العراق

نحو 30 ألف حريق في العراق خلال 2020.. ما أسبابها؟

07 يناير 2021

صرّحت مديرية الدفاع المدني العراقي، أن مجمل حوادث الحريق المتعمدة لعام 2020 في عموم المحافظات العراقية عدا إقليم كردستان، كانت (1636) حادثة. 

وشملت إحصائيات حوادث الحريق التي اندلعت داخل مبانٍ حكومية وتجارية ودور سكنية وفي الأراضي الزراعية والحقول وغيرها.

وقالت المديرية "بلغت الحرائق (29658) خلال 2020، (5702) منها  في القطاع الحكومي، و(679) في القطاع المختلط، و(23277) في القطاع الخاص". 

وتنوعت مسببات الحرائق، وفق بيان المديرية، بين حوادث التماس الكهربائي، وعددها (12419)، ونتج التماس عن تذبذب التيار الكهربائي وشبكة الأسلاك الكهربائية المتدلية من المولدات الأهلية. 
"يلي ذلك عبث الأطفال الذي تسبب بـ (5835) حادث حريق و(2649) نتيجة الإهمال، و(2038) بسبب أعقاب السجائر، و(808) نتيجة شرارة حادث" حسب المديرية.

كما كان للنزاع العشائري حصة من حوادث الحريق حيث سجلت (116) حادث حريق، و(75) في وسائط النقل، أما الأرقام المتبقية،  فكانت حرائق ذاتية ناتجة عن تسرب الوقود والغاز وغيرها.

 

الصراعات السياسية

يربط العراقيون دائما اندلاع أي حادث حريق في البلاد بالصراعات السياسية، حتى لو أوضحت التحقيقات الرسمية مسببات أخرى.

يقول الناشط القانوني وليد ناصر لـ "ارفع صوتك": "كلنا على دراية أن ما شبّ من حرائق، خاصة في المؤسسات الحكومية ودوائر الدولة كان مُتعمّداً، والتحقيقات الرسمية، التي عادة ما تستبعد ذلك، لا يمكن تصديقها أبداً".

"ولو لم تتضح أسباب الحريق، فإن الكثير من الناس يتهمون جهات سياسية أو حزبية معينة كوسيلة للضغط لتحقيق مكاسب معينة، كما أن مشعلي النيران يختارون عادةً إضرام الأماكن المثيرة للجدل كالمزارع والأبنية الحكومية التي تضم بين أقسامها ملفات بيع وشراء وغيرها" حسب الناشط.   

وعانى التجار، خصوصاً في السوق المحلية المعنية ببيع الجملة من حرائق كبيرة خلال الأعوام الماضية تسببت في خسائر فادحة، ولم تفلح أية احترازات في تأمين أسواقهم ومصانعهم، خاصة مع ارتفاع الأسعار، إذ تمثل سلعهم عصب الاقتصاد العراقي المحلي كأسواق "الشورجة وجميلة والسنك". 

يقول ناصر،  إن "التجار في هذه الأسواق معرضون لخطر الحرائق التي تشبه التصفيات أو الصراعات لتلحق الخسائر بهم مقابل سيطرة غيرهم من تجار متنفذين على سوق الاستيراد أو توفير سلعة معينة". 

 

جرائم خلف الجدران

ويسود على مدى طويل اعتقاد بأن الحرائق المندلعة في الدوائر العسكرية لا تضرمها إلاّ السلطة الحاكمة، وأن السبب وراء ذلك هو "إخفاء أي أثر لجرائم مثل التعذيب والقتل وغيرها".

 يقول توفيق رحيم، وهو من المتقاعدين العسكريين إنه "كان يسمع دوماً عبارة "لا تخرجوا من مكان يضم ملفات وأسرار عسكرية إلاّ بعد إضرام النار فيه".

ويضيف لـ "ارفع صوتك": "بعد عام 2003 تم إحراق الأضابير المهمة التي تتعلق بحياة الكثير من ضحايا النظام السابق وتفاصيل أخرى تتعلق بالأملاك المنقولة وغير المنقولة استحوذ عليها النظام وصادر حقوق الملكية آنذاك".

ويرى رحيم أن هذه الخلفيات في مسببات الحرائق قضت على كل التصريحات التي تشير الآن إلى أن هذا الحريق أو ذاك غير مُتعمّد.

إلاّ أن مروان سعدون، وهو صاحب مولدة للطاقة الكهربائية يرى "التماس الكهربائي" كمسبب للحرائق "حقيقة" ويحدث باستمرار. 

يقول لـ "ارفع صوتك" إن "تذبذب التيار الكهربائي يؤدي إلى الكثير من الحرائق، وخاصة داخل الأماكن التي تحوي على مواد قابلة للاشتعال".   

ويضيف سعدون أن "المشكلة الأخرى تتمثل في الأسلاك الكهربائية المتدلية للمولدات الأهلية والمتشابكة مع بعضها بطريقة مرعبة دائما، وتتسبب بحرائق نتيجة إهمال متابعتها بين الحين والآخر من قبل أصحابها، فضلا عن تشكيلها بطريقة غير منتظمة ومن دون التفكير بخطورتها". 

ويعتقد أن بعض الحرائق المتعلقة بالتماس الكهربائي "تندلع بشكل مُتعمد نتيجة الأحقاد والثأر بين أصحاب مولدات الطاقة الأهلية". 

 

"تخريبية وإرهابية"

في نفس السياق، يقول الخبير القانوني ناجح ياسين لـ "ارفع صوتك" إن "رقم (1636) لحوادث الحريق المتعمدة، دليل على خطورة الوضع الأمني بالتوازي مع الإهمال الحكومي له". 

ويتساءل عن عدم اعتبار حوادث الحريق المتعمدة في البلاد بأنها "تخريبية وإرهابية" حتى لو كانت أعمالاً فردية!

ويقول ياسين إن "الحكومة مسؤولة بشكل مباشر عن كل الحرائق المتعمدة بأشكالها كافة لغياب الإجراءات الاحترازية أو التحقيقات الرسمية النزيهة بسبب الفساد المالي والإداري المستشري في البلاد". 

ويشير إلى أن ما يحدث من حرائق عموماً يزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية ويرهق الناس، خاصة أن الحكومة لا تنظر للحرائق على أنها تهديد لسلامة البلاد وأمنها. 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.