العراق

بعد 100 عام.. تجدد المطالب بإنشاء "إقليم البصرة"

دلشاد حسين
التحديث 09 يناير 2021 04:04

ينتظر الكثير من سكان البصرة جنوب العراق، حسم قانون المحكمة الاتحادية العليا، للمباشرة مجددا بإجراءات إنشاء "إقليم البصرة" الفيدرالي، بعد توقف استكمالها خلال السنوات الماضية.

ويدخل مطلب إنشاء "إقليم البصرة" في 2021 عامه المئة، إذ طالب سكان المحافظة بالإقليم لأول مرة سنة 1921، لكن الحكومات المتعاقبة في العراق رفضت الأمر.

يقول الناشط البصري عمار سرحان لموقع "ارفع صوتك": "بدأنا منذ عام 2006 إجراءات إنشاء الإقليم، وطالبنا في عهد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي بإعلان استفتاء شعبي، لكن العبادي أوقف كافة الإجراءات بضغط حزبي، رغم أن خطوته كانت خرقاً دستورياً، لكننا لم نستطع تسجيل الشكوى لأن المحكمة الاتحادية معطلة ولم يحسم قانونها بعد".

ويضيف "نحن متمسكون بإنشاء إقليم البصرة لأنه كفيل بإنهاء سيطرة المليشيات على المحافظة وثرواتها، فالنظام الفيدرالي يعني توزيع السلطات والثروات بشكل أفقي متساو على الجميع، وليس كما يحدث الآن من التحكم المركزي".

ويمنح الدستور العراقي بنسخته الجديدة التي أقرت في عام 2005، الحرية للمحافظات العراقية، بتقديم طلب للانتقال من صفة محافظة إلى إقليم، بعد إجراء استفتاء شعبي من قبل مفوضية الانتخابات، على أن يوافق عليه أكثر من نصف الناخبين في المحافظة.

وفشلت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003 من الاستجابة لمطالب البصريين في توفير الخدمات الرئيسية للمحافظة، التي تعاني من مشكلات خدمية مثل تحلية مياه الشرب ونقص الطاقة الكهربائية والخدمات الصحية والتلوث البيئي.

هذا بالإضافة الى مشاكل البطالة والفساد الإداري وسيطرة المليشيات الموالية لإيران على موانئ ومنافذ المحافظة وحقول النفط فيها.

وأسفرت هذه المشكلات المتراكمة عن اندلاع التظاهرات الشعبية في المحافظة التي تعتبر عاصمة العراق الاقتصادية، سنوياً، ولطالما كان مطلب إنشاء إقليم يقوده أبناء المدينة ضمن المطالب الرئيسية لهذه التظاهرات.

ويعتبر الناشط علي حسين، أن إنشاء إقليم البصرة "حل جذري لمشكلات المحافظة ويضمن حقوق أبنائها بعد الظلم الذي لحق بهم على مدى السنوات الماضية من الحكومات العراقية المركزية".

ويقول حسين لموقع "ارفع صوتك" إن الشخصيات والأحزاب المسيطرة على الحكم في العراق، ترفض الإقليم لأنه يضر بمصالحها الشخصية، وهي من خارج البصرة، التي لا تملك أي حزب سياسي مشارك في الحكم".

ورغم أن البعض يعتقدونه حلا، لكن هناك انقسام حول المشروع على المستوى الشعبي بين مؤيد ورافض له، كما أن هناك تخوفا من سيطرة جهات سياسية محددة على البصرة، إذا ما تحولت إلى إقليم. 

ولكن حسين يشير  إلى أن مشكلات هذه المحافظة التي تطل على الخليج العربي، سببها "المركزية والأحزاب والتيارات السياسية بمرجعيتها خارج البصرة". 

في نفس السياق، يقول الناشط الحقوقي، هاني البصري، إن البصرة "تمتلك إمكانية اقتصادية كبيرة، فوارداتها تشكل 90% من موازنة الدولة، وتمتلك أكثر من 60% من مجموع إنتاج النفط العراقي وثلاثة من أكبر عشرة حقول نفط في العالم".

وتقع حقول النفط في مناطق "القرنة والرميلة ومجنون"، كما يوجد في البصرة منفذان بريّان ومنفذ جوي وخمسة موانئ تجارية وميناءان نفطيان، عدا الموارد البشرية والإرث الحضاري.

"وكل هذا يؤهلها اقتصاديا لأن تكون إقليما فيدرالياً"، حسب البصري.

ويرى أن النظام المركزي في العراق، المطبق من 100 سنة "فشل في بناء الدولة رغم امتلاكها كل المقومات الاقتصادية والبشرية لذلك".

ويتابع البصري "على الرغم من التنوع الإثني والقومي ووجود ثروات هائلة، فإنها لا توزع بعدالة بين المواطنين، ولا تُمنح الجماعات المتنوعة خصوصيتها، ما أدى إلى غياب الاستقرار في البلاد".

لكن الناشط البصري محمد الياسري يختلف مع البصريين الآخرين في موضوع إنشاء الاقليم في الوقت الراهن، ويوضح لموقع "ارفع صوتك"، "في ظل وجود مركزية ونظام هجين في العراق لن ينجح موضوع الإقليم في الوقت الحالي، لذلك من الضروري ان نضع هذا الملف جانبا حاليا ونعمل بكل جهد على تغيير شخوص  النظام السياسي وتعديل ما يتوجب تعديله ومن ثم نناقش الاقليم  وفق معطيات الواقع فيما بعد".

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.