لم تدم حالة الهدوء التي شهدتها ساحات التظاهر في العراق طويلا، فاغتيالات وخطف عدد من الناشطين، خلال الشهور الأخيرة من عام 2020، أدت إلى عودة الاحتجاجات لبعض المحافظات الجنوبية.
وخلال الأيام القليلة الماضية، عادت الاحتجاجات لمحافظة ذي قار، بداية من مدينة الناصرية، مركز الاحتجاج على مدى أكثر من عام.
وحسب شهود عيان، قامت مليشيات إيرانية والقوات الأمنية بقمع المتظاهرين، بهدف إنهاء موجة الاحتجاج الجديدة، إلا أنها امتدت إلى محافظات بابل والكوت والنجف وكربلاء.
يقول الناشط المدني سلام غالب لموقع "ارفع صوتك": "انسحبنا من ساحة الحبوبي وسط الناصرية في منتصف ديسمبر الماضي؛ إثر التطمينات التي حصلنا عليها من خلية الأزمة".
وكانت خلية الأزمة قد وعدت المتظاهرين بـ"عدم الملاحقة و التصفيات الجسدية والخطف" حسب غالب، لكن ما حدث منذ ذلك الوقت "مهاجمة لبيوت الناشطين والمتظاهرين بالعبوات الناسفة والصوتية، وشن حملات اعتقال ضد كل المشاركين في التظاهرات بعد تلفيق التهم لهم".
يقول غالب "هذه الإجراءات دفعتنا للاحتجاج مجدداً وبقوة".
ويؤكد أن "المليشيات تمارس القمع ضد شباب التظاهرات بهدف منعهم من الاستعداد بقوة للانتخابات المبكرة وحصد الأصوات الانتخابية، التي من شأنها إزاحة المليشيات من السلطة".
وكثفت قوات مكافحة الشغب والشرطة الاتحادية والرد السريع والطوارئ إلى جانب مليشيات الحشد الشعبي، منذمساء الأحد، من تواجدها في الناصرية وانتشرت في كافة أحياء وشوارع وازقة المدينة بحثا عن المتظاهرين والناشطين.
من جهته، يقول المتظاهر غانم خالد لموقع "ارفع صوتك"، إن "القوات المنتشرة في أحياء الناصرية وأطرافها هي نفسها التي تقمع منذ أسبوع تقريباً أيام شباب الناصرية من خلال حملة اعتقالات وإطلاق الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع عليهم".
ويوضح "من هذه القوات، يجتمع أربعة عناصر على متظاهر واحد، وينهالون عليه بالضرب المبرح، ولا يتركونه حتى يفقد وعيه".
"ونصبوا الأسبوع الماضي نقاط تفتيش في كافة الأزقة، يفتشون المارة ويبحثون في هواتفهم الجوالة عن صور وفيديوهات التظاهرات، وأي شخص يكتشف لديه هذه الصور و الفيديوهات يعتقل فورا، وقد اعتقلوا العشرات وما زال مصيرهم مجهولا" يضيف غالب.
ويتابع "لم تهدأ الناصرية ومدن الجنوب الأخرى خلال الشهرين الماضيين من أصوات انفجار العبوات الناسفة التي تهاجم بها المليشيات بيوت الناشطين والمتظاهرين، بالتزامن مع اختطاف ناشطين ومتظاهرين فاعلين في الحركة الاحتجاجية".
ويشير إلى أن منفذ هذه العمليات "مسلحون من التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر، بالإضافة لعناصر مليشيات أخرى".
وقدمت عائلات المختطفين شكاوى عدة إلى الجهات الرسمية، في مقدمتها الشرطة المحلية، لكن دون جدوى.
وفي بغداد، وجهت اللجنة المنظمة لمظاهرات "ثورة تشرين" نداءً إلى متظاهري بغداد ومحافظات الجنوب، للعودة إلى ساحات الاعتصام والاحتجاج حتى تحقيق مطالبهم.
في هذا السياق، يقول عضو اللجنة عدي الزيدي، لموقع "ارفع صوتك": "نتمنى عودة شبابنا الثائر إلى ساحات الاعتصام في بغداد ومحافظات الجنوب، خاصة أن القمع والقتل والاعتقال لم يتوقف حتى بعد عودة الثوار إلى بيوتهم".
ويضيف أن "المليشيات لم تتوقف عند القتل والاختطاف بل تمادت بشكل كبير على سيادة العراق خاصة حينما عزفت النشيد الإيراني في البصرة ورفعت أعلام إيران في ساحة التحرير".
ويستبعد الزيدي أن تكون المواجهة مع المليشيات والأحزاب الموالية لإيران في العراق هينة، موضحا "نحن لا نواجه حكومة ونسقطها إنما نواجه احتلالاً إيرانياً وقمعاً مليشياوياً، لذا هدفنا منذ البداية كان العملية السياسية وليس الحكومة فقط".
بدوره، يقول رئيس المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، عمر الفرحان، لموقع "ارفع صوتك"، إن الانتهاكات الأخيرة، أسفرت عن تفجير أكثر من 20 بيتاً للناشطين واعتقال العشرات منهم واغتيال ناشطين في البصرة وذي قار.
"ويتهم المتظاهرون ميليشيات تابعة للصدر بتأزيم الموقف فضلا عن القوات الحكومية" حسب الفرحان.
ويؤكد أن قوات مكافحة الشغب، أطلقت النار على المتظاهرين واعتقلت عدداً منهم، مضيفاً "هذه الانتهاكات المتكررة والممنهجة بحق المتظاهرين، دلالة واضحة على أن الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، كغيرها من الحكومات مرهونة بيد الميليشيات وتضرب بيد من حديد لقمع الحريات والرأي".
ويقول الفرحان إن "حملة الاعتقالات والاغتيالات وتفجير بيوت الناشطين في محافظتي ذي قار والديوانية، كانت سببا لخروج المتظاهرين والمطالبة بعدم اعتقال الناشطين وإطلاق سراحهم وعدم التعرض لهم مرة أخرى".
ويضيف "تأتي هذه الانتهاكات في الوقت الذي يتعهد الكاظمي بحماية المتظاهرين وتطبيق العدالة والقانون بشكل واسع".