العراق

"التوقيت المشبوه".. صواريخ الميلشيات الإيرانية في بغداد تنقض دعوات التهدئة

21 ديسمبر 2020

في أواخر نوفمبر الماضي، أبلغ قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، المليشيات المسلحة الموالية لطهران في العراق، بضرورة إيقاف الهجمات على المصالح الأميركية في الدولة العربية الممزقة، وفقا لما كشفه مصدر سياسي عراقي لـ "الحرة".

لكن التهدئة التي تسعى إليها طهران في العراق، لم تستمر سوى أسابيع قبل أن تعود عمليات استهداف المصالح الأميركية مرة أخرى بهجمات صاورخية جديدة، على الرغم من استنكار النظام الإيراني الهجوم على البعثات الدبلوماسية.

في مؤتمر صحافي، الإثنين، قال الناطق باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، إن "الهجوم على المباني الدبلوماسية والسكنية غير مقبول، لكن نوع الهجوم يظهر أن التوقيت مشبوه للغاية (...)".

وكانت خلية الإعلام الأمني، أعلنت عن إطلاق 8 صواريخ "كاتيوشا" في المنطقة الخضراء التي تقع فيها السفارة الأميركية، واعترضت السفارة الصواريخ معلنة وقوع "أضرار خفيفة" في المبنى ورجحت وقوع جرحى في صفوف المدنيين.

وفيما تأتي الهجمات قبيل أيام من الذكرى الأولى للغارة الأميركية التي قتلت قائد فليق القدس قاسم سليماني، ونائب رئيس قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بالقرب من مطار بغداد، ندد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في تغريدة الأحد، بالهجوم الصاروخي الذي شنته "جماعات خارجة عن القانون"، قائلا: "المليشيات المدعومة من إيران قامت مجددا بشكل صارخ ومتهور بالهجوم على بغداد، وجرح المدنيين العراقيين".

وأضاف أن "الشعب العراقي يستحق أن تتم محاكمة المهاجمين وعلى المجرمين والفاسدين الكف عن أعمالهم المزعزعة للاستقرار".

كما حمل مسؤولون غربيون وعراقيون جماعات متشددة بينها "كتائب حزب الله"، وهي الجماعة الأكثر ولاءا للنظام الإيراني، مسؤوليتها عن هذا الهجوم الصاروخي.

ضوء أخضر خافت

ويرى رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، أن توقيت الهجمات الجديدة على السفارة الأميركية يحمل دلالات مختلفة.

وقال الشمري لموقع "الحرة" إن الضربات الصاروخية الأخيرة "قد تكون جزء من ضوء أخير خافت إيراني لتوجيه رسائل متقاطعة إلى إدارة بايدن الجديدة.

وأضاف: "رغم أن طهران تسعى لترسيخ مبدأ التهدئة بشكل حقيقي وتهيئة الأرضية الصلبة والمقبلة للإدارة الأميركية الجديدة للذهاب نحو طاولة المفاوضات، إلا أنها أيضا تضع في حساباتها أهمية أن يأتي بايدن سريعا لهذه الطاولة".

وأشار الشمري إلى أن الإدارة الأميركية الجديد ربما لا تعطي الملف النووي الإيراني أولوية وفق ما يقول المحللون، وهذا ما يزيد الضغط على إيران عقب حملة "الضغط القصوى" التي تبنتها إدارة ترامب.

في نوفمبر الماضي، قالت صحيفة "التليغراف" إن عودة بايدن للاتفاق النووي الإيراني "ليست خيارات سهلا"، مضيفة: "موضوع الانضمام إلى الاتفاق النووي مع إيران هو موضوع شائك خاصة أن إيران متهمة بخرق الاتفاق الآن، وأن أولوية بايدن الأولى بدت في اختيار إدارة قادرة على إصلاح العلاقات مع حلفاء واشنطن التقليديين".

وخلال تصريحات سبقت وأعقبت الانتخابات الأميركية، تعهد بايدن بمعالجة ملفات كبرى خلال الأيام المائة الأولى من ولايته منها محاربة فيروس كورونا المستجد وإنعاش اقتصاد البلاد والعودة إلى اتفاق باريس حول المناخ.

وتعرضت المصالح الأميركية في العراق خلال عام إلى أكثر من 90 هجوم استهدفت سفارة الولايات المتحدة في بغداد، وقواعد عراقية تضم جنودا أميركيين وقوافل لوجستية لمقاولين من الباطن عراقيين يعملون لصالح الجيش الأميركي.

انقسامات وخلافات

وقال الشمري، وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، إن "هناك أسباب أخرى داخلية تتعلق بالمليشيات ومدى الخلافات الكبيرة التي وصلت إليها (...)، إضافة إلى توجيه رسائل من هذه التنظيمات التقليدية بأنها قادرة على القيام بضربات أقوى من خلال الاعتماد على مليشيات الظل في مثل هذه الأعمال".

بدوره، يرجح المحلل السياسي العراقي غانم العابد الرأي السائد بوجود انقسامات داخل هذه المليشيات المسلحة الموالية لإيران.

وأكد لموقع "الحرة" وجود انشقاقات داخل قيادات الصف الثاني في هذه المليشيات، مستدلا باعتقال القيادي حامد الجزائري الذي "لم تكن الحكومة تستطيع الوصول له دون أن ترفع المليشيات يدها عنه"، على حد قوله، إضافة إلى اختطاف القيادي حسين أبو خميني المالكي الشهر الماضي.

وقال العابد إن قائد فيلق القدس قاآني، فشل في فرض شخصيته على هذه الفصائل التي باتت تشكل "أذى" على طهران، مردفا: "هذه الجماعات تعتقد أن أي اتفاق بين إيران والولايات المتحدة سيكون على حسابها، ولهذا تحاول إثبات أنفسها بمثل هذه الهجمات".

أسباب داخلية

وتوقع العابد أن تصعد المليشيات أعمالها في المرحلة المقبلة من خلال هجمات مختلفة لا تتعلق فقط بالبعثات الأجنبية الموجودة في بغداد.

وأضاف أن "هناك خسائر لابد لهذه الجماعات إيقافها بأي ثمن حتى لو كان ذلك الثمن هو العبث بأمن البلاد، خصوصا وأن التيار الصدري المسلح بدأ يستحوذ على كل شيء ويهدف أيضا للوصول لمنصب رئيس الوزراء".

ووضع لومه على الحكومة إزاء موقفها "الضعيف" تجاه هذه الأعمال، مشيرا إلى أن بيان خلية الإعلام الأمني وصف هذه المليشيات بـ "جماعات خارجة عن القانون"، في حين أن هذه الضربات هي عمليات "إرهابية" أسوة بما يقوم به تنظيم داعش.

كذلك، يقول الشمري إن المليشيات المسلحة تواصل ضغطها على حكومة مصطفى الكاظمي "ووضعها داخل دائرة الحرج وإظهارها عاجزة عن حماية البعثات الدبلوماسية الأجنبية، وعدم قدرتها على حفظ الأمن العام في العاصمة، وهذا يتزامن مع ضغوط سياسية يواجهها الكاظمي نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تسببت بها حكومة الفصائل المسلحة برئاسة عادل عبدالمهدي".

أحمد جعفر - دبي

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.