العراق

"وحيدات في مواجهة حياة صعبة".. الانتحار بين العراقيات الأيزيديات وأسبابه

12 يناير 2021

أسباب عديدة وراء انتحار الشابات الأيزيديات الثلاث والشاب، بين توكيد منظمة أيزيدية وتحليل من نشطاء وأخصائيين في العراق، فأين تقع الحقيقة، ومن يتحمل مسؤولية ذلك؟ 

وكانت فتاة عمرها 15 عاماً من مجمع تل عزيز، انتحرت الخميس الماضي، بشنق نفسها، في مجمع "برسيفة" التابع لقضاء زاخو في محافظة دهوك.

وقالت إدارة المخيم، إن اسمها "سلمى سعاد".

وهذه حالة الانتحار الثالثة خلال أيام، إذ أفاد مصدر أمني في 4 يناير الجاري، أن فتاة أيزيدية نازحة من سكان قضاء سنجار أقدمت على الانتحار في ثاني حادثة من نوعها في غضون يوم واحد. 

وسجلت الجهات الأمنية في دهوك حالة انتحار في مخيم ايسيان بقضاء شيخان شرقي دهوك، لفتاة أيزدية بعمر 22 عاماً، وحسب مصادر محلية فإنها كانت متزوجة وانفصلت عن زوجها في الآونة الأخيرة. 

أما الثالثة، فكان عمرها 15 عاماً، وأنهت حياتها داخل سكنها في مجمع شاريا، ذي الأغلبية الأيزيدية جنوبي دهوك. 

ضحايا الانتحار ليسوا نساء فقط، ففي حالة مماثلة أقدم شاب عمره 21 عاماً على الانتحار، في مخيم "قادبة" التابع لقضاء زاخو في دهوك. 

وكانت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية شكلت لجان تحقيق لمعرفة أسباب ودوافع الإقدام على الانتحار.  

وقال وكيل الوزارة كريم النوري، إن "اللجان تجري حالياً زيارات ميدانية إلى مخيمات النزوح التي وقعت فيها حالات الانتحار، وستكون هناك محاسبة ومعاقبة لأي شخص أو جهة إذا كانت متسببة في هذه الحالات". 

 

صدمات كثيرة 

ولا توجد إحصاءات رسمية عن حالات الانتحار في سنجار الاّ أنها في تصاعد مستمر، حيث شهد عام 2020 أكثر من عشرين حالة.  

وكان الناشط المدني الأيزيدي، طلال مراد غسّاني، قال في حديث خاص لـ"ارفع صوتك"، إن السنوات الست الماضية، شهدت انتحار قرابة 65 أيزيدية.

من جانبها، تقول الناشطة الحقوقية جنان كاظم لـ "ارفع صوتك"، إن "أغلب حالات الانتحار لفتيات يحاصرهن الإحباط، والشعور بالعجز عن مواجهة الظروف المعيشية الصعبة".  

يُذكر أن الأقلية الأيزيدية في العراق تقطن في سنجار بمحافظة نينوى، قريباً من جبال "شنكگال"، واجتاح تنظيم داعش" القضاء في 3 أغسطس 2014 عند دخوله الموصل. 

وارتكب التنظيم الإرهابي مجزرة بحق الأيزيديين عُرفت بمجزرة سنجار، وصنفت بـ"الإبادة الجماعية"، كما استعبد النساء وباع المئات منهن، وجنّد الأطفال الصغار. 

وتعاني الأيزيديات الناجيات من داعش آثار ما بعد الصدمة، حيث تعرضن للتهجير مرات عديدة، وتعرضن أو شهدن الاغتصاب والقتل والاختطاف، وفي المخيمات لا يبدو الأمر أفضل حالاً، إذ يعشن ظروفاً تفتقر للرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية.  

تقول كاظم "الفقر والبطالة هما وراء إقدامهن على الانتحار، فبسببهما تتزايد المشكلات الأسرية وترتفع معدلات العنف ضدهن".  

وسجلت مديرية مناهضة العنف ضد المرأة في إقليم كردستان ستة آلاف و432 حالة عنف تعرضت لها المرأة منذ بداية 2020، حتى نهاية سبتمبر من العام نفسه.

وقالت المديرية إنها سجلت 2220 حالة في مدينة هولير وحدها، بالإضافة إلى 1614 حالة في دهوك و1558 حالة في السليمانية. 

"كارثة نفسية"

الخبيرة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة صبيحة الصالحي، ترى أن العلاج لا يكمن بتشكيل لجان أو عقد اجتماعات حكومية أو دراسات فقط.

"هذه كارثة نفسية وتفاصيلها معقدة، تتحمل مسؤوليتها الحكومة، التي لم توفر ظروفاً معيشية مناسبة للأيزيديات بعد التحرير" توضح الصالحي.

وتقول لـ "ارفع صوتك"، إن "العيش في مخيمات اللاجئين هو بمثابة التخلي عن الأيزيديات وتركهن وحيدات في مواجهة حياتهن الصعبة". 

وتؤكد الصالحي أن الأيزديات الناجيات "بحاجة للعودة إلى ديارهن كما كن قبل اجتياح داعش وتوفير فرص معيشية مناسبة ليواصلن حياتهن بشكل طبيعي ومستقر". 

 

زيادة التخصيصات المالية 

مؤخرا، وجهت رئاسة البرلمان، لجنتا العمل وحقوق الإنسان بمتابعة حالات الانتحار في المخيمات، فيما أكد النائب الثاني لرئيس البرلمان بشير الحداد وجود بعض النقاط التي تعيق عودة بعض العوائل الى سنجار. 

وقال الحداد في مؤتمر صحافي عقده بحضور وزير الهجرة ايفان فائق جابرو واعضاء لجنتي العمل وحقوق الإنسان النيابيتين، إنه "لغرض متابعة أوضاع النازحين والمشاكل التي يعانونها، خصوصا الحالات الحرجة والخطيرة التي ظهرت في بعض المخيمات منها حالات الانتحار".

"ووجهت رئاسة مجلس النواب لجنتي العمل وحقوق الإنسان لمتابعة هذا الموضوع والمخيمات والظروف المعاشية للنازحين" أضاف الحداد.

وقال "تم عقد اجتماع مشترك بين اللجنتين ووزارة الهجرة بحضور وزيرة الهجرة وتم التباحث مع الوزيرة حول مجمل الأوضاع التي في داخل المخيمات من الجوانب الخدمية والنفسية والاجتماعية".  

وتابع الحداد "تم الاستماع إلى شرح مفصل لما قامت به الوزارة من تقديم خدمات والعمل على غلق بعض المخيمات وما وصلت إليه تلك الخطوات والتحديات التي تواجه الوزارة والمعوقات".

ووعد النائب العراقي  بإصدار "تقرير مفصل وتوصيات" من اللجنة المشتركة، ليتم إرسالها إلى رئاسة المجلس، ثم إلى الحكومة". 

وقال الحداد "لاحظنا خلال المباحثات حول منطقة سنجار وجود بعض النقاط التي تعيق عودة بعض العوائل، بالتالي يجب على الحكومة العمل لإكمال هذه الاتفاقية وتنفيذ جميع بنودها".  

 

"الابتزاز"

وفي تعليق لمنظمة متخصصة بتوثيق أوضاع الأيزيديين، الأحد الماضي، قالت إن حالات الانتحار الأخيرة التي شهدتها المخيمات الأيزيدية في العراق "منفصلة وغير مترابطة"، على الرغم من التقارب الزمني بينها وكون ثلاثاً منها لنساء شابات.

وأكدت "المنظمة الأيزيدية للتوثيق"، أن "اثنتين من الشابات اللواتي انتحرن، تعرضتا للابتزاز الإلكتروني".

وقال مدير فرع سنجار في المنظمة، خيري علي إبراهيم، لموقع "الحرة"، إن فتاتين تبلغان من العمر 15 سنة، تعرضتا للابتزاز الإلكتروني من قبل أشخاص مجهولين مما دفعهما للانتحار "خوفا من الفضيحة".

أما الثالثة "فانتحرت بعد مشاكل عائلية وزوجية وتعقيدات مع عائلتها".

 وبحسب مصدر من داخل مخيم شاريا فإن "الفتيات في المخيم يتعرضن أحيانا للاستغلال من قبل متنفذين".

انتحار أيزيديات بسبب الابتزاز الإلكتروني
بسبب "الابتزاز الإلكتروني".. ارتفاع نسبة الانتحار بين الأيزيديات
قالت منظمة متخصصة بتوثيق أوضاع الأيزيديين، الأحد، إن حالات الانتحار الأخيرة التي شهدتها المخيمات الأيزيدية في العراق هي "حالات منفصلة وغير مترابطة"، على الرغم من التقارب الزمني بينها وكون ثلاثا منها راح ضحيتها نساء شابات.

وتوفيت ثلاث فتيات، اثنان منهن بعمر 15 عاما، وشاب إيزيدي انتحارا – كما أعلن – خلال يومين، فيما قالت المنظمة إن اثنتين منهن تعرضتا "للابتزاز الإلكتروني

 

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.