هل يتجاوز العراق ما خلفته سنة 2020 من أزمات؟
لم يدرك أحمد كريم (49 عاماً) أن دهشته وسعادته بتساقط الثلوج في بغداد، ستتغير بعض الشيء وربما لفترة طويلة.
وكانت العاصمة العراقية، ومحافظات الوسط والجنوب، شهدت فجر 11 فبراير 2020 تساقطًا للثلوج، في ظاهرة نادرة لم يعهدها العراقيون منذ 12 عاماً، وفق هيئة الأرصاد الجوية.
يتذكرها كريم بقوله "بعد ذلك، أصبحت أكثر حزناً وانعزالاً عن الآخرين. وتأثرت كثيراً بأخبار الوباء وأحداثه المؤلمة. وصرتُ أقل رغبة في التفكير بالمستقبل أو القادم من الأيام".
ويضيف لـ"ارفع صوتك" أنه أصيب بـ"الخذلان والإحباط" لأنه كان "من العسير للغاية التخلص من التوترات السياسية والصراعات الداخلية من جهة والأزمات الاقتصادية من جهة أخرى، التي تزامنت مع انتشار فيروس كورونا".
الفساد المستشري
ولعل مشاعر الخذلان هي من أكثر المشاعر تصاعداً بين العراقيين بعد اختيار مصطفى الكاظمي، في شهر مايو 2020، ليكون رئيساً للحكومة مع فرض الالتزام بتحديد موعد الانتخابات واستعادة هيبة الدولة وكذلك مواجهة التحديات الصحية والاقتصادية.
يقول الناشط الحقوقي مهدي عبد الستار لـ "ارفع صوتك": "كنا ننظر إلى الكاظمي على أنّه منقذ البلاد والشعب من الأزمات كافة. لكن هذا ليس صحيحاً".
ويرى أن "تزايد الأزمات في البلاد بعد تفشي الوباء قد تجاوز في حجمها أية إمكانية لاستيعابها، خاصة في مسألة الفساد المستشري وما خلفته من فقر ومشكلات اجتماعية فضلاً عن الجهل والأمية".
من جهة أخرى، يقول الخبير الاقتصادي جاسم خالد "من أبرز الأزمات التي خلفها عام 2020 هي المالية، إذ لن نتمكن من أن نتكيف معها بسهولة في بلاد أسيرة الصراعات والحروب والنزوح والفقر".
ويضيف الخبير لـ "ارفع صوتك" أن "الفساد هو الذي تسبب بأزمات البلاد المالية والاقتصادية وليس تفشي وباء كوفيد-19 وراء ذلك".
وأدى الفساد المستشري في البلاد إلى ظهور العديد من الأحزاب والكيانات المختلفة، وأخطرها تلك التي تمسكت بالسلطة الحاكمة ولم تتنازل عنها، حيث تسببت في خراب البلاد اقتصادياً واجتماعياً وأدت إلى تزايد معدلات الفقر بشكل كبير، وفق تعبير خالد.
وكان العراق بدأ بتخفيض إنتاجه النفطي بنسبة 22.8 % اعتباراً من أول مايو الماضي، تنفيذاً لقرار منظمة أوبك.
وقال وزير النفط ثامر الغضبان في حينه، إن"الموارد المالية أهم من كمية إنتاج النفط، وأن التخفيض جاء بناءً على دراسات لكي يرتفع سعر النفط، فكلما يقل العرض ويستقر السوق يتحسن السعر".
وأضاف "لا فائدة من زيادة الإنتاج مع انخفاض أسعار البيع، وبهذا سيكون الجميع خاسرا"، مؤكداً أن "الإجراءات التي اتخذتها أوبك هدفها زيادة أسعار البرميل ومن ثم زيادة المردود المالي".
يقول خالد إن "الكثيرين خسروا وظائفهم أو تقلصت رواتبهم أو تأخر صرفها، لينتهي الأمر بزيادة سعر الدولار مقابل الدينار العراقي".
التعليم في البلاد
أكثر ما يشعر الناشطة الحقوقية زينب قادر بالإحباط تجاه عام 2020 هو "تدني مستوى التعليم في البلاد أكثر السابق" وفق تعبيرها.
وتقول لـ "ارفع صوتك" إن "كل ما يحدث الآن في عملية التعليم هو ارتجالي وغير دقيق، بل وضعيف لدرجة الفشل في إيصال المعلومة، أو في السيطرة على التلاميذ والطلبة وتحديد مدى استيعابهم للدروس والمناهج".
وترى قادر أن "الأخطر من هذا كله في الأعداد الهائلة من الذين تركوا مقاعد الدراسة، خاصة الفتيات اللواتي حسمت عوائلهن أمرهن في الجلوس بالبيت وانتظار فرصة لتزويجهن، بدلاً من الاستمرار بالدراسة ومخاوف انتقال عدوى الوباء".
وتمضي بالقول إن "الأسوأ من هذا كله عندما يترك التلميذ مقعده الدراسة فقد لأن عائلته لا قدرة لها مادياً على توفير حاسبة إلكرتونية بخط إنترنت يومي أو مدرس خصوصي يتابع تعليمة".
وأظهرت دراسة أجراها المجلس النرويجي للاجئين أنه منذ تفشي وباء كورونا المستجد تم إغلاق آلاف المدارس في العراق، ما أثر من 10 ملايين طفل في أنحاء العراق بأعمار تتراوح بين 6 إلى 17 عاما تم تركهم بدون تعليم.
وكشف المجلس، أن ثلث العوائل التي تم استطلاعها في أنحاء العراق ليس لديهم هواتف ذكية أو اشتراك بإنترنت.
وقال إن "العراق جاء في الترتيب الثاني ضمن ارتفاع معدلات الكرب والضيق بين الأطفال النازحين عبر الشرق الأوسط، فقدان التعليم جاء في الترتيب الثالث كأكثر قلق ينتاب أطفال العراق بعد قلقهم باحتمالية الإصابة بالفيروس أو إصابة واحد من آبائهم أو أحبائهم".
كما أظهر مسح أجرته منظمة الأيادي الحنونة للمساعدات الإنسانية في العراق أن نسبة 83% من مجموع 6305 أطفال تم إجراء استطلاع عليهم في معسكرات النازحين، لم يتلقوا أي نوع من أنواع التعليم المدرسي.
تقول قادر "آثار عام 2020 ستبقى عالقة بنا لسنوات طويلة ولن نستطيع تجاوزها أو التخلص منها بسهولة؛ لأن الجهات الحكومية المسؤولة عن هذا الشأن لا تمتلك دراسة مستفيضة واعية أو خطط حقيقية لتدارك الأزمات والحد من تفاقمها"
تأثير كوفيد -19
وكانت مبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية ووزارة التخطيط في العراق بالتعاون مع منظمة اليونيسف العراق والبنك الدولي، أعدت دراسة عن تأثير كوفيد -19 على الفقر والحرمان في العراق.
وأظهرت النتائج أن 4.5 مليون عراقي (11.7%) دفعوا إلى ما دون خط الفقر نتيجة لجائحة كورونا وما نجم عنها من آثار اجتماعية واقتصادية.
كما تسببت في الخسائر الكبيرة في الأعمال والوظائف، وارتفاع الأسعار، في ارتفاع معدل الفقر الوطني من 20% في 2018 إلى 31.7%، مع النسبة الإضافية ممن وقعوا تحت خط الفقر والبالغة 15.8%، فإن الأطفال هم الأكثر تأثراً بالأزمة.
وبينما كان طفل واحد من كل خمسة أطفال يعاني من الفقر قبل الأزمة، فإن النسبة قد تضاعفت تقريباً إلى طفلين من أصل خمسة أطفال أي (37.9%) مع بداية الأزمة، وإن 42% من السكان يصنفون على أنهم من الفئات الهشة، إذ يواجهون مخاطر أعلى كونهم يعانون من الحرمان من حيث العديد من الأبعاد، وليس من بُعد واحد مما يلي: التعليم، والصحة، والظروف المعيشية، والأمن المالي.
أما بالنسبة إلى الأطفال، فقد بينت الدراسة أن هناك طفل واحد من بين كل اثنين (أي 48.8%) معرض للمعاناة من الحرمان في أكثر من بعد واحد من هذه الأبعاد الأربعة. يُعد الحرمان من الالتحاق بالمدارس، والحصول على مصادر المياه المحسنة، من العوامل الرئيسية التي تساهم في هشاشة الأسر والأطفال.