الانتماء لداعش" تهمة ملفقة يواجهها الكثير من العراقيين.. لماذا؟"
في مخيم للنازحين في شمال العراق، تتطلع نور (22 عاما) للعودة إلى منزلها في منطقة الموصل، لكنها محرومة من ذلك، لأن السلطات المحلية تتهمها بالارتباط بداعش.
بينما تؤكد نور أن التهمة مجرد "غطاء لتصفية حساب حول نزاع قديم يتعلق بملكية أرض".
وعائلتها واحدة من عائلات كثيرة نازحة تخشى المنظمات الحقوقية أن تكون ضحية عداوات قديمة أو عمليات ابتزاز أموال، تستخدم فيها تهم الارتباط بالتنظيم الإرهابي الذي احتل مساحات واسعة من العراق بين 2014 و2017، قبل أن يتم دحره.
في عام 2007، كانت عائلة نور في نزاع مع شيخ صاحب نفوذ في مسقط رأسها بالقرب من مدينة الموصل في شمال العراق. وفي ذلك العام، أدى انفجار إلى مقتل قريبة للشيخ، فاتهم والد نور على الفور بالمسؤولية، وفق ما تروي نور (22 عاما) لوكالة فرانس برس.
وكان العراق يشهد آنذاك صراعا طائفيا داميا.
تقول نور من مخيم حسن شام "لقد استاء منّا، لأننا امتلكنا أرضاً ادعى أنها ملكه".
وتقرّ بأن شقيقها غادر المنزل لينضم إلى تنظيم داعش عندما اجتاح محافظة نينوى في عام 2014.
وقتل شقيقها لاحقا في غارة جوية.
لكن نور تؤكد أن والدها رفض أن يحذو حذو شقيقها، فجاء مقاتلون من داعش إلى منزلهم وقتلوه بدم بارد. لكن الضغط ازداد على العائلة.
وتتابع نور وهي تضع بعصبية السكر في كوب الشاي، "حاول الشيخ تشويه سمعة عائلتنا. في كل مرة حدثت مشكلة في المدينة، كان يوجه اللوم إلى والدي أو أخي".
وفرت نور مع والدتها وابن أخيها إلى مخيم حسن شام، لكن الاتهامات طاردتهم.
"التبرية"
بعد وفاة شقيق نور، خضعت عائلتها لـ "التبرية"، أي التبرئة، وتقوم على إعلان أحد أقارب المقاتل في تنظيم داعش التنصل من كل علاقة به وبالتنظيم، فيتم إصدار وثيقة تبرئة رسمية تثبت من الناحية النظرية سلامة موقف العائلة الأمني.
لكن نور تقول إن الشيخ نفسه لا يزال يضغط على أسرتها.
وتضيف "علمت أنه استولى على جميع ممتلكاتنا. حاولت العودة لكنه يحظى بحماية الحشد الشعبي"، الذي يشكل جزءا من القوات العراقية، ولعب دورا كبيرا في استعادة السيطرة على الأراضي التي استولى عليها داعش.
وتضيف نور "طلب (الشيخ) منّا أموالا ليؤمن عودتنا، لكن ليس لدينا مال، لذا لا يمكننا التفاوض".
ولا يمكن لفرانس برس التأكد من تفاصيل رواية نور. لكن تتكرر مثل هذه الرواية على لسان كثيرين في مخيم حسن شام.
وتقول بلقيس والي من منظمة "هيومن رايتس ووتش": "نعلم أن هناك ما لا يقل عن المئات من العائلات والنساء على وجه الخصوص الذين لا يمكنهم العودة إلى مناطقهم الأصلية بسبب هذه الاتهامات".
وتضيف "في معظم الأحيان، تستند الاتهامات إلى شائعات يصعب التحقق منها وغالبًا ما ترتبط بمشاكل عشائرية أو مشاكل بين العائلات".
وسرّعت السلطات أواخر العام الماضي 2020 الخطط المعلنة منذ فترة طويلة لإغلاق مخيمات النزوح في جميع أنحاء العراق حيث لا يزال يعيش 200 ألف شخص.
وتشعر المنظمات الدولية بينها منظمة العفو الدولية والمنظمة الدولية للهجرة بالقلق بشأن العائلات النازحة التي تواجه اتهامات تتعلق بصلات مع الجهاديين، وتخشى أن تواجه انتقامًا عنيفًا إذا أعيدت إلى مناطقها.
ويشير تقرير للمنظمة الدولية للهجرة، إلى أن عائلات النازحين يمكنها أن "تثبت عدم صحة الاتهامات" عبر "لجان لرؤساء عشائر وأعيان سياسيين وعسكريين". عندها تسقط السلطات الاتهامات، وتصبح العودة ممكنة.
لكن التقرير يذكر أن اتهامات "الإرهاب" يمكن على العكس أن تبقى، في المناطق التي يتواجد فيها الحشد، في حال تقرّب موجهو الاتهامات من الفصائل النافذة.
"أعداء الدولة"
في نفس السياق، يقول رجل مسن في مخيم "حسن شام" لوكالة فرانس برس، إن أحد جيرانه اتهم ابن أخيه زورا بالانتماء إلى تنظيم داعش ومحاولة سرقة أرضه.
في خيمة أخرى، تعيش سارة التي فضلت استخدام اسم مستعار للتحدث بحرية، مع شقيقتها التي كانت متزوجة من مقاتل في داعش، لاقى حتفه.
وسجنت شقيقة سارة لأكثر من عام في شمال العراق بتهمة التعاطف مع الجهاديين.
وتقول سارة "أخبرنا رجل من الحشد الشعبي أن لديه اتصالات لإخراجها من السجن. فدفعنا له 180 ألف دولار، لكن دون جدوى".
وتجلس أختها بهدوء في ركن من أركان الخيمة، وقد ارتدت حجابا لا يظهر سوى عينيها. وأفرج عنها بعد أن أوكلت العائلة محاميا. واليوم، تعجز العائلة عن دفع ديونها.
وتتهم سارة قوات الحشد الشعبي بأخذ 500 دولار نقدًا منها كانت حصلت عليها للتو من منظمة غير حكومية، عند نقطة تفتيش أمني.
وتقول "كل هذا سمح لخلاف عائلي قديم بالظهور من جديد"، مضيفة "لدينا مشاكل مع أبناء عمومتنا. وعندما علموا باعتقال شقيقتي، أدلوا بشهادات كاذبة عن العائلة بأكملها".
وعلى الرغم من أن العائلة قامت أيضا بعملية "التبرية"، إلا أن العودة إلى منزلها لا تزال غير آمنة.
وتقول والي إن السلطات العراقية أخفقت في تأسيس عملية مصالحة فعالة وعادلة للسماح لمثل هذه العائلات بالعودة إلى ديارها.
وتضيف لوكالة فرانس برس "بدلا من ذلك، فضلت الحكومة العراقية سياسة القصاص التي تولد الاضطهاد بدلا من الاندماج"، و"يتم التعامل مع هذه العائلات كأعداء للدولة".