام والأهلي والأجنبي، حددت آلية القبول من خلال تقديم أولياء الأمور تعهداً خطياً بتدريس أولادهم في المنزل، وكذلك عدم المطالبة بإلغاء الدوام بالانتساب بسبب الأوضاع التي فرضها فيروس كورونا، حسب المكتب الإعلامي لوزارة التربية. 

وأكدت وزارة التربية إلزامها بتطبيق دوام التلاميذ والطلبة يوماً واحداً لكل صف دراسي وحسب المرحلة الدراسية (ابتدائي أو ثانوي)، واما بقية أيام الأسبوع فسيكون التعليم فيها عن (بُعد) عبر المنصات الالكترونية، والتلفزيون التربوي.

تقول يسرا من بغداد لـ " ارفع صوتك": إنها فضلت "تدريس ابنتها في المنزل  خشية تعرضها عند دوام هذا اليوم لعدوى الفيروس". 

وترى أن "التزام ابنتها بالدوام ليوم واحد في الأسبوع يؤكد أيضا أنها ستكون بحاجة لمدرسين خصوصيين"، مشيرة إلى أن "فكرة الاعتماد على المنصات الإلكترونية لم تنجح في العراق".

ويعاني العراقيون منذ سنوات من عدم توفر شبكة الإنترنت لساعات متواصلة، فضلا عن عدم قدرة الكثير من الأسر العراقية تسديد تكاليفها شهرياً، أو السماح باستخدام أبنائها وبناتها للإنترنت خوفاً من تأثيره السلبي عليهم.

تقول يسرا "في السابق، على الرغم من وجود المدرسة والدوام طيلة أيام الأسبوع إلاّ أننا كنا نعتمد على المدرس الخصوصي في تعليم أبنائنا، لذا فلا جدوى من دوام ابنتي أو اعتمادها بشكل كلي على التعليم الإلكتروني".

 

عبء مالي جديد

في المقابل، تستغرب أحلام عباس (34 عاماً) من قرار الدراسة بالانتساب في المنزل، حيث يجبر أهالي الطلبة والتلاميذ على القبول به بدلاً من تحمل مسؤولية دوامهم حتى ليوم واحد. 

وتقول لـ "ارفع صوتك" إنه "يشبه الاعتراف بأهمية المدرسين الخصوصيين من قبل وزارة التربية التي كانت دوماً ترفضهم، وهنا، فلا حلول تجاه الأهل سوى الاعتماد عليهم في تدريس أبنائهم، وهو ما يضيف للعوائل عبئاً مالياً جديداً".  

وتعتبر أحلام (لديها بنتان في مرحلة الدراسة المتوسطة) أن قرار الوزارة "يستخف بمعاناة الأهالي الذين لا يمكنهم تحمّل تكاليف الدراسة الخصوصية".

وتضيف أن "الكثير من الأهالي أجبروا على سحب أبنائهم وبناتهم من الدراسة بسبب قرارات وزارة التربية".

 

المدارس الأهلية

ومن بغداد أيضاً، وسام كريم، لديه ثلاثة أبناء في مراحل دراسية مختلفة، يقول لـ"ارفع صوتك": "أقنعتُ أطفالي بترك الدراسة هذه السنة، لأن مدرستهم أهلية". 

ويوضح "ترفض مدرستهم التساهل في قضية الأقساط المالية للدراسة أو تخفيضها، بل وتصر على أن يكون تسديدها كاملاً وإلا تطرد التلاميذ، وهو ما يشعرني باستغلالهم لنا، خاصة أن الدراسة أصبحت بالانتساب أو الدوام ليوم واحد فقط".

ويرى وسام أن "سياسة التكاليف المادية في المدارس الأهلية لم تتغير أبدا، كما أن وزارة التربية لا تهتم بفكرة محاسبتهم أو تحديد مبالغ الدراسة في تلك المدارس".

وليس ذلك فقط ما يمنع الأب من إرسال أبنائه للمدرسة، يقول وسام "لا أثق أيضاً بالإجراءات الاحترازية من تفشي فيروس كورونا بين التلاميذ في المداس سواء حكومية أو أهلية".

 

التفاوت في المستويات 

في نفس السياق، لا تتوقع المدرسّة خديجة حامد أن يستمر التلاميذ والطلبة في الدراسة. 

وتقول لـ " ارفع صوتك" إن "المشكلة الأساس تتعلق بطبيعة المجتمع العراقي الدي يعطي الأولاد أولوية العمل على الدراسة، وأولوية الزواج على الدراسة بالنسبة للبنات، ويعتبر هذا الوضع فرصة مناسبة لتحقيق تلك الأولويات عموماً".  

وتضيف حامد أنه "ربما قد غاب عن وزارة التربية التفاوت في المستويات الاقتصادية للتلاميذ" مردفة "نحن نعلم أن قرار الانتساب بالدراسة في المنزل يعتمد على إمكانية توفير التكاليف المالية للمدرسين الخصوصيين، ما يعني أنه سيؤثر بشكل أكبر على الفقراء والذين يعيشون على دخول منخفضة". 

وتؤكد أن تركيز الوزارة "يجب أن ينصب على ألاّ تحدث فوارق طبقية بين التلاميذ، وإدراك أن فترة انتشار فيروس كورونا ستزول في وقت سيكون الكثير من التلاميذ فقد مقعده في الدراسة وفاتته فرصة التعليم". 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.