العراق

"سلاح لجبي الرشاوى".. قرار قضائي يثير الجدل والخوف بين تجار العراق

23 ديسمبر 2020

نقلاً عن الحرة 

سبب قرار للسلطة القضائية العراقية يهدد بـ"اتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من تسبب بالضرر بالاقتصاد الوطني من تجار العملة الأجنبية أو التجار المحتكرين للبضائع"، الكثير من الجدل والمخاوف داخل السوق العراقية المضطربة أصلا بشكل كبير.

وقال عدد من التجار العراقيين لموقع "الحرة" إن هذا القرار يمنح وزارة الداخلية صلاحيات غير محدودة لمحاسبة التجار من دون أن يضع ضوابط أو تعريفا للمخالفين أو "من يتسبب بالضرر للاقتصاد الوطني" كما يقول سلام البندر، التاجر في سوق الشورجة الكبير في بغداد.

ويضيف البندر لموقع "الحرة" إن "من غير الممكن أن يترك تعريف المتسببين بالضرر لشرطة وزارة الداخلية، لأن هذا يعني مزيدا من الضرر للأسواق".

وتعرضت السوق العراقية لضربة كبيرة بعد قرار الحكومة تخفيض قيمة العملة، الأسبوع الماضي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد المستوردة من الخارج بشكل كبير وسبب خسائر كبيرة للتجار والمستهلكين.

وخفضت الحكومة العراقية قيمة العملة بمقدار 20 بالمئة تقريبا، لتقليل النفقات الكبيرة التي تنوء بها الموازنة بعد انخفاض واردات النفط.

وقال بيان للبنك المركزي العراقي إن السعر الجديد للدينار مقابل الدولار الأميركي حدد بـ 1450 دينارا بدلا من السعر السابق البالغ 1190 دينارا عراقيا لكل دولار أميركي.

ويبلغ حجم موازنة العراق لعام 2021، بحسب النسخة التي سربت مسودتها من البرلمان العراقي أكثر من 150 ترليون دينار عراقي، أي أكثر من 100 مليار دولار أميركي، وهو مبلغ يعتبر كبيرا خاصة وأن الكثيرين توقعوا أن تكون موازنة هذا العام، الذي شهد في العراق صعوبات مالية كبيرة، أكثر تحفظا.

وقال القرار الصادر عن مجلس القضاء الأعلى مساء الثلاثاء إن على وزارة الداخلية "الإيعاز إلى مديريات الشرطة المختصة لإجراء جولات تفتيشية لمحال بيع الجملة وأماكن بيع العملة الأجنبية لضبط المخالفين للقانون".

ويقول القانوني العراقي سلام الخطيب إن "القرار قد يسبب المشاكل فعلا في السوق العراقية التي تعاني أصلا من عدم الاستقرار".

ويضيف الخطيب لموقع "الحرة" إن "القرار استهدف من سبب الضرر بالاقتصاد العراقي من تجار العملة، لكن في الحقيقة فإن البنك المركزي قد سبب حتى الآن ضررا كبيرا بالاقتصاد بسبب إجراءاته التي لم يتحضر لها السوق".

وقال مصدر في الشرطة الاقتصادية التابعة لوزارة الداخلية لموقع "الحرة" إن "مفارز الشرطة لم تنفذ الأمر القضائي حتى الآن"، ويضيف أن "من غير الممكن أن تسبب الشرطة الاقتصادية أي ضرر للسوق في حال تم تنفيذ القرار فعلا لأن المتهمين سيكون من حقهم اللجوء للقضاء لمقاضاة أي أحد يضر بأعمالهم عمدا".

لكن رؤوف حسين، صاحب شركة لبيع الأوراق المالية في بغداد يقول إن "الفساد الموجود في الدولة العراقية يعني أن القضاء منح الشرطة سلاحا ممتازا لجبي الرشاوى من التجار وتهديدهم بالسجن".

ويضيف "من غير الممكن بالنسبة للتاجر أن يتعرض للحجز أو الإغلاق، ثم يجب عليه أن ينتظر لأيام من أجل أن يسمح له القاضي بافتتاح العمل مجددا، وكل هذه خسائر كبيرة سيحاول التجار تجنبها بأي شكل".

وبحسب حسين فإن "الشرطة قد تستطيع إغلاق المحال بحجة أنها مخالفة للتعليمات، أو حجز التجار بنفس الحجة، برغم أنه لا توجد هناك تعليمات أساسا لمخالفتها، والتاجر لا يريد أن يحجز أو يغلق محله فتزداد خسائره فيكون مضطرا للدفع وعدم اللجوء إلى القضاء".

ويؤكد حسين أن القضاء يتصرف بعقلية قديمة لإن "السوق المفتوحة تنظم نفسها بنفسها والأسعار ستستقر حتى لو حاول التجار الاحتكار، لأن هناك منافسة من غيرهم فبالتالي لن يستطيع أحد فرض سعر معين".

ولم يحصل موقع "الحرة" على ردود من مجلس القضاء الأعلى العراقي بشأن طبيعة القرار أو الضوابط التي ستوضع لتطبيقه.

وقال وزير التخطيط العراقي، الاثنين، إن "الاقتصاد العراقي يمر بأصعب أزمة في تاريخه"، "مضيفا أن الأزمة "تراكمت عبر عقود طويلة من الإخفاقات الناتجة عن أحادية وريعية الاقتصاد".

ومن المتوقع أن تنهي بغداد هذا العام المضطرب مع تقلص نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 11 في المئة وارتفاع معدل الفقر إلى 40 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 40 مليون نسمة.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.