العراق

ما هي سيناريوهات المشهد العراقي بعد تأجيل الانتخابات؟

دلشاد حسين
20 يناير 2021

ازدياد سطوة المليشيات الموالية لإيران وترسيخ نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي وتكميم أصوات المحتجين بالكامل، واندلاع جديد للتظاهرات في بغداد ومدن الجنوب، أبرز ما ينتظره المشهد العراقي من سيناريوهات بعد إعلان الحكومة تأجيل الانتخابات المبكرة إلى أكتوبر المقبل، حسب مراقبين.

وصوت مجلس الوزراء العراقي بالإجماع في جلسته التي عقدها، الثلاثاء، وحضرها أعضاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على تحديد 10 أكتوبر المقبل، موعداً جديدا لإجراء الانتخابات المبكرة.

وأعلن المجلس في بيان أن "قرار التأجيل بعد دراسة مقترح قدمته مفوضية الانتخابات إلى مجلس الوزراء، ينطوي على أسباب فنية مهمة، من شأنها أن تضمن نزاهة الانتخابات وتساوي الفرص أمام الجميع لخوض الانتخابات بحرية وعدالة".

ولم يكن هذا القرار أمراً مفاجئا بالنسبة للشارع العراقي، فالأوساط السياسية والشعبية توقعته في ظل ضغوطات من إيران ونفوذها على الحكومة لإصدار القرار منذ اللحظة الأولى لتحديد موعد الانتخابات من قبل الكاظمي.

يقول المختص بالشأن العراقي عبدالقادر النايل لموقع "ارفع صوتك"، "بعد سيطرتها على أهم مفاصل الدولة، تسعى المليشيات الولائية التي تشرف عليها إيران إلى أن يكون رئيس الحكومة القادم منها، لكن تذمر الشعب العراقي ومحاولاته المستمرة للتخلص منها والأحزاب الموالية لولي الفقيه الإيراني، جعلهم متخوفين من نتائج الانتخابات المبكرة إذا نظمت في موعدها السابق، لذلك أجلوها كي يضعوا الترتيبات التي تؤهلهم للسيطرة على المفوضية وصناديق الاقتراع خلال الأشهر المقبلة وصولاً إلى أكتوبر".

والسبب الثاني حسب النايل هو "انتظار هذه المليشيات والأحزاب وضوح الرؤية الأميركية باتجاه بدء المفاوضات الإيرانية الأميركية مجددا حول ملف إيران النووي، خشية النظام في إيران من إجراء انتخابات غير مضمونة في العراق ربما تأتي بحكومة أقرب لواشنطن أو لن تكون أداة إيرانية كما هو الآن".

ورغم  أن إجراء الانتخابات المبكرة النزيهة بإشراف دولي كان وما زال مطلبا رئيسيا للناشطين والمحتجين العراقيين الذين شاركوا في تظاهرات تشرين منذ2019، إلا أن تواجد مليشيات مسلحة تمتلك المال والسلاح والسلطة السياسية المطلقة بدعم من إيران على الساحة العراقية، إلى جانب عمليات التغيير الديمغرافي التي تشهدها المدن المحررة والانفلات الأمني، وضعف سلطة الحكومة في بغداد وعجزها عن التصدي لهذه المليشيات وإنهاء الفساد المستشري في غالبية مؤسسات الحكومة، طالما مثلت أبرز العوائق التي يخشاها النشطاء.

في هذا السياق، يقول الخبير الإستراتيجي علاء النشوع لموقع "ارفع صوتك"، إن "تأجيل الانتخابات هو سيناريو إيراني جديد للسيطرة الكاملة على العراق في كافة المجالات، خاصة أن حكومة الكاظمي لا تستطيع مواجهة المليشيات والأحزاب الموالية لإيران الآن، وفي هذه المرحلة الصعبة والخطيرة على المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص". 

وحسب متابعة موقع "ارفع صوتك" لآراء الشارع العراقي، فإنه لا يعول كثيرا على الموعد الجديد الذي حددته الحكومة لتنظيم الانتخابات المبكرة، لأنها المرة الثالثة التي تؤجل فيها هذه الانتخابات، ويعتبر التأجيل المستمر محاولة لجر الموعد إلى عام 2022 حيث تنتهي الدورة النيابية الحالية.

من جهتها، تقول الناشطة هديل بهاء لموقع "ارفع صوتك": "تأجيل الانتخابات هو تنفيذ لمخطط وضعته المليشيات والأحزاب يهدف إلى تكميم الأفواه بشكل أكبر من خلال توسيع استهداف الناشطين والمتظاهرين خلال الأشهر المقبلة، أي أننا على موعد مع قمع أوسع للحريات بهدف تمهيد الأرضية لبقاء هذه المليشيات والأحزاب مسيطرة على العملية السياسية في البلاد".

فيما يرى علي الأغوان، وهو أستاذ علوم سياسية في جامعة "البيان" غياباً  للمطلب الشعبي الملح في عدم تأجيل الانتخابات، بالتالي "ليس لذلك وقع كبير على المجتمع".

 ويؤكد الأغوان لموقع "ارفع صوتك"، أن "تحديد السيناريوهات المقبلة يعتمد على مدى ضبط النفس لدى الأطراف التي تواجه بعضها البعض حاليا، وهي الحكومة والفصائل المسلحة والشارع الغاضب الذي ما زال يتواجد جزء منه في الشارع أو ربما تندلع التظاهرات مجددا في بغداد نتيجة سوء الأوضاع".

ويضيف أن السيناريوهات المقبلة حتى إجراء الانتخابات المبكرة تعتمد على مدى بقاء هذه الأطراف الثلاثة متوازنة فيما بينها وألا تتخذ أي خطوة تهدد مصالح الطرف الآخر وإلا ستتدهور الأوضاع.

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.