العراق

"هستيريا" في العراق بعد تسريب مسودة الموازنة العامة لسنة 2021

18 ديسمبر 2020

تسبب تسريب مشروع موازنة الدولة العراقية في حالة من الذعر لدى العراقيين اليوم الخميس، إذ أكد نوايا الحكومة خفض قيمة العملة الوطنية، الدينار العراقي، وخفض الرواتب لمواجهة آثار أزمة اقتصادية حادة.

واستمرت المناقشات حول تخفيض قيمة الدينار العراقي، المربوط بالدولار منذ عقود، منذ أسابيع في حين عملت الحكومة على الانتهاء من موازنة العام 2021.

وحسبما أوردت وكالة "أسوشييتد برس"، يعطي مشروع القانون، الذي يجب أن يخضع للتصويت في البرلمان أولاً، سعر صرف متوقع قدره 1450 ديناراً عراقياً للدولار، وهو انخفاض كبير عن السعر الرسمي الحالي للبنك المركزي البالغ 1182 ديناراً للدولار الواحد.

مع طرح مشروع الموازنة على وسائل التواصل الاجتماعي، أعربت وزارة المالية عن "استيائها وأسفها العميق بشأن النشر غير المصرح به" للقانون المقترح، قائلة إن الهستيريا العامة ستؤثر على حيادية المشرعين.

ومن المقرر أن يناقش البرلمان - ويقدم تعديلات محتملة - على المشروع في جلسة مقررة يوم السبت.

وقال العديد من المسؤولين إن المسودة المسربة صحيحة لكنهم أكدوا أنها قد تخضع لتغييرات في البرلمان.

وتشير ردود الفعل العامة الحادة إلى التحديات التي ستواجهها البلاد في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة في عام الانتخابات، وخاصة للقطاع العام الذي يستنزف الميزانية، وفق "أسوشييتد برس".

ومن المقرر إجراء انتخابات برلمانية على مستوى البلاد قبل عام مما كان متوقعا في يونيو ٢٠٢١.

وقالت الوزارة إن "إعداد الموازنة عملية فنية معقدة ... (ونشرها) على مدى فترة طويلة من الزمن. وإطلاقها قبل الأوان لوسائل الإعلام هو عمل غير مسؤول إلى حد بعيد".

وبالفعل تتراجع قيمة الدينار في الشارع، حيث تبيع الصرافة في بغداد الدولار مقابل 1300 دينار عراقي.

وركزت المناقشة العامة حول سياسة الإصلاح الحكومية - التي أطلق عليها اسم "الكتاب الأبيض" - بشكل حاد على طرق خفض فاتورة الأجور من 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 12 في المائة.

واتخذ مشروع الموازنة خطوة في هذا الاتجاه من خلال النظر في خفض مزايا الرواتب التي تتجاوز في بعض الأحيان الراتب الأساسي للكثيرين في القطاع العام المتضخم في العراق.

ويمكن أن تشمل المزايا نفقات عرضية مثل بدل الخطر وشهادات التعليم العالي ونفقات الضيافة للمسؤولين رفيعي المستوى.

أثارت الأنباء إدانة من العاملين بالحكومة الذين يخشون استقطاعات كبيرة مع خفض قيمة العملة المصاحب لخفض الفائدة.

وقال علي كاظم، 50 عاما، وهو معلم، إن "أغلبية قوة العمل في العراق من موظفي الحكومة. نحن الطبقة المتوسطة، لكن (آخر قرارات الحكومة) ستجعلنا الطبقة الأفقر. أنا أسدد قرضين بثلث راتبي. بعد هذه القرارات، لا أعلم كم سأكسب".

وكرر العديد من العاملين بالقطاع العام مخاوفه، ومنهم أطباء وأطباء أسنان ومعلمين ومديرين في عدد من الوزارات.

ويعتبر الإصلاحيون في الحكومة أن رواتب القطاع العام غير مستدامة.

في مواجهة أزمة سيولة عصيبة سببها اضطراب أسعار النفط، تعين على العراق - مصدر النفط الخام - الاستدانة من احتياطي الدولار في البنك المركزي لدفع نحو 5 مليارات دولار من الرواتب الشهرية والمعاشات. وجلبت عائدات النفط، التي تمثل نحو تسعين بالمائة من الموازنة، متوسط 3.5 مليار دولار منذ انهارت أسعار النفط في بداية العام الجاري.

وفي تقرير مراجعة أكتوبر، قال علي العلاوي وزير المالية إن تخفيض قيمة العملة يدرس بجدية في مباحثات مع صندوق النقد الدولي. وكان الصندوق قد اقترح سعر صرف 1600 دينار للدولار الواحد، وهو ما اعتبرته الحكومة العراقية "صعبا لأسباب سياسية"، وفقا لمسؤول بارز تحدث شريطة عدم نشر هويته.

أما السعر المتوقع في مشروع الموازنة فهو 1450 دينارا للدولار "وسيساعد في تغطية العجز المالي لكن بالطبع إن لم يتمكنوا من اتخاذ بعض الخطوات الداعمة للفقراء، فسيكون تأثير التضخم شديد الصعوبة،" وفقا لما قاله محمد الدراجي، وهو نائب في اللجنة المالية.

ويتعين على البرلمان الموافقة على القانون، الذي يتوقع أن يثير سخطا.

ويأتي ذلك بعد مرور أيام على إحراق محتجين في السليمانية شمالي العراق مبان حكومية بسبب تأخر دفع الرواتب.

لكن ليس هناك الكثير من الخيارات، وفقا للمسؤول الحكومي البارز. فدون تلك الخطوات، يتراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي للعراق عن أقل من 20 مليار دولار بحلول العام المقبل. وحاليا، وصل إلى 50 مليار دولار.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.